طرابلس ـ فاطمة سعداوي
استفاق الليبيون أمس الخميس، وخصوصاً أهالي شرق البلاد على إعلان قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر تحرير مدينة بنغازي بالكامل بعد حوالى 3 سنوات من المعارك الصعبة والتقدم البطيء في الأمتار الأخيرة ضد ميليشيات متشددة تحصنت في حيَي الصابري وسوق الحوت، بينما قدّم المجلس الرئاسي في حكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج التهاني للشعب الليبي بالانتصار داعياً إلى توحيد القوات المسلحة الليبية.
وقال الناطق باسم القوات الخاصة العقيد ميلود الزوي إن الجيش تمكن من القبض على 17 من عناصر التنظيمات الإرهابية، كما ضبط 3 عائلات بينهم نساء في حي الصابري في مدينة بنغازي، من دون أن يحدد بالضبط سبب توقيفهم. وقال الزوي أمس، إنه أثناء تقدم الجيش والوحدات المساندة له في الصابري مع بدء العمليات العسكرية للسيطرة على ما تبقى من المنطقة اعتقل 17 شخصاً من عناصر التنظيمات الإرهابية، بينهم شخص مصاب وشخصان من الجنسيتين التونسية والجزائرية. وأوضح الزوي أنه تم ضبط 3 عائلات متواجدة بمنطقة الصابري من بينهم نساء أثناء عمليات تمشيط المنطقة، مؤكداً أنهم بصحة جيدة وتمّ تسليمهم إلى الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية بإشراف اللجنة المكلفة بملف العالقين، من القيادة العامة والاستخبارات العسكرية.
وأعلنت مصادر عسكرية مأذونة أمس، أن مستشفى الجلاء للجراحة والحوادث، استقبل 12 شهيداً و44 جريحاً من قوات الجيش الليبي خلال الـ 48 ساعة الماضية نتيجة المواجهات مع التنظيمات الإرهابية في منطقتي الصابري ووسط البلاد في مدينة بنغازي قبل اعلان استعادة السيطرة عليها. وأوضحت المصادر ذاتها أن مستشفى الجلاء تسلم الثلثاء الماضي، 9 جثامين لعناصر من الجيش و13 جريحاً، من بينهم جريحان توفيا بعد وصولهما إلى المستشفى بساعات في غرفة العناية الفائقة بسبب حالتهما الحرجة. كما استلمت المستشفى 3 جثامين و31 جريحاً أول من أمس. وأشارت المصادر إلى أن غالبية الوفيات والجرحى كانت بسبب ألغام أرضية وعبوات ناسفة والقناصة.
وأصدر مجلس النواب في طبرق أول من أمس، بياناً نشره عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك" بمناسبة تحرير بنغازي ممَن سماههم "الجماعات الإرهابية"، مطالباً المجتمع الدولي برفع حظر التسليح عن ليبيا. وقدم المجلس "التبريكات والتهاني إلى الشعب الليبي، وإلى أمّهات وزوجات وأسر الشهداء"، معبراً عن تقديره لأهالي مدينة بنغازي، على صبرهم وجلدهم على الظروف الصعبة، والنزوح وانعدام الخدمات، خلال أيام الحرب في مواجهة الإرهاب.
وتقدم المجلس الرئاسي في حكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج، بخالص التهاني للشعب الليبي، خصوصاً أهالي بنغازي وسكانها، لمناسبة إعلان تحرير المدينة، وانتهاء سنوات المعاناة لبدء مرحلة البناء والتعمير. وذكر المجلس في بيان نشره أمس، إنه يتطلع إلى أن تكون المرحلة المقبلة بداية الدولة الديموقراطية المدنية الموحدة بجيش واحد ومؤسسات سيادية موحدة وأن يسود الأمن والاستقرار ربوع ليبيا. كما أكد بيان المجلس الرئاسي أن الأولوية اليوم أصبحت لإعادة الإعمار وتفعيل المؤسسات الخدمية بطريقة أفضل في مدينة بنغازي ومدن ليبيا كافة التي اكتوت بنار الإرهاب والتطرف.
وأشار إلى أن المجلس يعمل ويسخر كل إمكاناته على أن تعود المؤسسات الحيوية الأخرى المتوقفة إلى العمل بأسرع وقت. واختتم رئيس المجلس الرئاسي بيانه بالدعاء والرحمة والمغفرة للشهداء الأبرار من شباب ليبيا وأن يلهم أسرهم جميل الصبر والسوان ويعجل بشفاء الجرحى والمصابين.
وذكرت مصادر قريبة من حفتر أن الجيش يستعد في المرحلة المقبلة لتوجيه المعركة نحو جنوب البلاد بعدما تمكن من بسط سيطرته على مدينتي بنغازي وأجدابيا، واستعادة الهلال النفطي من قبضة الميليشيات.
وتقول الباحثة المختصة في الشؤون الليبية ماري فيتزجيرالد في تصريحات لـ"الشرق الأوسط" إن ثلاث سنوات من الحرب تعني أن قوات حفتر يمكنها أن تعلن النصر هذا الأسبوع، إلا أن بنغازي ما زالت تواجه تحديات كبيرة، بما فيها تحديات المصالحة وإعادة الإعمار لمنع اشتعال العنف مجدداً. وتضيف موضحة: لقد لحق الكثير من الضرر بالتركيبة الاجتماعية للمدينة. حفتر قد يحرّك قواته في وقت قريب غرباً نحو سرت أو بني وليد، وفي الوقت نفسه يواصل تثبيت موقعه في شرق البلاد. لكن التوتر والتنافس الداخلي في صفوف معسكر حفتر نفسه يمكن أن يؤديا إلى إبطاء اندفاعاته.
وتلاحظ الباحثة فيتزجيرالد في تصريحاتها أن ميزان القوى في طرابلس ما زال غير ثابت، والولاءات لحكومة السراج تنتقل بحسب تغيّر الديناميات. إلى الآن، معظم الجماعات المسلحة في العاصمة هي إما تدعم أو مترددة إزاء حكومة السراج تبعاً لما تعتقد أنه سيكون لمصلحتها في نهاية المطاف. مصراتة مقسومة، فبعض العناصر فيها تدعم خليفة الغويل والدائرة المحيطة به. وعلى رغم أنه ضعُف كثيراً، إلا أن محاولة الغويل وحلفائه إعادة تثبيت أنفسهم في طرابلس لا يمكن تجاهلها كلياً.
ويتفق معها في هذا الرأي الباحث الليبي عاشور الشامس الذي قال لـ"الشرق الأوسط": ليس هناك قوة واحدة يمكن أن تسيطر على البلد كله. السلطة موزعة بين قوى مسلحة وسياسية متنافسة، لكن لا أحد لديه القوة الكافية كي يحكم وحده. وهو يعتبر أن إعلان حسم معركة بنغازي لا يعني انتهاء المعركة بين حفتر وخصومه، إذ يشير إلى أن عناصر المجموعات التي كانت محاصرة في المدينة . وقال الشامس إن حكومة الغويل لا تشكّل منافساً فعلياً للسراج في غرب ليبيا، رغم أن لديها وزراء يشرفون على عمل قطاعاتهم من قلب طرابلس. لكن نفوذ