المستشارة أنغيلا ميركل والرئيس فلاديمير بوتين و الرئيس إيمانويل ماكرون

يلقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الأثنين، خطابًا  أمام سفراء بلاده في العالم بمناسبة مؤتمرهم السنوي، وتشكل كلمة الرئيس ما يشبه "خريطة الطريق" للدبلوماسية الفرنسية في الأشهر المقبلة، حيث ستركز على الملفات الرئيسية والبؤر الساخنة التي يريد ماكرون أن يكون لباريس دور في إدارتها.

استحقاقات رئيسية
وكثف الرئيس الفرنسي اتصالاته مع نظرائه في روسيا والولايات المتحدة الأميركية وتركيا وألمانيا ودول أخرى، فيما تخيم على سورية استحقاقات رئيسية؛ أولها مصير محافظة إدلب وملف اللاجئين والنازحين والمهجرين وإعادة الإعمار.

ومن بين ذلك كله، يعود إلى الواجهة موضوع إمكانية استخدام النظام للأسلحة الكيماوية في المعركة التي يحضر لها في هذه المنطقة والاتهامات المتبادلة بين واشنطن وموسكو والأطراف المتصلة بهما وفق تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط "اللندنية".

بالغ التعقيد
وأكّدت مصادر فرنسية في معرض توصيفها للوضع في هذه المنطقة أنَّه بالغ التعقيد لمجموعة من الأسباب؛ أولها هيمنة "هيئة تحرير الشام" وعصبها تنظيم "النصرة" على أجزاء واسعة منها، ما يعطي النظام وروسيا وإيران والميليشيات التي تقاتل إلى جانب النظام حجة "محاربة الإرهاب" لتبرير إطلاق العمليات العسكرية.

السيناريوهات السابقة
وبرأي باريس، فإن السيناريوهات السابقة التي طبقت في الجنوب السوري وقبلها في الغوطة والمناطق الأخرى، "ليست صالحة" في إدلب التي تحولت مع الأيام إلى "خزان" لجميع الرافضين "للمصالحة" مع النظام، بسبب انعدام وجود خزان آخر يلجأون إليه.

ويضاف إلى ذلك كله "العامل" التركي، وترى في إدلب التي تخضع مع أطراف أخرى من ريف حلب وحماة واللاذقية إلى نظام "خفض التصعيد"، ورقة أساسية للمساومة على حضورها ونفوذها في سورية ، فضلًا عن ذلك، فإن معركة كبرى في إدلب ستعني مزيدًا من النازحين إلى تركيا التي يعيش على أراضيها ما يزيد على 3 ملايين نازح سوري. لكن هذه المعركة تثير قلق الأوروبيين أيضًا، ليس فقط لما يمكن أن توقعه من ضحايا مدنيين، لكن لتخوفهم من موجات هجرة مكثفة من تركيا وإعادة تشغيل ما يسمى "ممر البلقان" إلى أوروبا، وهو ما لا يريده الأوروبيون بأي شكل من الأشكال.

اعتراف باريس
وتعترف باريس بأن قدرتها على التأثير في الأحداث في سورية "ضعيفة". لكنها تريد استخدام الأوراق التي في حوزتها بـ"أفضل طريقة" للدفع مجددًا باتجاه "حل سياسي" يتضمن مجموعة من الإصلاحات، الأمر الذي يعني بلورة دستور جديد برعاية الأمم المتحدة وإجراء انتخابات "نزيهة" تشمل جميع السوريين، وانبثاق حكومة "جامعة" تضم أطرافًا من المعارضة.

ووفق الرؤية الفرنسية، ثمة "عاملان" رئيسيان يمكن تسخيرهما من أجل الدفع في هذا الاتجاه؛ الأول يتمثل في حاجة روسيا للغرب لإغلاق الملف السوري، والثاني عملية إعادة الإعمار التي تتطلب أموالاً باهظة (الحديث يدور هنا حول 500 مليار دولار) يستطيع الغربيون اللجوء إليها لدفع الراعي الروسي لأخذ المواقف الغربية "ومنها الفرنسية" بعين الاعتبار.
وكانت باريس تراهن على إمكانية إقامة "آلية تنسيق" بين مجموعة آستانة و"المجموعة المصغرة" "الغربية العربية" للعودة إلى دائرة القرار. لكن هذه الآلية بقيت إلى حد بعيد "افتراضية". ومع اقتراب الاستحقاقات المشار إليها، برز بعض التشدد في المواقف الفرنسية بخاصة إزاء الطروحات الروسية، ففي ملف عودة اللاجئين السوريين الذي يدفع نحوه الطرف الروسي، تلزم باريس موقفاً متشددًا، إذ ترى أن البحث فيه، في ظل الظروف الراهنة، "ضرب من الأوهام" وفق تعبير الناطقة باسم الخارجية الفرنسية يوم الجمعة الماضي. ويربط الجانب الفرنسي بين هذه العودة وتوافر "مجموعة من الشروط" التي تجعل هذه العودة الطوعية "آمنة".

وتطرح موسكو معادلة تربط بين عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، فإن باريس تطرح معادلة مغايرة، حيث ترهن مشاركتها في إعادة الإعمار بالذهاب نحو الحل السياسي الذي هو أيضاً أحد شروط العودة. وكانت هذه المسألة محل تشاور معمق بين باريس وموسكو بمناسبة زيارة لوزير الخارجية لافروف إلى باريس. وبما أن أوراق المقايضة ليست كثيرة بين يديها، فإن باريس لا تبدو مستعدة للتفريط بها من غير الحصول على مقابل.

المشروع الروسي التركي
من جهة أخرى، لم تبدِ باريس حماسة للمشروع الروسي التركي لالتئام قمة روسية - تركية - فرنسية - ألمانية في 7 الشهر المقبل في إسطنبول، بحسب تأكيدات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. والتحفظات جاءت بداية من ألمانيا التي عبرت عنها خلال الزيارة التي قام بها الرئيس بوتين إلى المستشارة ميركل في 17 آب / اغسطس، والتي كرست في جانب كبير منها للوضع في سورية.

وترى باريس أنَّ الموعد "مبكر" وأن حصولها يفترض توافر "ضمانات" بشأن الهدنة في إدلب، فضلاً عن الإصلاحات السياسية التي تتمسك بها والتي تراها "أساسية".

وتعتبر باريس أنَّ الطرف الروسي "يستشعر" الحاجة لمساعدة غربية من أجل "تطبيع" الوضع في سوريا وفق ما يسعى إليه. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن القمة لم تُلغَ وإن هناك مشاورات على مستوى المستشارين بين الأطراف الأربعة للتحضير لها.