القاهرة - محمد التوني
وجوه مصرية سمراء بملامح بسيطة تسعى دائما بحثا عن الرزق ولا تعرف بماذا سيأتي لها الغد، تواجه الصعاب لتكسب قوت يومها بعرق الجبين، لأن هناك أفواها خلفها تبحث دائما عن الطعام، فما بين زوجة وأم وأطفال في انتظار جنيهات قليلة، يظل التصدي لمتاعب البحث عن لقمة العيش أمرا مهما، ولكن أن تواجه الموت، وتراه أمام عينيك فهذا قد يجعلك تتراجع عن لقمة عيش أو مصدر رزق قد يودي بحياتك.
وجاء ذلك في تقرير نشرته صحيفة الأهرام المصرية، مع عمال ملاحات سيناء الذين يعملون بقرية الروضة وأطلق عليهم النار قبل أيام ، وهناك من مات أخوه أو صديقه أمام عينيه، ومنهم من توارى تحت الجثث حتى ينجو .. الجميع رأوا أن الجوع أقسى من الموت، ورحلوا إلى عملهم فعلا حيث موقع الحدث في قرية الروضة بسيناء التي تبعد عن مقر إقامتهم بعزبة يعقوب بالشرقية حوالي 300 كيلو متر أى سفر قرابة الثلاث ساعات من أجل العمل وسد جوع الصغار بالرغم من كل ما حدث حيث يعمل رجال هذه العزبة في تحميل الملح ونقله .
إمرأة في العقد السادس من عمرها تقريبا عفت الشوادفي فلاحة بسيطة أكدت أن أبناءها الأربعة الذين خرجت بهم من حطام الدنيا يعملون في تحميل الملح بقرية الروضة بسيناء، وأكرمها الله ولم يمت احد منهم ولكن احدهم اتصل بها وقت الضرب واستغاث بدعواتها ووصاها على أبنائه إذا استشهد أو حدث له مكروه، وهم سيسافرون في الفجر إلى المكان نفسه، حيث يعملون، فلهم الله ولا أحد غيره، وبقلب مطمئن أكدت أن من حماهم مرة قادر على حمايتهم ألف مرة، وهم لن يعملوا عملا مشبوها ليكسبوا أرزاقهم، وليس أمامهم بديل حلال سوى هذا العمل، وأنا أستودعهم ربي أمانة ولكن كل ما أطلبه هو أن يحصلوا على معاش تكافل وكرامة لأن القائمين على هذا العمل في الشؤون الاجتماعية يقولون إنهم تجاوزوا حد الفقر على الرغم من أنهم يسكنون بالايجار.
أما الحاج سمير أحمد والد أحد الشهداء وهو طلعت سمير أحمد فيقول إن لديه ابناء احدهم يدعى أحمد يعاني كهرباء زيادة في المخ، على الرغم من قدرته على العمل، فإنه أحيانا يخرج ولا نعرف أين هو، أو كيف سيعود، وكان يعوله شقيقه الكبير طلعت الذي لقى حتفه، والصغير محمد الذي رأى شقيقه يموت أمام عينيه، وسيعودان غدا وكل ما أتمناه هو معاش تكافل وكرامة لابني أحمد سمير أحمد لأن موظفي الشؤون يروننا تخطينا خط الفقر، وأنا فلاح بسيط لا أملك أرضا أو شيئا، وسأعول أبناء ابني الشهيد لأن ابني الذي مات وهو طلعت سمير احمد متولي لديه 4 أبناء ،منهم بنتان تستعدان للزواج ولم يعد لهما عائل، ووالدتهما لا تعمل وكل ما نتمناه معاش لأبنائه وأن تعمل أرملته في مدرسة القرية كعاملة ليكفيها ذلك ذل الحاجة.
وأما سليم عبد الفتاح - 30 سنة ولديه 3 أبناء - يعمل في الملح بقرية الروضة أيضا منذ أربع سنوات فيقول إن أهم شيء الآن هو توفير معاش لأسر الشهداء حتى يجد أبناؤهم ما ينفقونه حتى نطمئن أننا إذا متنا سنجد ما يكفى أبناءنا ذل الحاجة ،وإذا عشنا فسنحفر في الصخر ونطعم أبناءنا لأن أرملة الشهيد أحمد إبراهيم حسن أصبحت بلا عائل ولديها ثلاثة أبناء ونتمنى لها أن تعمل كعاملة في مدرسة القرية حتى تقوى على مواجهة صعوبات الحياة وكذلك توفير معاش لها ولصغارها لأنهم دون دخل .
وبينما يقول عبد الحميد طه 34 سنة ويعمل بالملح ــ إن عملنا يقوم على العتالة وتحميل الملح ، ونعمل 20 يوما ونأتي لأهلنا 10 أيام من الشهر، وأعمل هناك منذ أن كنت طفلا حيث كان والدى هناك قبلي، واصطحبنى هناك وكبرت، ولا أعرف لى عملا سوى هذا، ولدى 3 أطفال، وسأعود للعمل على الرغم من كل المخاطر، حيث لا يوجد لنا بديل، والجوع أقسى علينا وعلى أبنائنا من الموت، لأن كلا منا لديه التزامات لابد من الوفاء بها فنحن لسنا من أصحاب الأراضي مثلا أو غير ذلك. وأما محمد عبد الكريم عبد الفتاح فهو حاصل على ليسانس اداب فرنساوى منذ 10 سنوات، وبعد رحلة بحث لم يجد بديلا سوى العمل في الملح مع شقيقيه أحمد ومصباح، ويقول: تقدمت للعمل بشهادتي في مدارس كثيرة وأماكن مختلفة ولكن دون جدوى .
وأما عن الأجور فما نأخذه في عشرين يوما ننفقه في عشرة أيام نقضيها أجازة مع الأسرة. وبينما يؤكد خالد عبد الحكيم -35سنة لديه 3 اطفال ويعمل بالملح أيضا أنه حصل على دبلوم زراعة ويعمل هناك منذ سنوات طويلة، وسيعود للخطر على الرغم من أنهم رأوا الموت بأعينهم لأنه لا بديل لكسب الرزق، وإذا كان البديل موجودا فماذا يرغمنا على أن نسافر أكثر من 300 كيلو متر، ونغيب عن أبنائنا كل هذا الوقت فنحن ننفق كثيرا هناك بمفردنا لإرتفاع الأسعار هناك، وما يتبقى ندخره لننفقه على الصغار فترة الإجازة.