صورة تعبر عن عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على إنقاذ الجيل الضائع

يتبادل المراهقون المتواجدون خارج مطعم "ماكدونالدز" في لاتينا، إيطاليا، السجائر والحليب المخفوق، وفي الوقت نفسه يتجادلون بشغف بشأن هويتهم، وتجري المناقشة تحت الأقواس الذهبية للمطعم الأميركي التي ربما تكون رمز العولمة الأكثر تميزًا، وتدور حول حديقة محلية اسمها موسوليني التي تحمل اسم الزعيم الإيطالي الفاشي، ولكن هذا هو جيل أوروبا المفقود، المأثر بطالة الشباب المستشرية، الآن وبعد 10 سنوات من التقشف والركود، يوقظ البعض أشباح أجدادهم الفاشيين وهم يبحثون عن معنى الاحتلال في عصر الاضطراب الاقتصادي.

الأزمات التي تواجه الاتحاد الأوروبي

وتتساءل موجة جديدة من المواطنين عما إذا كان الاتحاد الأوروبي يستطيع، بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وأزمة السندات في منطقة اليورو عام 2012 وأزمة الهجرة في عام 2015، الوفاء بوعده الأساسي "بتعزيز التماسك الاقتصادي والاجتماعي والإقليمي" بين 28 عضوًا في الاتحاد الأوروبي. ولا يجب أن يأتي هذا الأمر كمفاجأة، لقد مر الآن ست سنوات منذ أن حذر يانيس فاروفاكيس، وزير المال اليوناني السابق، من أن التقشف المدعوم من بروكسل وبرلين المفروض على اليونان سيحولان المحيط الاقتصادي للاتحاد الأوروبي إلى دول العالم الثالث.

وحذّر السيد فاروفاكيس من أن هذه المذكرات ستضمن ظهور فجوة اقتصادية بين ألمانيا وفرنسا، وأي شخص آخر داخل منطقة اليورو والاتحاد الأوسع، وقال إن العمال الشباب سيضطرون حتما لدفع أكبر ثمن لعملية الإنقاذ. وأضاف "لقد تمت التضحية بجيل في هذه الأزمة، فإما أنهم ذهبوا إلى الخارج للعثور على عمل، أو تتم إدانة أولئك الذين قرروا البقاء ليعيشوا في مستوى منخفض".

الثقب الأسود في أوروبا

في الاقتصاد، هناك ظاهرة تعرف باسم التخلف، حيث تعمل البطالة طويلة الأجل كمكبح للنمو، تاركة جزءا من سوق العمل متضخما بشكل دائم، وبعبارة أخرى، فإن العديد من عشرات الآلاف الذين خسروا التدريب والخبرة العملية في أعقاب الانهيار المالي لا يمكن إعادتهم إلى سوق العمل، حيث هناك فجوة دائمة في توفير العمالة المدربة التي لا يمكن شغلها على الإطلاق، مما يقلل من قدرة الاقتصادات على النمو بنفسها مرة أخرى والصول إلى الازدهار، وحتى عندما تعود للنمو، فإن هذا الجيل "المفقود" لا يمكنه أبدا أن يتحمل رواتب نظرائه الأكثر نجاحا.

وهذه هي الأزمة التي تواجه الآن أجزاء من أوروبا، وإلى جانب التكاليف البشرية الفردية، فإن هذا التباطؤ ينطوي على آثار كبيرة على الصحة الاقتصادية طويلة المدى لبلدان جنوب المتوسط في دول منطقة البحر الأبيض المتوسط ، مما يجعلها واحدة من أكبر التحديات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، حيث تنمو الفجوة بين أغنى وأفقر دول أوروبا.

وقد تجاوزت ألمانيا نمو الإنتاجية في السنوات الأخيرة بنسبة 20%، في حين أن إنتاجها الاقتصادي لا يزال أقل مما كان عليه قبل التباطؤ في عام 2009، وفي الوقت نفسه، تفتخر جميع دول أوروبا الشرقية بنمو إجمالي الناتج المحلي أكثر من نظيراتها في جنوب البحر المتوسط ، مما يؤكد وقوع بعض الدول الأوروبي في أسفل الكومة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي.

خيبة الأمل والديمقراطية

وبعد 10 سنوات من الهبوط النسبي، أصبح شباب أوروبا ناضجين للاستغلال من قبل القوى الشعبية والديمقراطية التي تهز الآن أسس الكون، فبينما يدافع أحد المراهقين لإبقاء اسم موسيليني على المنتزه، يحاول أن يبقي الديمقراطية قائمة ضد الفاشية الإيطالية، ولكن هذا المراهق يحن في الوقت نفسه إلى زمن كانت إيطاليا فيه دولة محورية في القارة الأوروبية.

إن الحقائق الاقتصادية التي تواجه هؤلاء المراهقين تثير تساؤلات حول ما إذا كان بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يقدم لهم مستقبلا قابلا للتطبيق، أو ما إذا كانت إيطاليا ستكون أفضل حالا بمفردها، إن الإجابات تتحدث إلى قوى التفكك السياسي التي تظهرها الدراسات المنتظمة والتي تجمع القوة على طول أطراف أوروبا، والسبب على الأقل في لاتينا، واضح نسبيا، حيث من المرجح أن يكون الشباب الإيطاليون واليونانيون أقل ازدهارا سواء الآن أو في المستقبل مقارنة بالعديد من مواطني الاتحاد الأوروبي الآخرين.

ويعد نقص فرص العمل، وهجرة الشباب إلى البلدان الأفقر في الشرق، هو مجرد عامل واحد يغذي الشعور بالتخلي في بعض أجزاء أوروبا، ففي إيطاليا، أصبح لدى العديد من الأطفال الذين لا يتمتعون بحياة جيدة مثل أجدادهم أو أولياء أمورهم الرغبة في مغادرة البلاد، كما ارتفع عدد الإيطاليين المعرضين لخطر الفقر بمقدار ثلاثة ملايين منذ عام 2008، وهو عدد قليل من عدد البولنديين الذين ذهبوا في الاتجاه المعاكس.

7 مليون شخص ما زالوا عاطلين عن العمل في الاتحاد الأوروبي

وفي هذا السياق، قالت ماريان تايسن، من المفوضة الأوروبية للعمالة والشؤون الاجتماعية والمهارات وحركة العمالة، في العام الماضي "إن شباب اليوم وأطفالهم قد ينتهي بهم الحال أسوأ من آبائهم، وهذا ليس ما نريده". وبعد مرور عام، تم إحراز تقدم معتدل، كشف تقرير عام 2018 الصادر عن إدارة تايسن أن حوالي 14.7 مليون شخص ما زالوا عاطلين عن العمل في الاتحاد الأوروبي، نصفهم عاطلون عن العمل منذ فترة طويلة و 3.8 مليون تحت 25 سنة، كما يشير إلى مبادئ وجود تباطؤ، وهذا يعني أن هذه البطالة طويلة الأجل قد أضرت البلدان كثيرا، فمن الشباب من ترك الكليات أو الجامعات فقط بسبب الأزمة المالية لعام 2009، ثم أزمة منطقة اليورو عام 2011.

وفي إيطاليا واليونان وإسبانيا، كانت نسبة البطالة بين الشباب أعلى من أو تقترب من 40% في عام 2017، وفقا للبنك الدولي، ويقارن هذا ببعض من الدول التي تسمى الدول المنضمة لدول مجموعة الثماني، والتي انضمت إليها في عام 2004 في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، والتي كانت معدلاتها قريبة من 14٪.

وليس من المستغرب أن تختلف مستويات الثروة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي وعددها 28 دولة، لكن حتى الأزمة المالية العالمية، كان الأعضاء الأفقر على الأقل يلقون باللائمة على زملائهم الأغنياء، وفي أوائل العقد الأول من القرن الجاري، بدا أن التطلع إلى إقامة علاقات اقتصادية أوثق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف من أجل التوصل إلى مستوى معياري "موحد" للاتحاد الأوروبي، يبدو وكأنه شيء يستحق التصويت عليه.

هذا هو التحول، الذي يترك الشباب مثل المراهقين الإيطاليين يحلمون بالفاشية الجديدة والشعبوية والأبتعاد عن أوروبا، وهي الأسباب التي تتسبب في وجود ضغوط عميفة في الاتحاد الأوروبي.