غانا

وقعت غانا في أزمة تسببت في انتشار المجاعة داخل البلاد، بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية في الثمانينات، ولكنها أجرت انتخابات رسمية في عام 1991، وتحولت رؤيتها الاقتصادية بشكل واضح قبل عقد من الزمان، خاصة مع اكتشاف الرواسب النفطية الساحلية، والآن مع ارتفاع أسعار النفط مرة أخرى وتوسع إنتاج النفط في البلاد بسرعة، تسير غانا على المسار الصحيح لتقديم مثال مدهش لدولة غارقة في الفقر منذ فترة ليست بالبعيدة، ومن المرجح أن يكون لها أحد أسرع الاقتصادات نموًا في العالم هذا العام، وفقا لتوقعات البنك الدولي، وبنك التنمية الأفريقي، وصندوق النقد الدولي، ومعهد بروكينغز، وربما يتجاوز نموها المتوقع في عام 2018، بين 8.3 و 8.9% دولة الهند، حيث قطاع التكنولوجيا المزدهر، وكذلك إثيوبيا، التي كانت على مدى العقد الماضي واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في أفريقيا بفضل التوسع في الإنتاج الزراعي وصادرات البن.

ووفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، فإن دولة بوتان فقط  ذات الاقتصاد الصغير، وليبيا التي انخفض اقتصادها الذي دمرته الحرب في السنوات الأخيرة، قد يكون لها معدل نمو أعلى هذا العام، في يناير/ كانون الثاني، وحقق مؤشر الأسهم المرجعي في غانا أعلى معدل نمو في العالم، حيث بلغ 19٪.

وليس النفط هو المورد الوحيد الذي يساعد في دفع اقتصاد غانا للأمام، أيضا الكاكاو، حيث قال إدموند بوكو، العضو المنتدب لشركة "نيكي كاكوا"، إن مصنع للكاكاو في تيما، وهي ضاحية صناعية في العاصمة أكرا، لديه بالفعل عقود لبيع كل من البودرة والزبدة وقوالب الشوكولاتة التي تعتزم إنتاجها في عام 2018، وأكد السيد بوكو أن هذه هي السنة الأولى التي قاموا فيها بهذا.

وداخل مصنع الشوكولاتة الصاخب السيد، يجلس طواقم من الفنيين وراء أجهزة الكمبيوتر، وآلات التشغيل التي تحمص، وتطحن، وتغلي، وتضغط وتخلط مئات الأطنان من حبوب الكاكاو يوميا، يجسد مصنع السيد بوكو هدف الاقتصاديين والتكنوقراط في جميع أنحاء أفريقيا، ولقد ضاعف السيد بوكو من طاقة مصنعه خلال العامين الماضيين ويخطط لتوظيف 100 عامل آخر هذا العام، وتوقع أن تتاح لقطاعات الأعمال الأخرى الفرصة للتوسع، وقائلا "بمجرد أن يرى الناس أن الاقتصاد ينمو، فإن البنوك والمستثمرين سيكونون أكثر رغبة في رؤية غانا كمكان جيد للاستثمارات".

وفي حين أن البلاد في طريقها الآن، فقد حثّ الاقتصاديون وخبراء آخرون غانا على تجنب ما يسمى بلعنة الموارد التي ابتليت بها دول أخرى تعتمد بشدة على استخراج النفط والمعادن، وهي صناعات غالبا ما ترتبط بالفساد، وتعهد الرئيس نانا أكوفو أدو، التي انتخبت في أواخر عام 2016 بعد موجة من السخط على الاقتصاد، بالالتفات إلى تلك النصيحة، وإيصال عائدات النفط إلى التعليم والزراعة والتصنيع، وتنويع الاقتصاد، في خطابه الأخير عن حالة الأمة، وصف السيد أكوفو أدو الصناعة الزراعية بأنها "العمود الفقري" لأجندة التنمية الخاصة به، وقال إن مصانع مثل السيد بوكو كانت نقطة الانطلاق للتصنيع في معظم المجتمعات المتقدمة، كما يعتزم توسيع الحوافز لمعالجات الكاكاو.

وتساعد مبيعات الكاكاو في رفع قطاع الزراعة في غانا، الذي سجل في نهاية العام الماضي أفضل ربع نمو له منذ عام 2010، مدفوعا بمحصول الكاكاو الوفير، كما أن أسعار الكاكاو إلى جانب أسعار أخرى لصادرات غانا مثل الذهب ترتفع مرة أخرى. وفي هذا السياق، قال إريك أمنيغور، نائب مدير الأبحاث في مجلس الكاكاو في غانا، إن صناعة معالجة الكاكاو تتوسع للاستفادة من تدفق الحبوب الخام، وأضاف أن طلبات الحصول على تصاريح لبناء مصانع جديدة تتدفق.

ولكن يقول النقاد إن برنامجا لإنشاء مصانع جديدة عبر مجموعة من الصناعات في كل من المقاطعات الـ 216 في غانا،  كانت بطيئة في البدء، كما أن تأخر النمو في صناعات مثل التمويل والرعاية الصحية، يرجع جزئيا إلى أن استثمارات الحكومة كانت مقيدة على مدى السنوات القليلة الماضية، من أجل تصحيح سنوات الإنفاق الزائد، وبعد الطفرة النفطية المبدئية في عام 2011، دفعت زيادة الرواتب العامة وزيادة مدفوعات فوائد الديون البلاد إلى عجز كبير في الميزانية عندما انخفضت أسعار النفط، ولكن اليوم، يبدو أن غانا تعود إلى وضع الميزانية المستقر.

وقال المحللون، وفي حين أن الهدف على المدى الطويل هو تنويع الاقتصاد، فإن السبب الرئيسي وراء كل التفاؤل الحالي في غانا ما زال النفط، إذ في الأشهر الـ18 الماضية، بدأ حقلان نفطيان رئيسيان قبالة ساحل غانا في الإنتاج، وفي عام 2017، قفز الإنتاج إلى ما يقرب من 60 مليون برميل، مما أدى إلى زيادة إيرادات صادرات النفط بنسبة 124% عن العام السابق، وفقا لإحصائيات البنك المركزي، وفي سبتمبر/ أيلول، فازت غانا بنزاع على الحدود الخارجية مع ساحل العاج المجاورة، والذي من المتوقع أن يمهد الطريق لمزيد من التنقيب عن النفط، ووقعت شركة اكسون موبيل صفقة للتنقيب مع الحكومة في يناير/ كانون الثاني.

ويثير الازدهار قلق بعض الخبراء، حيث قال جون بيغ، وهو زميل بارز في برنامج الاقتصاد والتنمية العالميين "إذا رأيت فجأة موردا قادما، فهناك ميل إلى إنفاق الأموال التي لا تملكها، وكان هذا هو الحال في وضع غانا"، وفي الوقت نفسه، حذر السيد بيغ، من أنه إذا زادت العملة الغانية نتيجة لصادرات النفط، فقد يؤدي ذلك إلى وضع المصنعين المحليين في وضع غير ملائم للواردات ويؤدي إلى تباطؤ في الاستثمار في الصناعات التحويلية.

وما يحدث في غانا يمكن أن يشكل دروسا مستفادة لبلدان أخرى في غرب أفريقيا، بما في ذلك السنغال، التي أعلنت مؤخرا عن اكتشافات للنفط والغاز قبالة الساحل، وموريتانيا، التي وقعت صفقة استكشاف مع شركة النفط الفرنسية "توتال". وبينما قد يكون لدى غانا طعنة في المطالبة بلقب الدولة الأسرع نموا هذا العام، فإنه سيتعين عليها إثبات أنها تستطيع أن توظف طفرة النفط في وظائف عالية الجودة ونمو مستدام، حيث قال الحسن عطا قيسون، الخبير الاقتصادي في جامعة التعليم في وينيبا، في المنطقة الساحلية الغربية بغانا، التي لا تبعد كثيرا عن آبار النفط البحرية "نأمل أن يتمكن قادتنا من استخدام هذه الموارد بشكل استراتيجي، حوتى الآن، لم يتم القيام بالكثير، أنت لا تشعر بأن غانا بلد منتِج للنفط ".

 ويشعر العديد من المواطنين العاديين بأنهم خارج التوسع الاقتصادي، حيث وزاد معدل البطالة، رغم أنه أقل من معدل 7.4 % في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث كان 4% عام 2011 ووصل إلى 5.8 % العام الماضي، وفقا للبنك الدولي، وبين الشباب، فإن المعدل يصل إلى 11.5%، وفي شوارع أكرا  حيث زاد عدد السكان بنحو مليون شخص في العقد الماضي، إلى 2.7 مليون نسمة، مع تدفق الناس من الريف بحثًا عن العمل  يمكن أن يكون من الصعب اكتشاف التفاؤل