لندن - سليم كرم
رفضت أوروبا منح إيران ضمانات لاستمرار العمل بالاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، لكنها أكدت وجود "نوايا حسنة جادة تجاه طهران"، بعد اجتماع ضم وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيران في بروكسيل أمس، لمناقشة مستقبل الاتفاق.
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، عقب الاجتماع الذي دام 90 دقيقة، مساء أمس الثلاثاء "إن الاتحاد لا يستطيع تقديم ضمانات قانونية واقتصادية لإيران؛ لكنه "جاد" بشأن البحث عن سبيل لمواصلة الاستثمارات وسيطرح إجراءات في هذا الصدد في الأسابيع المقبلة"، وأشارت إلى أن الوزراء المشاركين في الاجتماع كلفوا خبراء بحماية الأعمال الأوروبية في إيران.
وسيعقد اجتماع في فيينا الأسبوع المقبل، على مستوى نواب وزراء الخارجية، وأوضحت موغيريني "نحن نعمل على إيجاد حل عملي... نحن نتحدث عن حلول للحفاظ على الاتفاق. تلك الإجراءات ستسعى للسماح لإيران بمواصلة تصدير النفط وللبنوك الأوروبية بالعمل في إيران".
واعتبر وزير الخارجية الإيراني اجتماع أمس "بداية جيدة على المسار الصحيح" فيما يتعلق بكيفية إنقاذ الاتفاق، لكنه قال إن "هناك الكثير الذي يتوقف على ما يمكننا فعله في الأسابيع القليلة المقبلة"، وتحدث عن "اتفاق على خطة عمل".
وجاء الاجتماع المشترك بعد ساعات من مباحثات منفصلة خلف الأبواب المغلقة مع موغيريني، في إطار مساعي الدول الأوروبية للإبقاء على الاتفاق النووي، بعد أيام من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب خروجه منه.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس "إن العلاقات الأوروبية الأميركية تعرضت لانتكاسة بسبب قرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران"، وأضافت خلال مؤتمر للاتحاد الألماني لنقابات العمال أن أوروبا تعلم أنشطة إيران لكنها ما زالت تؤمن بأن الالتزام بالاتفاق النووي هو أفضل سبيل للمضيّ قدمًا، وفق ما نقلت وكالة "رويترز".
جاء ذلك على الرغم من اعتراف ميركل بوجود نقاط ضعف في الاتفاق مع إيران لكنها طالبت بوجوب الحفاظ عليه، وأضافت "بريطانيا وفرنسا وألمانيا كانت ترى أن الاتفاق ضد التسلح النووي الإيراني هو اتفاق بالتأكيد له نقاط ضعف، ولكنه اتفاق يجب أن نقف إلى جانبه".
وكان ظريف ناقش مع مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، تنفيذ الاتفاق النووي ما بعد الخروج الأميركي وتداعيات ذلك على مستقبل الاتفاق، وقال ظريف عقب انتهاء اجتماعه مع موغيريني "إنه مستعد لمفاوضات للحركة بالاتجاه إلى الأمام لضمان مصالح كل الأطراف في الاتفاق النووي بما فيها إيران".
وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس "سنبحث سبل استمرار الاتفاق مع إيران من دون الولايات المتحدة"، وتابع "نود أن نعرف ما يتوقعه الإيرانيون، وكيف يمكن تحقيق التوازن مع تأثير العقوبات الأميركية الحالية والمقبلة".
وتأتي زيارة ظريف بعد تعليمات من الرئيس الإيراني حسن روحاني لقيام الخارجية الإيرانية بجولة دبلوماسية للحد من تداعيات الخروج الأميركي من الاتفاق النووي الأسبوع الماضي.
وكان ترمب أمهل الدول الأوروبية في منتصف يناير /كانون الثاني الماضي، 4 أشهر لرفع ما اعتبرها ثغرات في الاتفاق النووي، ولا سيما دورها الإقليمي المزعزع للاستقرار وبرنامج الصواريخ الباليستية وانتهاكات حقوق الإنسان.
وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، قبل الاجتماع في بروكسيل "إن المملكة المتحدة وشركاءنا الأوروبيين ما زالوا ينظرون إلى الاتفاق النووي باعتباره أمرًا حيويًا لأمننا المشترك، ويبقون ملتزمين تمامًا بدعمه".
ونقلت وكالات أنباء إيرانية عن ظريف عقب اللقاء أن مشاوراته كانت "بناءة وجيدة"، ووفقًا لوكالة "إيسنا" الحكومية قال ظريف "إنه شدد على ضرورة تنفيذ الاتفاق النووي بشكل كامل من جميع الأطراف وانتفاع إيران من ثماره". وتابع أنه ناقش طريقة الرد وكذلك سبل تأمين المصالح الإيرانية في إطار الاتفاق.
ووستتواصل المفاوضات وفقًا لإعلان ظريف، على مدى الأسابيع الثلاثة المقبلة على مستوى الخبراء، ويأمل الاتحاد الأوروبي في إقناع إيران بمواصلة احترام الاتفاقية النووية التاريخية.
وجدد الرئيس الإيراني حسن روحاني، في هذا الصدد، أمس الثلاثاء، مطالب طهران بحفظ الاتفاق النووي شرط تقديم ضمانات لطهران، وقال "إن قرارَي واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ونقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس، خطآن تاريخيان سيؤديان إلى عزل الولايات المتحدة".
وقال علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني بدوره "إن إيران ليست مستعدة إطلاقًا لإضافة أو نقص أي شيء من الاتفاق"، مشيرًا إلى أن القضايا المطروحة في هذا الشأن "مجرد وهم أميركي"، ولفت إلى أن إيران "لن ترضخ إذا ما أرادت الدول الأوروبية والولايات المتحدة إضافة فقرات جديدة بما فيها القضايا المطروحة حول الاتفاق النووي". وأفادت "إيسنا" نقلًا عن ولايتي تصريحاته خلال استقباله وفدًا أكاديميًا من سوريا، بأنه "أمام الأوروبيين فرصة قصيرة لإثبات التزامها في الاتفاق النووي، لكن إذا أرادوا أن يضعوا شروطًا فنحن لن نقبل".
وكانت إيران أعلنت أنها مستعدة لاستئناف تخصيب اليورانيوم "على المستوى الصناعي من دون أي قيود"، إلا إذا قدمت القوى الأوروبية ضمانات ملموسة لاستمرار العلاقات التجارية رغم إعادة العقوبات الأميركية.
وقال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، أمس الثلاثاء، في هذا الصدد، "إن إيران مستعدة لاستئناف برنامجها النووي ودفعه إلى مستويات أعلى كثيرًا مما كان عليه قبل اتفاق 2015 الذي قلّص أنشطة البلاد النووية في مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها".
ونقلت وكالة "فارس" الإيرانية للأنباء عن صالحي قوله "لدينا القدرة، ونحن مستعدون لاستئناف أنشطتنا النووية لمستويات أعلى إذا فشلت المحادثات مع الأوروبيين في إنقاذ الاتفاق النووي بعد خروج أميركا منه".
من جانبه، قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية محمد رضا نوبخت، ردًا على منتقدي سياسة إدارة روحاني للتفاوض بعد خروج ترمب من الاتفاق، إنه "ليس وقت أن ينشغل المسؤولون في الجهاز الدبلوماسي بهذه القضايا في حين أنهم منشغولون بسياسات على المستوى العالمي"، مشددًا على ضرورة عدم التفكير إلا في المصالح القومية.
وأضاف نوبخت في مؤتمره الأسبوعي، أن الاتفاق النووي "تخطى كل المراحل الدستورية والحقوقية في داخل البلاد قبل تنفيذه"، وتابع أن تنفيذ إيران للاتفاق جاء "بناءً على الإجماع الوطني"، لافتًا إلى أنه حظي بتأييد المرشد الإيراني والبرلمان.
ودعا نوبخت إلى مقارنة أوضاع إيران ما بعد الاتفاق النووي بأوضاعها قبل بداية المفاوضات النووية في 2013، حيث "تخلى عن إيران حتى الأصدقاء"، وذلك في إشارة إلى عدم استخدام الفيتو من جانب روسيا والصين عندما صوّت مجلس الأمن على إدراج إيران تحت الفصل السابع.
وتساءل نوبخت في هذا السياق عما إذا كانت الحكومة في ذلك الحين "كان ينبغي عليها الموافقة على العقوبات"، وقال إنه "إذا لم تقْدم الحكومة على أي خطوة من المؤكد فإن التاريخ لن يغفر لنا. نحن أثبتنا أن النشاط النووي الإيراني ليس عسكريًا وهذا ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية". وجدد نوبخت دفاعه عن الاتفاق النووي وقال إنه "رفع العقوبات عن إيران وإن بقيت مشكلات من العلاقات البنكية لكن إيران خرجت من العقوبات الأميركية".