القاهرة - محمود حساني
يبلغ من العمر 22 عامًا، حافظًا للقرآن الكريم ، ينتمي لأسرة متوسطة الحال ، متفوق دراسيًا حتى استطاع أن يحتل المرتبة الرابعة بين أوائل الثانوية العامة في محافظة الفيوم، والتحق بكلية العلوم، ويشهد له الجميع بالتفوق لعل هذه أبرز المعلومات التي تدور حول شخصية الانتحاري "محمود شفيق محمد مصطفى"، المُنفذ الرئيسي للحادث المتطرف الذي استهدف الكنيسة البطرسية الملحقة بالكاتدرائية المرقسية في العباسيية، الذي وقع صباح الأحد الماضي، وراح ضحيته 25 قتيلاً وإصابة 45 آخرين وفقًا لآخر بيان صادر عن وزارة الصحة المصرية، وهي معلومات بدورها، تُثير تسآولات واسعة، حول الأسباب التي من شأنها أن تدفع شابًا متفوقًا إلى اعتناق أفكار متطرفة والإقدام على ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة.
ومقربون من الإنتحاري "محمود شفيق"، أكدوا أنه طوال فترة حياته، كان ملتزمًا دينيًا حريص على تأدية الفروض الخمسة في المسجد القريب من منزله الكائن في محافظة الفيوم، وحريص كل الحرص على المواظبة على قراءة القرآن والإطلاع على الفقه الإسلام والعلوم الدينية، ولم يرون منه أي أفكار متطرفة، "س-ع"، 23 عامًا من محافظة الفيوم، وأحد الأصدقاء المقربين من الانتحاري "محمود شفيق"، يُشير إلى أن بعد ثورة 30 حزيران / يونيو، التي أطاحت بجماعة الإخوان من حكم البلاد، وما صاحبها بعد ذلك من أحداث فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة، أدت هذه الأحداث السياسية إلى تغير جذري في الأفكار التي يتبناها "محمود شفيق"، وكان حريصًا كل الحرص على المشاركة في جميع الفعاليات المناهضة للحكم الرئيس السيسي، حتى أوقفته الأجهزة الأمنية، في إحدى المظاهرات في عام 2014 .
ويضيف الصديق المُقرب من الانتحاري "محمود شفيق"، أن بعد خروجه من السجن، أصبح أكثر عنفًا عن قبل، ومدافعًا بشدة عن الممارسات التي ينتهجها تنظيم ما يسمى إعلامياً بـ"داعش"، وكان حريصًا على التواصل مع عناصر هذا التنظيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي محاولة من "مصر اليوم"، للوصول إلى تفسير منطقي حول الأسباب الرئيسية التي تدفع مثل هذا الشابق المتفوق، الاتجاه إلى العنف والتطرف، قمنا بعرض هذه المعلومات السابقة على خبراء علم النفس والاجتماع .
في البداية يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإسكندرية، دكتور حسين عبدالعال، أن التطرف نوعان؛ تطرف فردي، يُخص الشخص نفسه، ويظهر ذلك واضحًا في آرائه وأفكاره وتصرفاته، دون أن يتعدى تطرفه غيره، والنوع الثاني وهو "التطرف المنظم"، وهو ما يتعدى حدود الفرد ليصل مخاطره إلى حوله من المتواجدين معه في المجتمع، وهو النوع الأخطر، وهو ما ينطبق على تنظيم "داعش"، حيث تمتد مخاطره وشروره على المجتمع الذي أو المكان الذي يُسيطر عليه، ومع التطور الكبير في وسائل الاتصال الآن، استطاع مثل هذا التنظيم، أن يستقطب عناصر أخرى، ويجندها لصالحها، وأصبحت مخاطره تتعدى حدود المكان الذي يُسيطر عليه .
ويضيف أستاذ علم الاجتماع :" أما بشأن أسباب التطرف، فهي متعددة، منها ما هو فكري ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي ومنها ما نفسي واجتماعي، إلا أن الأغلب في منطقتنا العربية، هو تبني العنف والتطرف، راجعًا إلى أسباب سياسية واقتصادية، كالإضطرابات السياسية التي شهدتها المنطقة، منذ اندلاع أحداث ما يعرف بـ"الربيع العربي" في عام 2011، وسقوط على أثرها عدد من الأنظمة الحاكمة، ووصول جماعة الإخوان إلى الحكم، كل ذلك ساعد على تهيئة المناخ والبيئة الملائمة لنمو الجماعات المتطرفة، كما هو الحال في سورية والعراق وليبيا .
وتابع الدكتور حسين عبدالعال، فيما يتعلق بحالة الانتحاري "محمود شفيق"، فإن الأوضاع السياسية التي شهدتها مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية، كان سببًا في تحوله إلى شخص ينتهج العنف والتطرف، فمن الثابت من المعلومات السائدة عنه، أنه أحد عناصر جماعة الإخوان في الفيوم، وهي جماعة بطبيعتها تنتهج العنف والتطرف منذ نشأتها، ومع ثورة 30 حزيران/يونيو، انتهج أغلب أعضائها إلى العنف، والتي كان من بينهم الانتحاري "محمود شفيق"، ومع وسائل الاتصال، وجد غايته في تنظيم "داعش"، وتواصل معهم، حتى أصبح واحدًا منهم، يؤمن بأفكارهم ومعتقداتهم، وهو ما دفعه إلى الإقدام على ارتكاب حادث تفجير الكنيسة.
وطالب عبدالعال، مؤسسات الدولة، بضرورة إعادة تأهيل عناصر جماعة الإخوان بعد خروجهم من السجن، حتى يصبحوا عناصر صالحة داخل المجتمع، وذلك من خلاء إعطائهم دروس دينية، حول الفكر الإسلامي الصحيح، الذي يرفض العنف، ويحض على المحبة والسلام، ويشير أستاذ علم النفس في جامعة القاهرة، الدكتور مؤمن خليل، أن العنف، من المبادئ الرئيسية في فكر ومنهج جماعة الإخوان، وعندما فشل عناصرها في تحقيق أهدافهم، انتجهوا إلى " التطرف"، كما هو الحال في حالة الانتحاري "محمود شفيق"، الذي فجّر كنيسة البطرسية، ومما ساعده على ذلك، أنه وجد في وسائل الإنترنت، بيئة خصبة، ساعدته على الإطلاع على أفكار "داعش" والتواصل معهم، حتى أصبح واحدًا من عناصرها .
وطالب أستاذ علم النفس، الدولة، بضرورة الاهتمام برعاية عناصر جماعة الإخوان داخل السجون، والعمل على ثتقيفهم وتوعيتهم بعد سيطرة أفكار الجماعة على عقولهم، حتى لا يمثل خروجهم من السجن، خطرًا كبيرًا على المجتمع، كما رأينا في خروج الانتحاري "محمود شفيق"، خطرًا على أمن المجتمع، إذ خرج من السجن، واتجه إلى العنف، حتى أقدّم على ارتكاب مثل هذا الحادث البشع .