بيروت - فادي سماحة
أدلى الموقوف الشيخ أحمد الأسير بإفادته في ملف أحداث عبرا والتي وضعت قيد المناقشة في جلسة محاكمته أمس الثلاثاء، وضمّنها اعترافات مثيرة عن عدد من الذين شاركوا معه في التخطيط والتنفيذ لمعركة الصدام مع الجيش اللبناني ومن هؤلاء أبو هريرة والكيميائي والسلس والسوسي وأحمد الحرير.
واعترف الأسير في إفادته: "بعد سقوط القصير أقدم عناصر من "حزب الله" على تعليق أعلام حزبية في كل أنحاء صيدا، وخصوصا على المستديرة الغربية قبالة السرايا، مما أثار استفزاز مجموعتي".
وأضاف: "أجريت بعدها بعض الاتصالات، ولاحقا أزيلت الأعلام إلا أنها أعيدت مجددا في منطقة التعمير خصوصا فأعطيتهم مهلة لإزالتها. وبعد عدم التجاوب أجريت تظاهرة سلمية في تلك المحلة بهدف إزالتها، وحصل خلالها إشكال أدى إلى مقتل شخصين من مناصري. وقبل هذا الحادث بشهرين، كنت قررت إنشاء مجموعات مسلحة أطلقت عليها اسم "كتائب المقاومة الحرة". وبغية البدء بإنشاء هذه المجموعات المسلحة فتحت باب التبرع المالي لشراء السلاح وطلبت من الراغبين في الانضمام إلى هذه المجموعات التقدم بطلب للحصول على بطاقة، وبدأت بتقسيم المجموعات وشراء السلاح لتنظيم "كتائب المقاومة الحرة"، وتم تنظيم الهرمية العسكرية وإنشاء جهاز للحماية الشخصية".
وتابع: "عُيّن اثنان عن مخزن السلاح الذي كان تحت مكتبي في المسجد نفسه. ووصل العديد إلى نحو 300 منتسب. وكلفت فادي السوسي متابعة موضوع التسلح وشراء الأسلحة. وتم الأمر من وجهتين مختلفتين، الأول من عرسال وجرودها من خلال التنسيق مع السوري أحمد زكريا سيف الدين الملقب بـ"السلس" الذي كان يؤمن الأسلحة وينقلها بواسطة بيك اب له في داخله مخبأ سري إلى عبرا – مسجد بلال بن رباح، الجهة الثانية من منطقة شمال لبنان من خلال العديد من تجار الأسلحة لا أعرفهم، وقد نسق السوسي معهم".
واسترسل: "استطعنا الحصول قبل معركة عبرا على 250 بندقية كلاشنيكوف و7 قذائف آر بي جي ورشاشي ماغ ودوشكا ومدفع بـ10 وكميات كبيرة من الذخائر والرمانات اليدوية.
وأمن السلس بقعة لتدريب عناصر التشكيل في جرود عرسال أو جرود جوسية. وأرسلت مجموعتين من الشباب تضم كل منها خمسة شبان بينهم أحمد الحريري الملقب بـ"أبو هريرة"، جميعهم قتلوا في معركة عبرا".
وأردف الأسير : "انتقل التدريب إلى عبرا بسبب صعوبة متابعته في جرود عرسال. وركز التدريب على تفكيك الأسلحة وتركيبها وكيفية القتال والانتشار والتحرك. وتم الطلب من السلس إرسال احد الأشخاص لتدريب بعض العناصر على صناعة المتفجرات بناء على اقتراح المسؤول العسكري لدي فادي السوسي، فأرسل السلس في مطلع حزيران 2013 السوري خالد عدنان عامر من القصير الملقب بـ"الكيميائي" (موقوف) الذي درب في عبرا أيمن م. على تصنيع المواد المتفجرة وكيفية استخدامها وتجهيز العبوات الناسفة".
وزاد: "بعد إعلان المجموعات المسلحة أعطيت الأمر بالبدء بأعمال التحصين وبناء الدشم في محيط المسجد، وتعيين مجموعات حراسة مسلحة في المربع التابع لي. ووضع السوسي خطة دفاعية عن المربع وتركيز نقطة مراقبة مسلحة بغية إعاقة الحزب وسرايا المقاومة عن التقدم وتوزيع شبان على الأسطح".
وأفاد الأسير بأن "حوادث عبرا سبقتها حوادث عدة بينها مع حمود الصوصي وشخصين من أتباعي بإطلاقه النار في اتجاه الطرف الثاني. كما حاول صدم عامل لدى شقيق أمجد الأسير، وتكررت اعتداءاته، مما تسبب بتوتير الأوضاع في صفوفهم، فأعطيت أمرًا واضحًا بالاستنفار بواسطة رسائل نصية وتوزيعها وفق الخطة الدفاعية، واستنفر في المقابل أتباع الصوصي ومن معه من سرايا المقاومة في الشقق المقابلة للمربع الأمني. وبعد الظهر بدأ إطلاق النار من دون تمكني من معرفة البادئ. وأدار المعركة فادي السوسي بتوجيهات مني، بينما كنت في مكتبي، ثم حصل وقف إطلاق نار. وبعد تلك المعركة شعرت بأن ثمة نية لاستهدافي من هؤلاء".
واستأنف : "ثم تم نشر نقاط مراقبة وحواجز للجيش، فأعطيت الأمر بالإسراع في أعمال التحصين والتدشيم في محيط المربع الأمني وتأمين النواقص من الأسلحة، وطلبت البقاء في جهوزية تامة. وأرسلت أحمد الحريري مع شخصين إلى حاجز الجيش الظرفي بغية الطلب من آمر الحاجز إزالته، وبعد فترة أزيل. ولاحقا علمت أن شابين أوقفا عند حاجز الجيش على تقاطع في عبرا، وشعرت بغضب عندما سمعت بتعرض احدهما للضرب، وعلى الفور طلبت من أحمد الحريري التوجه والطلب من الضابط المسؤول عن الحاجز رفعه فورًا واصطحاب شباب في المسجد مع أسلحتهم الحربية بغية الضغط. وعندما سمعت إطلاق النار على الحاجز طلبت من العناصر الانتشار في محيط المسجد وعلى سطوح المباني في انتظار وصول فادي السوسي لإدارة المعركة. وبعد ذلك بدأ الاشتباك المسلح مع الجيش".
وتحدث عن فراره بعد حلق لحيته إلى البحصاص في طرابلس. وكانت جلسة محاكمة الأسير خاطفة وهادئة عقدتها المحكمة العسكرية الدائمة الثلاثاء في ملف أحداث عبرا حضرها الشيخ أحمد الأسير للمرة الأولى .
وأدخل الأسير (47 عامًا) إلى قاعة المحكمة بعيدًا من مرأى الإعلاميين والحضور من ممر خلفي تابع للمحكمة التي، وفق مصادرها، أدخل والأصفاد في يديه ورفعت عنهما أثناء إجلاسه وحده عند طرف المقعد الخامس لجهة الحائط عند يسار القاعة. وهو في عداد المقاعد المخصصة للمدعى عليهم المخلين والحضور. وكان محاطا بطوق امني من عناصر الشرطة العسكرية الذين يتولون الأمن في مبنى #المحكمة_العسكرية. وبلغ عددهم زهاء 13 عنصرًا أحيطوا به جلوسًا إلى جانبه أو وقوفا. فيما أدخل موقوفون قفص الاتهام على قدر استيعابه.
وجلس الأسير على المقعد في عباءته الرمادية الفاتحة اللون، معتمرًا القبعة الدينية البيضاء.
وسرحت عيناه الجاحظتان اللتان تغطيهما نظارته الصغيرة في أرجاء المحكمة، وبدت نظراته قلقة لا تخلو من الاضطراب من خلال تنقل بؤبؤي عينيه بسرعة يمينًا ويسارًا أحيانا من دون أن تتوجها إلى ناحية قفص الاتهام إلا بصورة خاطفة.
وأرجع ظهره إلى الخلف، ملقيًا إياه على المسند الخشبي للمقعد مبديًا حركة في الوجه، المكسو بلحية جديدة طرية، نمت عن انزعاج يعانيه في الظهر. وأخذ يرمق بطرف عينين كبيرتين مضطربتين مغروستين في وجه ناحل بعض الشيء عن وجه الأسير المعروف سابقًا.
وخلال الجلسة القصيرة التي لم تتجاوز الـ15 دقيقة نظرًا إلى ما استغرقه تعداد أسماء المتهمين والمحامين الحاضرين عنهم، لم يتلفظ الأسير بأي كلمة باستثناء كلمة "نعم" عندما سأله رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد الركن الطيار خليل إبراهيم عن اسمه الكامل. ووقف في الوقت عينه والد الأسير الذي كان داخل القاعة ظنًا منه انه المقصود في المناداة. وهو حضر وزوجته الجلسة وتمكنا من مقابلة ابنهما الموقوف في غرفة خاصة في أحد المكاتب في الطبقة الأولى من المحكمة مدة 15 دقيقة.
وساد صمتٌ مدقع داخل القاعة خلال الجلسة رغم عدد الحاضرين من متهمين ومحامين وصحافيين وعناصر الشرطة العسكرية الذين غصت بهم القاعة. وما قطع هذا الصمت سوى كلام رئيس المحكمة وبعض كلمات من ممثل النيابة العامة العسكرية القاضي هاني حلمي الحجار ووكلاء الدفاع عن الأسير المحامين عبد البديع العاكوم ومحمد صبلوح وانطوان نعمه الذي استمهل لتقديم مذكرة بدفوع شكلية فوافقت المحكمة.
كما تطرقَ رئيس المحكمة إلى طلب الدفاع تعيين لجنة طبية للكشف على موكلهم معلنًا إحالته على ممثل النيابة العامة القاضي الحجار لإبداء الرأي باعتبار أن الأسير، إلى ملف أحداث عبرا، ملاحقا بملفين آخرين أمام القضاء العسكري تزوير وثيقة السفر وتأليف مجموعات مسلحة والتخطيط لاغتيال شخصيات دينية وحزبية.وتبعا لذلك أرجئت الجلسة إلى 20 تشرين الأول المقبل.
وعقدت الجلسة وسط تدابير أمنية مشددة في محيط مبنى المحكمة امتدت إلى مسافة عشرات الأمتار عن مدخلها. واعتصم عند انتهاء هذه التدابير ذوو شهداء الجيش الذين سقطوا في الاشتباكات مع مجموعة الأسير.