الدكتورة جليلة القاضي

 كشفت أستاذ التخطيط العمراني في مصر، وجامعات فرنسا، الدكتورة جليلة القاضي، أن جانبًا من الإقبال على مشروع العاصمة الإدارية الجديدة مبعثه السعى إلى المضاربة و"التسقيع"، معربة عن تمنيها أن يخفف المشروع زحام العاصمة.

وأضافت خبيرة التخطيط، في حوارها مع "المصرى اليوم": أن "مستوى القبح أصبح يدمي القلب، والمخالفات تكاد تكون هي الأصل، إضافة للتصميمات والسياسات العشوائية... وهناك أكفاء لكن يعملون كمستشارين لدول عربية وأفريقية وربما اختاروا ذلك لأن لا أحد يستمع إليهم، فهنا القرار السياسي يغلب القرار العلمي".

وبالنسبة لتطوير "القاهرة الخديوية"، قالت القاضي: "هناك إصرار على منهج شد الوجه دون إزالة الورم السرطاني فكل مسؤول تنفيذي يريد عمل إبهار يخطف الأبصار، ولا يتحمس في النهاية إلا لدهان العمارات ويهمل الإصلاح الإستراتيجي".

وبشأن قراءة المشهد العمراني والتخطيطي في مصر، أوضحت القاضي: "مستوى القبح أصبح يدمي القلب، المخالفات تكاد تكون هي الأصل، التصميمات عشوائية والسياسات كذلك، المضاربات والجشع وغياب الرقابة جعلت الهدف الأسمى في الحياة زيادة عدد "العلب"، الوحدات الصغيرة قبيحة التصميم، في كل عمارة أو مبنى، هناك انفصام شديد في العلاقة بين الخطة الاقتصادية والخطة العمرانية".
 
وتابعت القاضي: "إن التخطيط بمعناه العلمي يشمل العمران والعمارة والاقتصاد والاجتماع والبيئة وحتى السياسة، وهذا المفهوم التكاملي متحقق نظريًا في معاهدنا العلمية المختصة، غائب في مجال التطبيق، ومن المفارقات أننا أنشأنا كلية التخطيط العمراني في الوقت الذي بدأت فيه الكليات النظيرة في العالم تتحول إلى مؤسسات للدراسات العليا في مجال التخطيط العمراني بمعناه الشامل، ويلتحق بها راغبون من تخصصات مختلقة وليست هندسية أو معمارية فقط، وحين حاولنا نقل هذا المنهج إلى الكلية في مصر كانت هناك مقاومة ومخاوف من التغيير، فاستمر الوضع على ما هو عليه، رغم أن خريج الكلية في الوقت الراهن قد لا يكون في وضع تنافسي جيد إزاء زملائه من خريجي الهندسة".
 
وأردفت القاضي: "أن سوق العمل أصبحت أكثر ميلًا لهؤلاء ولولا إقامة مشاريع المدن الجديدة المختلفة ربما لما وجد الكثير من خريجي التخطيط العمراني الأعمال المناسبة، كما أن هيئة التخطيط العمراني تجري دراسات تحت إشراف أساتذة العمارة والتخطيط لكن كل إنتاجها تقارير مصيرها الأرفف".

وبشأن فقدان مصر للرواد أو أكفاء في هذا المجال، أبرزت القاضي، أن هناك أكفاء لكن يعملون كمستشارين لدول عربية وأفريقية، وربما اختاروا ذلك لأن لا أحد يستمع إليهم، هنا القرار السياسي يغلب القرار العلمي، ورغم وجود رؤى وبدائل عند المخططين المصريين فكثيرًا ما تحدث كوارث بسبب السياسة، والقرار السياسي مسؤول عن تحويل مشتى عالمي كحلوان إلى منطقة تركزت فيها الصناعات الثقيلة قضت عليه رغم أنها كانت ضمن ستة مواقع لمدن صناعية طرحت في مخطط القاهرة الذي وضع في أوائل الخمسينيات على يدي رواد التخطيط العمراني في مصر مثل: شفيق الصدر وروفائيل وهبة وإبراهيم السماك".

وتتساءل القاضي عن المسؤول عما يحدث في العين السخنة، والتي تتمثل في تحويل المنطقة إلى صناعية فيها حديد وصلب وبتروكيماويات وسيراميك وسماد وأسمنت، مضيفة "كأننا نخلق حلوان جديدة وندمر منتجعًا شاطئيًا فريدًا، علمًا بأن مثل هذه المناطق الصناعية لم تكن موجودة في المخططات الإستراتيجية ٢٠٢٠ إلى ٢٠٥٠، والذي يخيفني أن الموضوع قد يكون وراءه مصالح كبيرة".

وأكدت القاضي، عن تقييم العاصمة الإدارية الجديدة، أنه في التجارب العالمية السابقة لم تحل العواصم الجديدة مشاكل القديمة، مثال برازيليا وريودى جانيرو، وفي كل التجارب كانت المسافة كبيرة بشكل واضح بين العاصمتين الجديدة والقديمة خلافًا لموقع العاصمة المصرية المرتقبة، قائلة: "كنت أتصور أن تقام العاصمة في موقع يحتاج تحفيزًا تنمويًا ضخمًا وأن يسبق إقامتها تجهيز شبكة مواصلات قوية، إن جزءً بسيطًا من تكاليف تجهيز بنية العاصمة الجديدة كان يكفيني أن أحول القاهرة الفاطمية إلى حكاية وأن أحسن البيئة العمرانية لمدننا الكبرى، ليحقق المشروع أهدافه"