القاهرة ـ مصطفى الخويلدي
"زنا المحارم" كلمة ينفر منها الجميع، تصيبنا بالصدمة عند سماعها، إلا أن الحديث عنها بات ضروريًا بعد تكرار وقائعها، كما أنها تقع في كل شرائح المجتمع، وليس الفقراء فقط، فبدلًا من صيانة الأشخاص لشرفهم وأعراضهم، استسلموا لغرائزهم ونهشوا أعراضهم، فعندما يصل الأمر إلى أن يُجامع الأب ابنته أو يسلب الأخ عذرية أخته، فلا بد من صرخة للتحذير لا للترويج لوقف الهجرة غير الشرعية من الآباء والأشقاء المرضى إلى أجساد محرمة لبناتهم وشقيقاتهم، ما ينذر بوجود كارثة حقيقية، لابد من الوقوف عليها وبحث أسبابها وكيفية علاجها.
وكان آخر تلك الوقائع، لطالبة وضعت طفلًا سِفاحًا بعد وقوعها في الرذيلة مع زوج شقيقتها، إذ تلقى مدير أمن الدقهلية، اللواء أيمن الملاح، إخطارًا من مدير مباحث المديرية، بورود بلاغ من مستشفى دكرنس المركزي يفيد بوصول، "دينا.س، 17 عامًا، طالبة في الصف الثالث الإعدادي"، ومقيمة في منزل أهلها في عزبة شهدان، قد وضعت طفلًا سِفاحًا.
وعلى الفور انتقل ضباط المباحث إلى مكان البلاغ، وتم سؤالها، وقالت إن "محمد.ع.ع، 32 عامًا، فلاح، مقيم في العزبة"، وزوج شقيقتها "فاطمة، 23 عامًا"، واقعها جنسيًا أكثر من مرة "برضاها" في منزل شقيقتها حال غيابها، وبإعداد الأكمنة، تم توقيف المتهم، وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة،وتم تحرير المحضر رقم 360 لعام 2017 إداري المركز، وجار العرض على النيابة العامة لمباشرة التحقيقات.
كما تمكنت مباحث مركز شرطة فارسكور في محافظة دمياط، من القبض على "أشرف .س" 50 عامًا، تاجر مواشي من قرية النجارين التابعة لمركز فارسكور، لاتهامه بمعاشرة ابنته، 19 عامًا، طالبة في كلية الحقوق، ما نتج عنه حملها وإنجاب طفل من السفاح.
وكانت البداية، مع بلاغ تلقاه مركز شرطة فارسكور من المجني عليها باعتداء والدها جنسيًا عليها وحملها منه، ووضعها مولودة أنثى، وأكدت الفتاة أنه اعتاد معاشرتها بعد وضع مخدر لها في العصير، وأنها شاهدته في آخر مرة يقوم بخلع ملابسها وكانت واعية لما حدث، فيما أكدت تحريات المباحث، أن والد الفتاة أخذها عندما شعرت بمغص شديد إلى طبيب باطنة في القرية، الذي قال له إن ابنته تعاني من شيء في بطنها، وبإجراء أشعة اكتشفت أنها حامل في شهرها الثامن، وأظهرت التحريات أيضًا أن والدة الفتاة دائمة الخلاف مع زوجها، وتجلس بالأسابيع عند أهلها لسوء معاملتها، ما جعل الأب ينفرد بابنته ويعاشرها جنسيًا.
ومن جانبها، أكدت أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة عين شمس، شادية قناوي، أن ظاهرة "زنا المحارم" منتشرة بكثرة بين الفقراء وسكان العشوائيات، حيث يعيش الأب والأم والأبناء في مكان واحد لا يرقى عن معيشة وإسكان الكائنات الحية الأخرى، مشيرة إلى أن تواجد الأطفال ذكور وأناث مع الأباء في مكان واحد في ظروف معيشية بها نقص شديد في الاحتياجات الأساسية والكمالية يؤدي في النهاية لحدوث "زنا المحارم"، كما أنه قد يحدث في الفئات الاجتماعية الراقية، إلا أنه لا يكون بالانتشاره نفسه في العشوائيات، ويقتصر فقط على حالات فردية مرضى نفسيين أو متعاطي مواد مخدرة.
كما أوضحت قناوي، أن هناك العديد من البحوث والندوات واللقاءات تمت بشأن الأسباب الحقيقية لمثل هذة المشاكل الاجتماعية، أساسها إشباع حاجات أفراد المجتمع من تعليم ومسكن وعلاج وغيرها، ومؤكدة على أنه حينما يتم ذلك تتقلص تلك المشاكل وتتحول لحالات فردية، وليست ظاهرة سلبية تنتشر بين فئات اجتماعية معينة .
وأضافت قناوي، أن غياب الدين الحقيقي ساهم في إنتشار مثل هذه الظواهر، إذ أصبح التدين الآن في الشكل الخارجي فقط، لكن الإنسان في داخله قل تمسكه بالقيم الدينية، إلا أنه مهما حاولت تلك المؤسسات أن تقدم نصائح فلن ينصت لها الآخر إن لم تكن حاجاته مشبعة، وبالتالي كلما زادت أحتياجات المجتمع زادت مشاكله الاجتماعية .
وعلى سياق متصل، قالت أستاذ القانون الجنائي في المركز القومي للبحوث الأجتماعية والجنائية، فادية أبو شهبة، إن الكثير من حالات "زنا المحارم" لا يتم الإبلاغ عنها خشية الفضيحة، مشيرة إلى أن تلك الظاهرة من الجرائم المطموسة إحصائيًا، أي لا يمكن رصدها، لأنهم لا يبلغون عنها، لا سيما إذا كان الجاني من أفراد الأسرة .
وأوضحت أبو شهبة، أن هناك فرقًا بين " الزنا " و"الاغتصاب"، فالاغتصاب يتم بعدم رضا المجني عليهن، أما "الزنا" فيكون برضا الطرفين، ويمكن أن يتم بالكتمان بين الطرفين ولا أحد يعلم ما يفعله هؤلاء، مشيرة إلى أنها كانت لديها خادمة في المنزل، وذات يوم وجدتها تسرع للذهاب إلى منزلها فسألتها عن سبب، فأخبرتها الخادمة أن ابنتها المطلقة في المنزل مع والدها، وأنها تخشى أن يقعوا في الزنا، مضيفة أن ثقافة العشوائيات وغيرها تشير كأن الأمر طبيعيًا، ولا يعتبرون ذلك جريمة، فلديهم مفاهيم خاطئة ولا بد من توعيتهم دينيًا وأخلاقيًا، من خلال الإعلام والمدارس والمساجد والكنائس .
وأضافت أبو شهبة، أن تلك الظاهرة ليس للظروف الاقتصادية سببًا فيها، إنما سببها الرئيسي هو انتشار المواد المخدرة، وانعدام القيم الدينية والأخلاقية، فالمواد المخدرة تُغيب عقل ووعي الشخص وتجعله لا يفرق بين زوجته وبناته وأخواته أو أخوات زوجته، بالإضافة إلى أن القيم الدينية والخلقية التي يتعلمها الأنباء من آبائهم وأمهاتهم وسط بيئة منحرفة "أب تاجر مواد مخدرة وأم تعمل في الدعارة"، فهم ينشئون داخل بيئة غير سوية ويقلدون آبائهم، كما أن الأسر في العشوائيات ينامون في مكان واحد، يشاهد فيه الأطفال أبائهم وقت العلاقة الحميمة، ما يقلده الأطفال مع بعضهم البعض، فعدم وجود حق في الخصوصية للزوج والزوجة يساهم في تعرض الأطفال لانحرافات جنسية، سواء عن طريق المشاهدة أو السمع أو غيرها .
كما أشارت أبو شهبة، أن التصاق أجسام الأبناء أثناء نومهم مع بعضهم البعض خلال فترة المراهقة يساعد في انتشار الظاهرة، مضيفة أن أحد صديقاتها طبيبة نساء وتوليد، كانت عيادتها في منطقة عشوائية، أغلقتها بسبب كثرة زنا المحارم في المنطقة، فكل يوم تأتيها أم ونجلتها ويطلبون منها إجهاضها، لأن أخيها أو وأبيها أو زوج أختها زنا بها، ولا يريدون الفضيحة، مطالبة بإعادة ترتيب المنظومة الإجتماعية في المناطق الشعبية والعشوائية، حتى يعي سكنها أن ذلك خطأ فادح، فالقيم الدينية والخلقية إذا لم يغرزها الآباء والأمهات في أبنائهم فسيخرجون أجيال منحرفة .
كما طالبت أستاذ القانون الجنائي، بتشديد عقوبة جريمة "زنا المحارم " إلى الإعدام، مشيرة إلى أن القانون شدد عقوبة الاغتصاب إلى الإعدام، في حالة ارتكاب جريمتي الخطف والاغتصاب، كما أنه يجب تعديل القانون، بحيث لا ترفع دعوى "الزنا" إلا من الزوج المتضرر، والذي يحق له إعفاء زوجته من العقوبة وسحب الشكوى، متسألة أين حق الدولة في سيادة الأخلاق وعدم الإنحراف ومحاربة الإحنطاط .
وفي السياق ذاته، قال أستاذ القانون العام والمحامي بالنقض في الاستئناف العالي، هشام فهمي، إن المادة 276 من قانون العقوبات المصري، والتي تنص على أنه من واقع أنثى بغير رضها يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد، فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادمًا بالأجرة، عندها أو عند من تقدم ذكرهم، فإنه يعاقب بالسجن المؤبد .
كما تنص المادة 268 من قانون العقوبات، على أنه كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو التهديد أو شرع في ذلك، يعاقب بالسجن المشدد من 3 إلى 7 أعوام، وإذا كان عمر من وقعت علية الجريمة المذكورة لم يبلغ 16 عامًا كاملة، أو كان مرتكبها مما نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267، يجوز إبلاغ مدة العقوبة إلى أقصى حد مقرر للسجن المشدد، وإذا اجتمع هذان الشرطان معًا يحكم بالسجن المؤبد .
فيما جاء نص المادة 269 من قانون العقوبات، " كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يلبغ عمر كل منهما 18 عامًا كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالحبس، وإذا كان عمره لم يبلغ 7 أعوام كاملة، أو كان من وقعت منه الجريمة مما نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267، تكون العقوبة بالسجن المشدد، كما أوضح فهمي، أن كلمة الأصول تشير إلى الأب والمتولين التربية مثل الأعمام والأخوات أو من لهم سلطة عليهم، ولا يجوز شرعًا الزواج بهم، وشدد القانون في هذه الحالة ورفع العقوبة من السجن إلى السجن المؤبد .
وأضاف أستاذ القانون العام، أن ما جاء في نص المادة 268، فهو يتحدث عن هتك العرض بقوة وتهديد، سواء كان للمحارم أو غيرهم، فجعل العقوبة في حالة المحارم بعد أن كانت من 3: 7 أعوام إلى السجن المشدد في الفقرة الثانية من المادةذاتها، في حين جاءت المادة 269، والتي نصت على هتك العرض بالرضا، فقد جعل الشرع عقوبة هتك العرض إذ وقعت من الحارم وفقًا للفقرة الثانية من المادة 267 السجن المشدد، متابعًا : " نتطلع في الفترة المقبلة أن تصل العقوبة إلى الإعدام لمحاربة هذه الظاهرة " .
ومن جهته، قال رئيس قسم الفقه المقارن في جامعة الأزهر، الدكتور سعد الهلالي، إن زنا المحارم من أكبر الكبائر التى نهى عنها الله سبحانه وتعالى، استنادًا إلى صورة التحريم الآية 22، فإذا كان الزنا عامة من الكبائر والمحرمات، فمع محرم يكون الذنب أغلظ وأقبح، أما بشأن من يلقون اللوم على المعيشة في حجرة واحدة، فالإسلام لم يذكر المعيشة ولكنه ذكر الأخلاق التي تحتم على من يعيش في غرفة واحدة أن يعيش بأخلاقه.
وردًا على من يقول إن قابيل وهابيل تزوجا شقيقتيهما غير التوائم، أوضح الهلالي، أن التشريعات من أيام سيدنا إبراهيم تحرم زواج الأخوات، وأن زواج هابيل وقابيل كان لتكوين نسل، وإن أراد الزانين والزانيات تحليل زنا المحارم عليهم الرجوع لعصر سيدنا آدم، مشيرًا إلى أنه إن كان الزنا وقع بالإكراه فهناك رأيين في الشريعة الإسلامية، الأول أن تموت وألا ترتكب هذه الفاحشة، والثاني أن تحمي نفسها وتستسلم ثم تتوب إلى الله.