الرياض ـ سعيد الغامدي
تظهر صور حديثة لبلدة "آنا" في محافظة الأنبار العراقية مدى الدمار الذي حل بها، بعد تحريرها من سيطرة تنظيم "داعش" المتطرف، وأكثر ما طاله الدمار هو قبة مسجد الفيروز الشهيرة، والتي تشبه مساجد العصر العباسي، وهي أيضا مصدرا لإلهام نصب الشهيد في العاصمة العراقية بغداد، الشاهد على الحرب العراقية الإيرانية، ويتساءل الكثيرون بعد انتهاء الحرب العراقية على "داعش" ، كم شهيدًا فقد العراق، ومدى العنف الذي واجهته البلاد منذ عقود.
وقتل آلاف العراقيين في مواجهة "داعش"، وهم ليسوا إلا جزء صغير من عشرات الآلاف الذين قتلوا في الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية خاصة سورية واليمن، ولا يزال هناك آلاف النساء اليزيديات المختطفات من قبل "داعش"، وتم بيعهم في سوق العبودية في عام 2014، ولم يعثر عليهم حتى الآن، ورغم ذلك يوجد إحساس بإنهاء عدم الاستقرار الإقليمي الذي أطلقه الربيع العربي في عام 2011.
وهزم الجيش السوري بمساعدة حزب الله وفيلق القدس الإيراني، تنظيم "داعش" في مدينة أبو كمال، في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر، وأعلن حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في خطاب، النصر على المتطرفين، أما اللواء قاسم سليماني، قائد قوة القدس التابعة لفيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في خطاب من بيروت إلى طهران، أعلن أن حلفاء إيران يشعرون بالثقة، وكتب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر، على تويتر، إن الرئيس الإيراني حسن روحاني التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوين والتركي رجب طيب أردوغان في سوتشي، مضيفًا أنّ "قمة تاريخية مع نظرائنا من روسيا وتركيا لمساعدة الشعب السوري في النهاية وضمان سلام دائم وعادل، إنه التحرك في الاتجاه الصحيح"، مؤكدًا على أن إيران تعمل من أجل السلام ومكافحة التطرّف.
وتلعب إيران دورًا حقيقيًا في المنطقة من ناحية السعي إلى السلام ومكافحة التطرّف، ولكن على الرغم من دورها الإيجابي ضد "داعش" ، لا تعد لاعبًا سلميًا يسعى إلى تطوير نفسه، حيث في العراق، ارتكبت مليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران انتهاكات ضد السكان العرب السنة، وكانت مسؤولة عن هرب 160 ألف كردي من مناطق كركوك بعد سيطرة العراق على حقول النفط من حكومة إقليم كردستان، وفي سورية ، وفقا لتقرير أصدرته منظمة هيومان رايتس ووتش في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، أرسلت إيران جنود أطفال من العائلات الشيعية الفقيرة في أفغانستان للقتال نيابة عن الرئيس الأسد، وهؤلاء الأطفال يقدر عددهم بعشرات الآلاف، كما أرسل حزب الله المئات للحرب في سورية ، بحجة حماية لبنان من الطائفية التي ينشرها "داعش" ، ونصر الله على حق بأن المجاهدين السنة يشكلون تهديدا على لبنان، ولكن الدور الذي تلعبه المليشيات الشيعية مثل حزب الله والفاطميون، أشعل المنطقة ومنحها طابعًا بأن هذه المنطقة تشهد حربا دينية.
ويرسل نجاح طهران في عام 2017 رسالة للخاسرين في لبنان وسورية والعراق، ومعظم هؤلاء الخاسرين من السنة، حيث الجماعات المتمردة التي حاولت الإطاحة بالأسد، والنخب الأخرى التي من بينها رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، وشهد الشرق الأوسط العديد من التحالفات خلال القرن الماضي، ومنذ سقوط الإمبراطورية العثمانية، وكذلك ما حصل مع الاستعمار الأوروبي منذ عام 1918، والانقسام بين بريطانيا وفرنسا ومحاولة الأخيرتين فرض نفوذهما على المنطقة، وخلال هذه الفترة ظهرت بلاد فارس، والتي بدأت في منافسة تركيا في عام 1925 حين كان مصطفى كمال أتاتورك يبني البلاد، ووسط تأسيس المملكة العربية السعودية دولتها في عام 1932، وفي الخمسينات، انضمت الدول المستقلة حديثا في المنطقة مثل العراق وسورية ، إلى تحالفات الحرب الباردة، واتجهت مصر وسورية إلى السوفيات.
وأعلن ميثاق بغداد 1955، أن تركيا والعراق وإيران وباكستان، يقفون ضد موجة الشيوعية السوفياتية، واتحدت معظم الدول العربية ضد إسرائيل، وشهدت المنطقة ثلاثة حروب كبرى مع الدولة اليهودية، ودعمت مصر وسورية الجماعات الفلسطينية، مما أدى إلى زعزعة الاستقرار، ونشب الصراع الأهلي في الأردن ولبنان في السبعينات، وتحولت الأمور بعد عام 1979 وقيام الثورة الإسلامية الإيرانية، ونمو الإرهاب في المنطقة، ومن ثم حرب الخليج في عام 1991، والغزو الأميركي للعراق في عام 2003، ومن ثم الربيع العربي، كل ذلك عمل على زعزعة المنطقة مرارا وتكرار، إن ما نشهده اليوم هو السعي لتحقيق الاستقرار بعد كل هذه الفوضى، فكانت قمة الرياض 2017، والتي تضمن القمة العربية الإسلامية الأميركية، وشهدت تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بمكافحة التطرف، والسعي نحو الاستقرار.
ويأتي هذا الاستقرار من خلال عزل الإرهابيين واحتجازهم وتحييدهم، وأيضا من خلال عملية الإصلاح الديني في المساجد كما تفعل مصر والسعودية الآن، ووسط كل ذلك، يسعى الإيرانيون للبحث عن حلفاء جدد، مثل قطر، فمنذ الأزمة في حزيران/ يونيو الماضي، وقطع مصر والسعودية والإمارات والبحرين علاقتها بالدوحة، تمكنت طهران من رسم العديد من الدول السنية في مدارها، وتتهم السعودية والإمارات قطر بتمويل الجماعات المتطرفة مثل حماس وحزب الله وجماعات أخرى، ويذكر أن تركيا حليف وثيق لقطر، أرسلت بعض القوات العسكرية إلى الدوحة، وفي نفس الوقت، يزداد الاتفاق التركي الإيراني بشأن معارضة الاستقلال الكردي، بخاصة عقب استفتاء أيلول/ سبتمبر الماضي، في إقليم كردستان، ويذكر أن الاجتماع الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران في سوتشي يوم 22 تشرين الثاني/ نوفمبر يرمز إلى التشكيل الهادئ لكتلة جديدة توحد هذه الدول الثلاث وحلفائها.
ويقع الأميركيون في المنتصف وسط سياسة المنطقة، وقد سعى الرئيس السابق، باراك أوباما، لإعادة الولايات المتحدة إلى المنطقة من خلال التواصل مع إيران من خلال وزير خارجيته جون كيري، وابتعد قليلا عن السعوديين، وأدار ظهره إلى مصر، وكذلك إسرائيل، وترك أوباما منصبه، ولم يحقق من الصفقات إلا مع إيران، والتي تعاني بسببها الولايات المتحدة الآن، ويسعى ترامب حاليا إلى عقد مزيد من المحادثات والعمل مع السعودية والأردن، وهو عكس ما فعله أوباما، كما تحاول إدارة ترامب الابتعاد قدر الإمكان عن إيران، وتعد السياسة الحالية للولايات المتحدة متعددة الرؤوس، حيث تحاول إدارة ترامب حل المشكلة مع قطر، وفي نفس الوقت مكاحة "داعش" ، ومن جهة أخرى إصلاح العلاقات مع العرب وإسرائيل والابتعاد عن إيران.
ويرسي وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، لوجود طويل الأمد للولايات المتحدة في سورية والعراق، بغرض تدريب قوات الأمن على مكافحة التطرّف في العراق، وفي سورية ، التعاون مع الأكراد لهزيمة "داعش" ، مما يضع الولايات المتحدة في خلاف مع تركيا، وفي الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة في العراق وسورية ، يقترب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي من السعوديين، ولكن العراق رفضت بيان الجامعة العربية في الشهر الماضي الذي أدان إيران وحزب الله، كل هذا يترك إسرائيل مقيدة، حيث نمو نفوذ حزب الله على مدى السنوات القليلة الماضية، واقتراب إيران من منطقة الجولان، وسط محاولات السعوديين ردع حزب الله في لبنان، من خلال مناورتهم الأخيرة مع الحريري.
ورفضت الدول الغربية إقامة دولة كردستان ودعمت العراق، ولكن غياب السياسة الغربية القوية في المنطقة تعني أن الجولة المقبلة من المحادثات قد تتوقف على ما تقرره السعودية وتركيا وإيران وروسيا، وفترة ما بعد "داعش" سوف تشبه فترة ما بعد عام 1945 في أوروبا، وما يحدث الآن هو مفتاح مستقبل المنطقة.