القدس المحتلة ـ ناصر الأسعد
"قلتُ إننا سنُحضرك إلى الوطن، وأنت قد عدت إلى البلاد". بهذه الكلمات تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى حارس الأمن الإسرائيلي بعد دقائق من عودته من الأردن عبر جسر الملك حسين برفقة موظفي السفارة الإسرائيلية. وكان مرورهم في وقت متأخر من ليلة الاثنين قد وضع نهاية سريعة لازمة كانت تلوح في الأفق مع الأردن حول الحرم القدسي الشريف، والذي كان يُهدد بسرعة بالتصعيد وأن يكون خارج نطاق السيطرة عبر الهجوم يوم الأحد الماضي الذي وصفته إسرائيل بـ"هجوم إرهابي"، بينما رأى الأردنيون ذلك على أنه حادث قتل، حسبما جاء في تقريرٍ لصحيفة "جورزاليم بوست" الإسرائيلية.
وأصدر مكتب نتنياهو صورة لرئيس الوزراء نتنياهو مبتسمًا خلال المكالمة الهاتفية التي أنهت معالجة الوضع الذي كان يمكن أن يؤدي إلى انهيار العلاقات الدبلوماسية مع الأردن بسبب مشاعر الغضب لدى الاردنيين. وكان من شأن ذلك أن يكون خطوة تتنافى مع مصالح إسرائيل الأمنية الإقليمية الكبرى. وغالبًا ما توصف الملكية الهاشمية بأنها شريك إسرائيل الإقليمي الأكثر استقرارًا، وخاصة في وقت تغيير النظام والتطرف في بلدان الشرق الأوسط الأخرى.
لكن العلاقات المالية والعسكرية القوية بين الحكومتين اللتين وقعتا على معاهدة سلام عام 1994، غالبًا ما يتم اختبارها من جانب الموقف الأردني المؤيد للفلسطينيين ودور الحراسة الخاصة بها في ما يتعلق بالحرم القدسي، وهو ما يعتبر أقدس موقع في اليهودية وثالث أقدس موقع في الإسلام. وعندما وقع حادث اطلاق النار يوم الأحد، كانت الدولتان على خلاف بالفعل بشأن قرار إسرائيلي فى الأسبوع الماضي بوضع كاشف المعادن عند مدخل الحرم القدسي. وجاء هذا الأجراء الأمني الجديد عقب هجوم إرهابي قُتل فيه شرطيان إسرائيليان يوم الجمعة 14 يوليو/تموز مما أثار أزمة مع الفلسطينيين والأردن.
وعلى الرغم من تصاعد الاحتجاجات الفلسطينية اليومية على مدخل الحرم القدسي والنداءات الموحدة ضد إسرائيل في العالم الإسلامي، كان نتنياهو مُترددًا في التراجع خشية أن ينظر إليها على أنها علامة ضعف. وكان أيضا تحت ضغط من الجناح الأيمن من حزبه لاتخاذ موقف شديد بشأن هذه المسألة.
ويخضع العاهل الأردني الملك عبد الله لضغط سياسي مماثل لاتخاذ موقف ضد إسرائيل بشأن الحرم القدسي، في الوقت الذي يسعى فيه أيضًا إلى تجنب أزمة مع إسرائيل والولايات المتحدة. وبدلا من كسر العلاقات، قام الزعيمان باستخدام حادث إطلاق النار لانتاج صفقة سمحت لكل من نتنياهو والملك عبد الله بادعاء بالانتصار. ولم يكن هناك إعلان رسمي عن ذلك في الواقع، ولكن الأحداث تشير إلى ذلك.
ففي ليلة الأحد، طعن محمد جوادة، 16 عامًا، حارس امن السفارة الإسرائيلية في بطنه باستخدام مفك براغي في أثناء نقل الأثاث إلى شقته في مجمع السفارة في عمان. ودافع الحارس على الفور عن طريق إطلاق النار وقتل الجوادة. كما أصيب مالك المبنى الذي كان في مكان الحادث. ولكن ليلة الاثنين، في حوالى الساعة الحادية عشرة مساءً قام الحارس مع موظفي السفارة، بمن فيهم سفير إسرائيل لدى الأردن لدى إسرائيل إينات شلين، بعبور جسر الملك حسين من الأردن لإسرائيل.
وبعد بضع ساعات أعلنت رسالة من مكتب رئيس الوزراء أن مجلس الوزراء الأمني قرر إزالة أجهزة الكشف عن المعادن. وأعرب نتانياهو عن شكره للرئيس الأميركي دونالد ترامب للعمل على حل القضية من خلال صهره جاريد كوشنير وبإرسال مبعوثه جيسون غرينبلات الى المنطقة. كما أعرب عن امتنانه للملك عبد الله. وأعلنت الأردن بعد ذلك أن التحقيق أظهر أن الحادث نجم عن خلاف بشأن الأثاث، ولكن الحارس فتح النار بعد تعرضه للهجوم، ما يوفر مبررًا للإذن الممنوح له بمغادرة البلاد.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يعقد فيها نتانياهو مثل هذا الاتفاق مع الأردن. وقد هُددت العلاقات الوليدة عندما قتل جندي اردني يدعي احمد دقامسة سبع بنات إسرائيليات من مدرسة اميت فويرست الصهيونية فى بيت شيمش بينما كانوا فى رحلة ميدانية إلى جزيرة السلام على حافة نهر الأردن. وأصيبت ست أو سبع بنات أخريات. وقد توجه العاهل الأردني الملك حسين في ذلك الوقت إلى إسرائيل وقدم التعازي إلى اسر الفتيات. وحوكم دقامسة في الأردن وحكم عليه بالسجن 20 عامًا. ومنذ ذلك الحين أطلق سراحه.
وأعقب ذلك أزمة أكبر بكثير في 25 سبتمبر/أيلول عندما حاول عنصران من الموساد تسميم خالد مشعل، الذي كان آنذاك رئيسا لحركة "حماس" في الأردن. وقد أحبطت المؤامرة عندما القت قوات الأمن الأردنية القبض على اثنين من عملاء الموساد. وتدخل الرئيس الأميركي بيل كلينتون لحل الأزمة. وتحت التهديد بهدم صفقة السلام الوليدة، تم حل الوضع من خلال صفقة وراء الكواليس لعدد من القضايا العالقة. واتفق نتنياهو على توفير الترياق للسم. كما أطلقت إسرائيل سراح السجناء الفلسطينيين والأردنيين، بمن فيهم الزعيم الروحي لـ"حماس" الشيخ احمد ياسين. والذي قامت إسرائيل باغتياله في وقت لاحق فى عام 2004. وفي المقابل، أطلق الأردن سراح اثنين من عملاء الموساد وسُمح لهم بالعودة إلى إسرائيل.
ويبدو أن هذه الصفقة تشبه إلى حد كبير، قوة العلاقات بين البلدين التي تعتمد بشكل كبير على المصلحة المتبادلة خاصة في الوقت الذي تقاتل فيه القوى المتطرفة المرتبطة بالإسلام، مثل داعش، من أجل السيطرة على المنطقة. ويتجاوز الأردن جغرافيا الفجوة الانقسامية المعتدلة والقوى المتطرفة في المنطقة. وللملك عبد الله علاقات تاريخية وثيقة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي تحدث معه شخصيا مرتين منذ تولي الرئيس الأميركي منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي.
وتتلقى الأردن أكثر من مليار دولار سنويًا من المساعدات المالية من الولايات المتحدة. وهو شريك مهم في التحالف الدولي ضد "داعش" بقيادة أميركا.