القاهرة - مصر اليوم
تطورات إيجابية سريعة على كافة الأصعدة، تشهد العلاقات المصرية السودانية، وهو ما تم تتويجه بالمناورات الجوية المشتركة في الخرطوم، والتي تعد الأولي في تاريخ التعاون بين البلدين.. فما هى الرسائل التي تحملها تلك المناورات على المستويين الإقليمي والدولي؟، وفي هذا الصدد يقول الخبير العسكري والاستراتيجي المصري اللواء جمال مظلوم، إن المناورات الجوية بين مصر والسودان هى بداية للتعاون العسكري بين الجانبين، علاوة على أنها تحمل رسائل للعديد من الأطراف الدولية والإقليمية.
عودة للتقارب
وأضاف "هناك علاقات سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة جدا بين القاهرة والخرطوم من قديم الأزل، قد تكون العلاقات توترت منذ محاولة اغتيال الرئيس الراحل حسني مبارك في أديس أبابا، علاوة على أن بعض توجهات نظام الحكم السابق أبعدت السودان عن مصر".
وأشار إلى أن: "أمثلة التعاون بين الجانبين في العصر الحديث كثيرة، فعندما حدث العدوان على مصر في عام 1967 ووصول الطيران الإسرائيلي إلى عمق البلاد تم نقل الكلية الحربية إلى السودان، علاوة على أن القطع البحرية التي كانت متواجدة في البحر الأحمر ذهبت إلى السودان مؤقتا، لذلك فإن ما يجري الآن هو إحياء لعلاقات قديمة بين الطرفين."
قلب الوطن العربي
وتابع الخبير الاستراتيجي: "إذا نظرنا إلى الخريطة نجد أن مصر والسودان هما وسط الوطن العربي، وهاتين الدولتين يمثلان ثقلا في الوطن العربي من حيث المساحة وعدد السكان، وتقدر مساحة الدولتين بما يساوي 2.7 مليون كيلومتر مربع، في الوقت الذي تبلغ فيه مساحة الوطن العربي ما يزيد قليلا عن 13 مليون كيلومتر مربع تقريبا وهى تقارب ربع مساحة العالم العربي، كما يقترب عدد سكان الدولتين من 150 مليون نسمة أي ما يزيد عن ثلث سكان العالم العربي البالغ 400 مليون نسمة".
ولفت إلى أن: "البلدين يمتلكان الكثير من الموارد الطبيعية من مياه ونفط وأرض صالحة للزراعة تقدر بحوالي 200 مليون فدان، هذه المساحة يمكنها إطعام القارة الأفريقية برمتها وليس الوطن العربي فقط".
رسائل إقليمية ودولية
وأكد مظلوم على أن: "المناورات الجوية تحمل رسائل كثيرة، لأن مصر والسودان يشكلان ثقل في الوطن العربي، وإذا نظرنا إلى الوضع في المنطقة والقرن الأفريقي نجد أن تركيا تمتلك أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في جمهورية الصومال كما أنها تحاول إنشاء قاعدة في جيبوتي، لذا فإن وجود هذا التحالف بين مصر والسودان في البحر الأحمر يمثل سد منيع ضد تطلعات أي دولة، وهى رسائل لكل دول العالم والمنطقة والدول العربية، وهو محور مهم نتمنى أن يستمر".
وحول إمكانية استمرار التحالف بين السودان ومصر وتفادي أي اهتزاز في تلك العلاقات مستقبلا قال مظلوم: "العلاقات بين الجانبين قوية على مدى التاريخ بصرف النظر عن الاختلاف بين الحكومات، حيث يعيش ملايين السودانيين في مصر منذ قرون، علاوة على ذلك فإن النظام الجديد في الخرطوم يسير في طريق إصلاحي كبير جدا على المستوى الداخلي والخارجي".
واستطرد: "أعتقد أن السودان يسير على الطريق الصحيح، فاليوم القوات الجوية المصرية تقوم بتدريبات على أرض السودان في نفس التوقيت يتواجد قائد قوات الدفاع الجوي السوداني بالقاهرة يشهد مناورات عسكرية".
وفيما يتعلق بتطبيع السودان مع إسرائيل وتأثيره على العلاقات مع مصر قال الخبير الاستراتيجي: "من وجهة نظري أي علاقة بين أي دولة عربية وإسرائيل هى انتقاصة من التعاون بين هذه الدولة ومصر ومع الدول العربية كلها، إسرائيل هى عبارة عن خطر اقتصادي قبل أن يكون عسكري، فإسرائيل لديها دراسة لكل مشكلة اقتصادية في الوطن العربي، فهم يريدون السيطرة على كل تكنولوجيا الشرق الأوسط وأن تصبح المنطقة بأكملها عمالة لديهم".
وأضاف قائلا: "هم (الإسرائيليون) لا يريدون مجرد سفارات، بل يريدون تعاونا اقتصاديا وفتح أسواق، ويجب أن نُذكر أن التعاون المصري مع إسرائيل هو تعاون بارد، نعم هناك تطبيع منذ عقود لكنه لم يتوج بتعاون حقيقي إلا من جانب العملاء أو رجال الأعمال الذين يهدفون لربح سريع".
العمق الإستراتيجي
من جانبه، قال وكيل المخابرات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد إن: "السودان تمثل العمق الاستراتيجي لمصر منذ فجر التاريخ ولم تغير أي من المواقف السياسية هذا الوضع، وهناك تاريخ طويل من العمل المشترك".
وأضاف "أعتقد أن المناورة الجوية التي بدأت اليوم هى من أجل تدريب الطيارين المصريين مع السودانيين، بجانب أنها رسالة موجهة تماما إلى إثيوبيا، والتي كادت تصل بالتفاوض السلمي مع مصر والسودان إلى طريق مسدود، ومن حق مصر أن تلوح بالردع دون الدخول فيه، نظرا لتضرر الدولتين بشكل كبير من التعنت الإثيوبي فيما يتعلق بسد النهضة".
تلويح بالردع
ويرى رشاد أن "عمليات التلويح بالردع لإثيوبيا في هذا التوقيت الذي تعيش فيه حالة عدم استقرار قد يكون مفيد جدا، لأن النظام في أديس أبابا في موقف حرج مع الشعب فيما يتعلق بالعديد من القضايا ومن بينها أزمة سد النهضة، لأن الحكومة لم تنفذ تعهداتها فيما يتعلق بكمال السد والرخاء الذي سيعود على الشعب".
وأكد وكيل المخابرات، أن "مصر لها استراتيجية واضحة وثابتة بأن السودان هى العمق الاستراتيجي لمصر، وأن هناك مصالح مشتركة تجمع الشعبين رغم ما يحدث في بعض الأحيان من تصريحات إعلامية، لذا يجب أن توحد الدولتان استراتيجيتهما لمواجهة الأخطار التي قد تواجههما".
وحول تأثير التطبيع السوداني الإسرائيلي على العلاقات بين القاهرة والخرطوم قال: "الولايات المتحدة الأمريكية لها ضغوط كبيرة جدا على دول معينة تستخدمها كأوراق ضغط، لذا العديد من الدول تحاول التماشي مع الموقف الأمريكي، والخرطوم تعلم جيدا مدى خطورة التطبيع الإسرائيلي معها، علاوة على ذلك فإن إسرائيل ليست دولة جوار لإسرائيل، وأعتقد أن هذا التطبيع سيكون مشروط بقدر ما ستأخذ السودان بقدر ما ستعطي لإسرائيل، ومصر تريد للسودان أن يحقق مصلحته بالشكل الذي لا يضر بالأمن القومي للبلدين".
امتداد تاريخي
أما المدير الإعلامي الأسبق للرئاسة السودانية أبي عز الدين فقال: "كانت هناك العديد من المناورات والتدريبات المشتركة بين مصر والسودان في السنوات الماضية وأحيانا بمشاركة دول أخرى شقيقة مثل السعودية والإمارات، ومن بينها رعد الشمال والموج الأحمر ومناورات دول الساحل والصحراء، وكان ذلك للعلاقات المتقدمة بين الرئيس السوداني السابق عمر البشير والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من ناحية، والبشير وحكومات الخليج من ناحية، لكن هذه المرة تميزت بأنها مناورات جوية وثنائية".
وأضاف: "من الواضح أن المنظومة العسكرية والأمنية في السودان تواصل في نفس مسارها الذي بدأ في عهد البشير، من حيث تقوية العلاقة بمصر وروسيا والسعودية والإمارات والصين، ومن المعلوم أن روسيا ستوقع كذلك اتفاقية إنشاء مركز لوجستي أشبه بالقاعدة العسكرية في المياه الاقليمية للسودان قريبا، مما يوضح أن المكون العسكري والأمني لم يتخل عن تحالفاته الخارجية التي عقدها في عهد البشير وشركاء حزب المؤتمر الوطني".
مواجهة الإرهاب
ورأى عزالدين: "تأتي أهمية المناورات الجوية مع مصر لسببين، الأول أنها جاءت عقب زيارة الوفد العسكري المصري الكبير للسودان مؤخرا، مما يعني البدء الفوري لتنفيذ الاتفاقيات العسكرية والأمنية، خصوصا فيما يتعلق بتقوية التنسيق المشترك لحماية الأمن المائي للبلدين، الذين يعتبران دولة مصب لمياه النيل، في ظل التحديات المعلومة في المنطقة".
أما الدافع الثاني المهم، بحسب عز الدين هو أن "نوايا الحكومة السودانية في التطبيع مع إسرائيل، يعني أن المنطقة ستكون وجهة جاذبة للجماعات المتطرفة، خصوصا مع وجود حدود واسعة ومفتوحة للسودان مع عدد من دول الجوار التي ليس لديها انضباط أمني، مما يفتح المجال لجيوب إرهابية تدخل عبر العمق الأفريقي للسودان ومصر، وفي هذه الحالة ستحتاج قوات البلدين للتنسيق لمراقبة الحدود أو القيام بعمليات جوية مشتركة في ظل الارتفاع المتوقع لوتيرة المهددات الأمنية في المنطقة".
وأعلن الجيش المصري، أمس السبت، عن انطلاق فعاليات التدريب المشترك الجوي المصري - السوداني "نسور النيل 1" في قاعدة "مروى" الجوية شمال الخرطوم، وقال المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، العميد تامر الرفاعي إن وحدات من القوات الجوية وعناصر من قوات الصاعقة المصرية وصلت لقاعدة "مروى" للمشاركة في تنفيذ التدريب المشترك والذي يتم لأول مرة بين البلدين ويستمر حتى السادس والعشرين من شهر نوفمبرالجاري.
وأوضح العميد الرفاعي أن التدريب المشترك "يأتي في إطار دعم علاقات التعاون العسكري المشترك بين القوات المسلحة لكلا البلدين، وتعزيز القدرة على إدارة أعمال جوية مشتركة باستخدام أسلحة الجو المختلفة".
ومن المقرر أن يشهد التدريب تنفيذ العديد من الأنشطة والفعاليات من بينها تخطيط وإدارة أعمال قتال مشتركة بين قوات البلدين الجوية، وقيام المقاتلات متعددة المهام من الجانبين بالتدريب على تنفيذ عدد من الطلعات الجوية الهجومية والدفاعية على الأهداف موضوع التدريب، وتدريب قوات الصاعقة على أعمال البحث والإنقاذ القتالي.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
خبير سياسي يؤكد أن مصر لا تترك حلفاءها في ظل "الاستفزازات الدولية"
الاتحاد الأفريقي يُشيد باقتراح السيسي لإنشاء وحدة خاصة لمكافحة "الإرهاب"