افراد الجيش العراقي

أقلق تنظيم "داعش"، الذي هزم الجيش العراقي، واستولى على حصيلة البنك المركزي في الموصل، واستطاع أن يبسط نفوذه على مساحة تعادل ثلاثة أمثل لبنان في شهور بسيطة، العالم أجمع، وجعله يحبس أنفاسه، ويقف مذهولًا أمام بضع نفر يقودهم مسجون سابق.

وأبرز رئيس المحكمة الإدراية لمجلس الجامعة العربية الدكتور محمد الدمرداش، أثناء الندوة التي عقُدت في منزل السفير العراقي لدى القاهرة، أنَّ "صورة الإسلام، التي صدّرها داعش للعالم، جعلت العالم ينظر بالريبة إلينا".

وبدوره، بيّن السفير العراقي لدى القاهرة ضياء الدباس، أنَّ "الحكومة العراقية بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي تقوم بمجهود كبير لتوفيق الأوضاع المتردية التي خلّفتها الحكومة السابقة"، مشيرًا إلى أنَّ "هناك أكثر من 28 طلعة جوية قامت بها القوات العراقية على معاقل داعش، وتم تدمير عدد كبير منها في الموصل، ولكن الإعلام لم يركز على هذه النقاط".

ودافع الدباس عن الحكومة العراقية، قائلًا "إن هناك خططًا وُضعت ودخلت حيز التنفيذ على الأرض، والجيش العراقي قادر على التصدى لداعش"، منتقدًا موقف بعض الحكومات الغربية من قضية الإرهاب، وعدم المساعدة الحقيقة من طرف قوات التحالف الدولي"، ومؤكدًا "قدرة الحكومة العراقية وجيشها على الدفاع عن الوطن ضد مخططات التقسيم".

وبدأت الندوة بكلمة للكاتب الصحافي محمود الشناوي، مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط في بغداد، وصاحب كتاب "داعش .. خرائط الدم والوهم"، الذي عبّر بشكل موجز عن خطورة التنظيمات المتطرفة، لاسيّما تلك التي تنتمي إلى الفكر المتشدد، والتي صدّرت صورة مشوهة للإسلام والمسلمين في العالم.

ورأى الشناوي أنَّ "تنظيم داعش هو تطور فكري لتنظيم القاعدة في العراق، الذي بدأت طلائعه مع أبو مصعب الزرقاوي، زعيم التنظيم الذي قُتل في العام 2006، والذي انضوى تحت راية أسامة بن لادن فترة من الوقت قبل أن يتفرع التنظيم، وينفرط عقده بعد موته، ليأتي ويظهر التنظيم من جديد في شكل جبهة النصرة في سورية، ثم داعش".

وأضاف الشناوي، أنَّ "أبناء العشائر السنية من أهالي العراق ساعدوا تنظيم داعش في البداية، معتقدين أن هذه ثورة ضد الحكومة الفاشلة، ولكن ما أن اتضحت معالم وشكل هذا التنظيم، حتى نفضت العشائر السنية يدها، وبدأت تشكل جماعات مسلّحة صغيرة للوقوف في وجهه".

وأوضح أنَّ "فكر هذا التنظيم يقوم على تكفير المجتمع المسلم ككل، دون النظر إلى أي مذاهب فقهية، ويرى جميع تيارات الإسلام السياسي باحتقار، ويعتبرها تنظيمات لا تلبي إحتياجات العصر".

وانتقلت الكلمة للأستاذ في جامعة الأزهر الشريف الدكتور أحمد كريمة، الذي وجّه حديثه إلى الدول الإسلامية قائلًا "إن كل تنظيم إرهابي هدفه تصدير صورة مشوهة عن الإسلام الصحيح، فهم يقتلون أبناء الإسلام ويتركون عبدة الأصنام"، مؤكّدًا أنَّ "فهم الدين الصحيح هو مسؤولية الدولة، قبل أن تكون مسؤولية الأفراد".

وأبرز أحمد كريمة، أنَّ "الخلافة لم تكن أبدًا شرطًا من شروط الدين ولكنها كانت في زمن معين وأدت مهمة معينة، ثم انتهت، ولكن أن يتم استغلالها دينيًا بهذا الشكل، فهذا مخالف لصحيح الدين، وأن الجهل والفقر والبطالة هم أسباب انتشار ظاهرة العنف والتشدد في مجتمعاتنا العربية".

وشهدت الندوة عرض فيلم وثائقي بعنوان "فقهاء التلمود"، يبرز الصورة التي عليها تنظيم "داعش"، وكيف يفتئ زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي بقتل النساء والأطفال، والرجال والشيوخ، وأوضح الفيلم القصير الذي لم تزد مدته عن 5 دقائق، كم الجرائم التي ارتكبها هذا التنظيم عبر سفك الدماء، وهدم الأضرحة والمساجد.

وتحدث مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير هاني خلاف، عن الإطار الدولي لحرب "داعش"، وكيف أنَّ التحالف الدولي قام من أجل مواجهة هذا التنظيم، الذي فرض سيطرته على مساحة بلغت ثلاثة أضعاف لبنان في شهور بسيطة، وعرض كيف أنَّ تنظيم "داعش" استغل التمزق العراقي، ونجح في اختراق الجبهة العراقية والسيطرة على آبار البترول في الموصل.

وطالب خلاف بـ"استحداث مجلس وزراء الداخلية والأمن العرب، بغية وضع حد لظاهرة الإرهاب، والتنسيق بين الدول العربية، و ضرورة استحداث قانون عربي لمواجهة التطرف"، حسب تعبيره.

وأبدى استغرابه من عدم توقيع نصف أعضاء الجامعة العربية على اتفاق مواجهة "الإرهاب"، المُبرمة في العام 1998، مشيرًا إلى أنّ "الآليات غير مكتملة لوضع خطة لمواجهة داعش وغيرها".

وأشار خلاف إلى أنَّ "مجلس السلم والأمن العربي غير مضطلع بدوره، ويجب تقريب وجهات النظر، بغية تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة".

وعرض مستشار الشؤون العربية في مجلس الأمة العراقي محمد أبو جلل، بإيجاز، كيف أنَّ تنظيم "داعش"، الذي وصفه بـ"الإجرامي"، وتنظيم "جبهة النصرة" في سورية لم يراعوا حدود الإسلام.

واتهم أبو جلل، الإعلام العربي، بأنه يقف وراء "داعش"، ويريد للعراق أن يكون ممزقًا، مشيرًا إلى "الحزبية والفرقة بين السنة والشيعة والعرب والتركمان والأكراد واليزيدية".

ودعا أبو جلل كل دول العالم لمواجهة "داعش"، لأنَّ خطورته لن تقف على حدود العراق، بل ستتعداها إلى ما بعده، مبرزًا أنَّ "هناك دولًا آخرى مثل السعودية والكويت ستعاني من خطر هذا التنظيم".

وكشف أبو جلل، أنَّ "داعش" يخطف النساء من بيوتهن في العراق، ويتم بيعهن مقابل 120 دولار للمرأة الواحدة في سوريّة، وقص رواية عن تاجر يزيدي انتحل شخصية عربية وقام بشراء بعض النساء وحررهن من عبودية الرق.

وتناول الدكتور مصطفى الفقي الفهم المغلوط لمعنى "الدولة الوطنية"، مبيّنًا أنَّ "الإسلام لم يكن ضد الدولة الوطنية، وأن داعش تنظيم إرهابي مدسوس من قوى وتنظيمات خارجية تهدف لتقسيم المنطقة وزعزعة استقرارها".

وأكّد الفقي أنّ "استهداف دولة العراق من طرف داعش لم يكن وليد صدفة، فالعراق بلد له خصوصية تاريخية، وإثراء حضاري وثقافي، كما أنه بلد غني بالبترول والمياه الصالحة للزراعة والأرض الصالحة لذلك، وأيضًا القوى البشرية اللازمة"، مشيرًا إلى أنَّ "كل مايجري يصب في مصلحة إسرائيل".

ووصف الفقي تنظيم داعش بـ"الخلايا السرطانية"، معتبرًا أنَّ "كل ظاهرة الإسلام السياسي بتنظيماته خرج من رحم جماعة الإخوان المسلمين، وأن منها المتشدد كالقاعدة والمجنون كداعش والجهادي كالسلفية الجهادية، والمتسامح كجماعة الإخوان"، على حد تعبيره.

وطالب الفقي بـ"التصدي لداعش، والقضاء على الصورة التي شوهت الإسلام، وصدرت صورة سلبية عن الدين الحنيف للعالم"، داعيًا للتضامن الحقيقي بين الدول العربية.