القاهرة – أكرم علي وأحمد عبد الله
انتشرت في الآونة الأخيرة إعلانات باللغة الإنجليزية في شوارع القاهرة رغم انخفاض نسبة من يتحدثون الإنجليزية في المجتمع المصري، وعلى طرق السفر السريعة في مصر، فيما تفشت ظاهرة المحال ذات الأسماء المكتوبة باللغة ذاتها. وهو أمر مستغرب في بلد تبلغ نسبة الأمية فيه 25.8 في المئة، وفقًا لإحصاءات عام 2017.
وكشف تقرير صادر عن منظمة «التعليم أولًا» المتخصصة في التدريب اللغوي والتبادل الثقافي، مستوىً متدنيًا للدول العربية في إتقان الإنجليزية، وجاءت مصر في المركز الرابع والخمسين بين سبعين دولة حول العالم في هذا الصدد. ورغم أن الاحتلال الإنجليزي لمصر استمر نحو سبعين عامًا، إلا أنه لم يترك بصمته على علاقة الشعب المصري باللغة، على عكس الاحتلال الفرنسي في بلدان عربية أخرى.
ووفق صحيفة "الحياة" جاءت غالبية الإعلانات إما عن مجمعات سكنية فاخرة أو منتجعات باهظة الثمن أو سيارات فارهة، أو ماركات ملابس شهيرة أو حفلات لنجوم الغناء والموسيقى والرياضة تباع تذاكرها بآلاف الجنيهات. هذه الإعلانات تستهدف «الطبقة الثرية» التي يحظى أبناؤها بالتعليم في المدارس الأجنبية، وصارت مخاطبة الأهالي أطفالهم بالإنجليزية أو الفرنسية، مدعاة للتباهي. وانتشر «الفرانكوآراب» بين الشباب المصري، فهم يستخدمون الحروف اللاتينية في كتابتهم العربية، ما يشي بمجتمع يشعر بالدونية.
وقال أستاذ التسويق والإعلام في جامعة القاهرة، سامي عبدالعزيز، إن «هذه الظاهرة ترتبط بنوع المشاريع المعلن عنها والتي تقع في المناطق الجديدة، اعتقادًا من أصحابها والوكالات الإعلانية أن الشريحة المستهدفة هي كلاس إي، وأن هذه اللغة هي التي تناسبها». ورأى أن الإفراط فيها يحمل نتائج سلبية، فأكثرية المجتمع المصري اعتادت استخدام اللغة العربية، ما يخلق حالاً من الاغتراب لدى المواطن العادي، بل قد يُحدث نوعًا من الحساسية بين فئات الشعب، كما لو كنا نخاطب شريحة ليست مصرية، ما يرسخ الطبقية في المجتمع. ولفت إلى أنه يمكن قبول تلك الإعلانات إذا عُرضت وُسوّقت عبر القنوات التلفزيونية المشفرة التي يشاهدها عادة أصحاب القدرة الشرائية العالية. واعتبر أن هذه الظاهرة لن تنحسر بل ستتفاقم، وهي بمثابة «موضة» "صيحة" في مصر، بسبب تزايد الجامعات الخاصة الدولية والمدارس الأجنبية.
واعتبر عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة، الناقد صلاح فضل، أن الشركات المعلِنة، سواء الوطنية أو الأجنبية، التي تريد مخاطبة شريحة معينة من المصريين، بدأت تتشكل في الحياة العامة وتُمسك بيدها زمام المال والأعمال بعدما تعلمت في المدارس الأجنبية. وقال «القضية ليست قاصرة على الإعلانات، فهي ترتبط بالمستويات الاجتماعية والطبقية، وتفاقم ظاهرة التعليم الأجنبي كبديل للتعليم المدني الوطني، كما أنها مرتبطة بتغوّل المؤسسات الاقتصادية وإعلانها الصارخ بأنها تفضل هذه الفئة الاجتماعية وتَقصر خطابها عليها.
ومن جانبها، قالت البرلمانية سولاف درويش، عن حزب حماة الوطن أنها تقدمت إلى مجلس النواب بتشريع خاص بحماية اللغة العربية، وأن فلسفته تحافظ على إعمال واستخدام اللغة بشكل صحيح وصد غزو اللغات الأخرى بشكل مبالغ فيه، موضحة: أن الدستور يلزم بشكل صريح أن تكون العربية هي لغة البلاد المستخدمة والمستعملة في المعاملات الرسمية، ورغم ذلك نجد في كثير من المواضع والتصريحات للمسؤولين استخدام مصطلحات غير لغتنا الرسمية.
وتابعت درويش: أن استخدام الإعلانات باللغة الإنجليزية، حلقة ضمن سلسلة طويلة من توظيف وغرس لغات أخرى في حياة المصريين اليومية، وأنه على العكس من ذلك فالدول الغربية لاتسمح بتغلغل لغات أخرى في مجتمعاتها إلى هذا الحد، وأنها من أجل ذلك تقدمت بمشروع قانون تنتظر أن ياخذ مساره من النقاش والإقرار تحت القبة.
أما النائب فايز بركات عضو لجنة التعليم أوضح أن ذعر مبالغ فيه يسود عند الحديث عن اللغة الإنجليزية، مؤكدًا أن الدولة تعتز بلغتها الأصلية ومؤخرًا رسخت أدخلت تعديلات على نظامها التعليمي يدمج مدارس اللغات في الحكومية لتقوية العربية، وبالتالي فلا مجال للحديث عن طغيان لهجات ولغات أخرى على العربية.
وأضاف بركات أن الإعلانات المنتشرة في الشوارع تشمل مختلف الأشكال واللغات، وليست مقتصره على الرسائل الأجنبية، وإنما مئات من لافتات الترويج الإعلانية مكتوبة بالعربية، وتحمل تطويرًا وأفكارًا إبداعية خلاقة، وأنه في النهاية لن تؤثر إعلانات أو واجهات محلات على ذهنية المتلقي ولو كان طفلًا، قدر ماتؤثر عناصر أخرى ضمن منظومة أوسع، في الأسرة والمدرسة، والنوادي، والإعلام، وعلى جميع ما سبق أن يعلي من قدر لغته الأصلية ويعتز بها.