القاهرة ـ سعيد غمراوي
أجواء العيد لا يمكن إنكارها. فالزحام حيث لا موطئ لقدم واضح. وقوائم أسعار الكعك والبسكويت تملأ الأثير التلفزيوني وتغطي واجهات المحلات. وإعلانات أفلام العيد حيث الإثارة والعنف أو الكوميديا والهلس أو الخلطة التي باتت ناجحة وفيها التّطرف الديني مع الهري السياسي وقليل من العشق والرومانسية في كل مكان. لكن الأجواء صارت أيضاً مشبعة بآثار الاقتصاد ومغبات السياسة وطعم الأحداث وتوقعات المستقبل القريب المرتكزة إلى تصريحات الرئيس وتحركات الصندوق وعروض السوبرماركت الجديرة بباب "صدق أو لا تصدق".
فقد صادق الرئيس عبدالفتاح السيسي في الساعات القليلة الماضية على سلسلة من القوانين والإجراءات والقرارات التي لا يفهم أبعادها الجميع بالضرورة، أو تعني الكثير لكل قطاعات الشعب بحسب الفاتورة، أو تبدو زيادة في الدخل لكنها في حقيقة الأمر تؤدي إلى مزيد من الضغط على الجيوب. وجيوب المصريين التي خاضت حرباً ضروساً في رمضان بين غلاء أسعار ناجم عن تعويم جنيه، وجشع تجار سببه غياب سياسات ضبط الأسواق والرقابة على الأسعار تستقبل العيد هزيلة منهكة متوجسة. شريط الأخبار يركض مبشراً بزيادة دعم الفرد في بطاقة التموين من 21 إلى 50 جنيهاً. وقبل أن تلمع العيون فرحاً، تضيق كمداً بالخبر التالي: زيادة سعر السكر والأرز التمويني وقصر زيادة الدعم لأربعة أفراد فقط من كل عائلة. تعليقات المواطنين باتت متوقعة: "ما تعطيه الحكومة باليمين تأخذه باليسار، والحداية لا تسقط كتاكيت".
ويستمر شريط الأخبار في الركض حاملاً المزيد. تطبيق ضريبة التمغة في البورصة. زيادة 15 في المئة لأصحاب المعاشات. منح علاوات دورية واستثنائية للعاملين في الدولة. علاوة خاصة عشرة في المئة للعاملين في الدولة. إلا أن الخبرة الشعبية المصرية المكتسبة تؤكد أن كل زيادة في الرواتب والمعاشات تعقبها زيادات في أسعار السلع والخدمات، وربما تسبقها.
سباق محموم يخوضه آلاف الباعة الجوالين في الساعات القليلة المتبقية للشهر الكريم. السباق يؤدي إلى تحول أرصفة شوارع المحروسة وجانب غير قليل من عرض شوارعها إلى بوتيكات للملابس التي تدغدغ رغبات المواطنين في شراء ملابس العيد، وتلعب على أوتار ضيق ذات اليد العام وفراغ محتوى الجيب بعد رمضان. الأسواق البديلة غطت تماماً على الصف القابع خلفها من محلات ملابس باتت عصية على المواطن العادي، وأعلنت سطوتها شبه الكاملة على كعكة العيد في البيع والشراء.
كعك من نوع آخر وهو المجمّل بالسكر أو المحشوّ بالقلويات يحدث هزة عنيفة غير مسبوقة في ثقافة المصريين ما قبل الأعياد. فكل ما سبق من محاولات ترشيد، وجهود استبدال كعك الخمس نجوم ببدائل تصل إلى مستوى النجمة الواحدة أو حتى من دون في جانب، وابتكارات المصريين البديلة لكعك هذا العيد في جانب آخر. والعلب التي كانت ترص رصاً هرميّاً أمام محلات الحلويات في ما مضى تقلصت وصارت هريمات في زوايا المحلات تكاد لا ترى بالعين المجردة. وحلت علبة المشكل حيث نصف كيلو كعك ومثله غريّبة وربع كيلو بسكويت بديلاً أسرياً مُرضياً عن التلال التي كانت تكتنز في البيوت في مثل هذا الوقت من كل عام.
فالعام الذي يشهد ارتفاعاً يقدر بنحو مئة في المئة في سعر كيلو الكعك الذي كسر حاجز الـ140 جنيهاً للأنواع المعقولة، يشهد ركوداً واضحاً في الأسواق الرئيسة، وانتعاشاً كبيراً في أسواق الأرصفة البديلة. ومن ثم، لم يعد في مقدور الجهات المنوط بها إنفاذ القانون رفع مخالفات أو مصادرة إشغالات طريق أو تحرير عقوبات موقعة على الجيوش الجرارة للباعة الجوالين، وهي الجيوش التي تجذب ملايين المواطنين من طالبي الغوث حيث بضاعة الأرصفة رديئة لكن في متناول اليد.
لكن مع الزحام تأتي مخاوف الإرهاب، ومع الفوضى العارمة في الشوارع تتملك كثيرين هواجس استهداف عمليات التفجير والتفخيخ، ومع كل عيد تُستنفر همم الشرطة وتُستدعى نداءات التوجس من التحركات المريبة والعبوات الغريبة. بات المصريون يعرفون هذا التوجس ويربطون ربطاً شرطياً بين فرحة العيد حتى لو كانت مُرَشدة، والحذر من الإرهاب منذ عام 2013. لكن هذه هي المرة الأولى التي يضع فيها رأس الدولة المخاوف التي كانت حبيسة الصدور في كلمات واضحة بائنة: "انتبهوا! هذه الفترة تكون موسم الشر ووقت الشر، ويحاول أهل الشر أن ينالوا من استقرارنا وأمننا. عليكم الانتباه لدور العبادة من مساجد وكنائس والمنشآت الحيوية".
التنبيه الموجه من الرئيس أثناء الاحتفال بليلة القدر قبل أيام كان موجهاً إلى الشرطة، لكن الرسالة وصلت إلى الشعب الذي تتجاذبه مشاعر متضاربة من فرحة عيد ورهبة إرهاب، وإن ظلت فزعة الأسعار وما هو آتٍ من رفع أسعار خدمات لها يد العليا في قائمة الاهتمام.