تونس ـ كمال السليمي
يتوجه التونسيون الأحد إلى صناديق الاقتراع، لاختيار أول برلمان للبلاد بعد الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي منذ أكثر من 3 أعوام، بينما انطلق اقتراع ناخبي الخارج قبل يومين في 6 دوائر انتخابية أُقيمت في أوروبا والعالم العربي وأميركا وآسيا وأستراليا.
وتدخل تونس في انتخاب المجلس النيابي، الأول بعد المجلس التأسيسي الذي وضع دستور البلاد الجديد، عهد الجمهورية الثانية، وفق نظام برلماني قُسِّمت فيه السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والبرلمان بعد عقود من حكم النظام الرئاسي الفردي.
وشهدت مكاتب الاقتراع في عدد من الدوائر الانتخابية في الخارج مشاكل تقنية حالت دون ممارسة عشرات التونسيين حقهم الانتخابي، ما دفع بعضهم إلى التظاهر أمام القنصلية التونسية في باريس أمس السبت، احتجاجًا على عدم تمكنهم من الاقتراع والدعوة إلى حل المشكلة قبل انتهاء التصويت.
وصرّح رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات شفيق صرصار، في مؤتمر صحافي أمس، بأنَّ "الذين اقترعوا في انتخابات 2011 ولم يسجّلوا أسماءهم للانتخابات الحالية لن يتمكنوا من التصويت"، مشيرًا إلى أنَّ الهيئة أوجدت الحلول لمَن تسجل ولم يجد اسمه في قوائم الناخبين.
وعاشت البلاد السبت، يوم "الصمت الانتخابي"، فامتنع المرشحون وقادة الأحزاب عن الإدلاء بتصريحات وتنظيم مهرجانات انتخابية بعد 22 يومًا من حملة انتخابية شهدت تنافسًا محمومًا بين القوائم الحزبية والائتلافية والمستقلين.
وتتنافس أكثر من 1300 قائمة حزبية وائتلافية ومستقلة على 217 مقعدًا في مجلس النواب المقبل، تنقسم إلى 33 دائرة انتخابية بينها 6 دوائر لتمثيل التونسيين في الخارج، علمًا أنَّ العدد الإجمالي للناخبين يصل حوالي 5.3 مليون ناخب من أصل 10.8 مليون تونسي.
وتنطلق حركة "النهضة" الإسلامية، الحزب الأكبر في المجلس الوطني التأسيسي، بحظوظ وافرة في الحصول على العدد الأكبر من المقاعد، في مقابل صعود حزب "نداء تونس" العلماني الذي تأسس منذ عامين ويعتبره المراقبون منافسًا جديًا في هذه الانتخابات.
في المقابل، تسعى أحزاب يسارية وليبرالية مثل "الجبهة الشعبية" و "الحزب الجمهوري" و "الاتحاد من أجل تونس" و "آفاق تونس" و "التيار الديمقراطي" إلى الحلول في المرتبتين الثالثة والرابعة، اللتين تخولهما المشاركة في أي ائتلاف حكومي محتمل بعد الانتخابات.
ويرى مراقبون أنَّه من الصعب على أي حزب الحصول على نسبة تفوق الـ50 في المائة من المقاعد، مما يجبر الأحزاب الفائزة على السعي إلى التحالف مع قوى أخرى لتشكيل الحكومة المقبلة.
وكانت حركة "النهضة" اقترحت تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات تضم كل التيارات السياسية بما فيها الأحزاب التي أسسها مسؤولون في النظام السابق على اعتبار أنَّ "البلاد في المرحلة المقبلة تحتاج إلى حكم توافقي"، بينما طرحت أحزاب علمانية مبدأ التحالف الحكومي الذي يجمع فيما
بينها من دون مشاركة الإسلاميين.
ويضع الدستور التونسي معظم السلطات التنفيذية بيد رئيس الوزراء فيما تقتصر صلاحيات الرئيس على السياسة الخارجية والدفاع، ما يفسر تركيز الإسلاميين جهودهم على الفوز في الانتخابات التشريعية وعدم ترشيح أحد في الانتخابات الرئاسية المقرر أجراؤها الشهر المقبل.
وتجري الانتخابات في تونس أيضًا على وقع تحرك مجموعات مسلحة حاولت تنفيذ عمليات "تستهدف العملية الانتخابية وإفشال المسار الانتقالي" وفق ما صرح به سابقًا وزير الداخلية لطفي بن جدو.
وتفقد رئيس الوزراء مهدي جمعة ووزير الداخلية جاهزية الأجهزة الأمنية لتأمين العملية الانتخابية، وذلك غداة دهم أحد المنازل في محافظة منوبة قرب العاصمة التونسية، حيث تحصّنت مجموعة متطرفة، وأسفرت العملية عن مقتل عنصر أمني و6 مسلحين، 5 منهم نساء.
وتشهد تونس، أول انتخابات تشريعية منذ الثورة، بمشاركة نحو 5,3 ملايين تونسي، تشكل اقتراعًا حاسمًا للانتقال الديمقراطي في البلاد وتجري وسط تدابير أمنية مشددة خشية هجمات يشنها الجهاديون.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2011، شكَّل انتخاب المجلس التأسيسي الذي فاز فيه إسلاميو حركة "النهضة" أول اقتراع حر في تاريخ البلاد؛ لكن انتخابات اليوم حاسمة؛ لأنها ستمنح تونس مؤسسات مستقرة بعد نحو أربعة أعوام من ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 التي شكَّلت شرارة انطلاق ما سمي الربيع العربي.
وسيصوت التونسيون لاختيار 217 نائبًا يمثلونهم لخمسة أعوام وتكون مهمتهم تأليف الغالبية التي ستتولى الحكم، ويمنح الدستور الجديد الذي أقِرَّ في كانون الثاني/ يناير سلطات واسعة للبرلمان والحكومة مقابل صلاحيات محدودة لرئيس الدولة، وستجري الانتخابات الرئاسية في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر.
ويشير المحللون إلى حزبين هما الأوفر حظًا، "النهضة" الذي تولَّى الحكم من بداية 2012 حتى بداية 2014، ومعارضوها الرئيسيون في حزب "نداء تونس" الذي يضم على السواء معارضين سابقين للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ومسؤولين سابقين في نظامه.
وكون النظام الانتخابي المعتمد يسهِّل وصول الأحزاب الصغيرة، أكدت القوى السياسية الكبرى أنَّ أي حزب لن يتمكن من الحكم بمفرده،
وتوقّع القيادي في "نداء تونس" محسن مرزوق، أنَّ يتقاسم حزبه مع الإسلاميين 150مقعدًا، قائلًا "اعتقد أنَّ البرلمان سيكون مجزأ بين الأحزاب القوية".
وأكدت النهضة التي اضطرت إلى الانسحاب من الحكم في بداية 2014 بعدما طبعت العام 2013 أزمة سياسية واغتيال اثنين من معارضي الإسلاميين وهجمات لجهاديين، أنَّها تريد تأليف حكومة توافق مبدية استعدادها لـ"تحالف الضرورة" مع "نداء تونس".
بدوره، ينوي الحزب العلماني المذكور في حال فوزه تشكيل ائتلاف حكومي ولم يغلق باب التعاون مع الإسلاميين رغم أنَّه أكد في حملته أنَّه البديل الوحيد منهم آخذًا عليهم مناهضتهم للديمقراطية.
وأعلنت هيئة الانتخابات التونسية أنَّها لن تستطيع على الأرجح إعلان النتائج ليلة الاثنين، علمًا أنَّ أمامها حتى 30 تشرين الأول/ نوفمبر لإعلان تشكيلة
البرلمان الجديد، غير أنَّ الأحزاب يمكنها أن تعلن النتائج انطلاقًا من عمليات الفرز التي ستقوم بها.
وتبقى نسبة المشاركة عاملًا رئيسيًا مع استياء عدد من التونسيين من المعارك بين السياسيين والتردي الاقتصادي والبطالة، وكلها كانت عوامل رئيسية
لقيام الثورة.
وإذا كانت تونس بمثابة الأمل الأخير في انتقال ديمقراطي ناجح بين دول الربيع العربي، فإنَّ السلطات تخشى هجمات المجموعات الجهادية لإفشال الانتخابات ويتوقع أن ينتشر الأحد، نحو ثمانين ألفا من عناصر الشرطة والجيش.
وأسفرت المواجهات مع الجهاديين منذ 2011 عن عشرات القتلى في صفوف الجيش والشرطة، والجمعة، وبعد حصار استمر أكثر من 24 ساعة، قتلت القوات التونسية داخل منزل في ضاحية العاصمة ستة أشخاص يشتبه بانتمائهم إلى مجموعة مسلحة بينهم خمس نساء.
وكتبت صحيفة "لا برس" الناطقة بالفرنسية في عددها السبت، أنَّ "الرد الوحيد للمواطنين على القوات الظلامية هو التصويت بكثافة، على التونسيين أن يتوجهوا بأعداد كبيرة (إلى صناديق الاقتراع) لإنقاذ تونس، إنَّ نسبة امتناع كبيرة ستكون فشلًا للانتخابات والديمقراطية".
وشدَّد رئيس الوزراء مهدي جمعة، السبت على أهمية الانتخابات التشريعية، معتبرًا أنَّها تجربة "تحمل أمالا" للمنطقة بأسرها في وقت تغرق غالبية
دول الربيع العربي في الفوضى أو القمع.
ووجَّه زعيم "النهضة" راشد الغنوشي رسالة مماثلة في ختام حملة حزبه الجمعة، قائلًا "نحن في لحظة تاريخية، نحن في عيد هو عيد الديمقراطية".