القاهرة- محمود حساني
ابتلي المجتمع المصري بالعديد من الظواهر السلبية التي لم يكن لها وجود من قبل ولكنها وجدت المناخ الملائم لها في ظل الانفلات الأمني والأخلاقي الذي ضرب أرجاء المجتمع المصري عقب اندلاع أحداث الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011.
ولعل من أبرز هذه الظواهر، والتي زادت حدتها أخيرا، ظاهرة انتحال أشخاص، صفات عاملين في مؤسسات سيادية في الدولة، كالجيش والشرطة والقضاء، مستغلين غياب الوعي لدى قطاع عريض من المواطنين لا سيما غير المتعلمين منهه.
فالمُطلع على صفحات الحوادث، في الصحُف اليومية، سيصاب بالذهول، من حجم حوادث النصب التي تُرتكب من جانب أشخاص في الغالب، عاطلين، ينتحلون، صفات سيادية، لإيهام المواطنين بقدرتهم على إنهاء بعض الإجراءات والمصالح المتعلقة بهم، مقابل مبالغ مالية كبيرة.
وتمّكن رجال هيئة الرقابة الإدارية في 8 شباط/فبراير الجاري، من توقيف أحد الأشخاص لادعائه الانتماء إلى أسرة الرئيس، والاستيلاء على 56 مليون جنيه من رجل أعمال، وكشفت الهيئة عن أن المتهم استولى على المبلغ بدعوى تسليمها كتبرعات لصالح المشروعات القومية.
ومنذ أيام قليلة، فوجئ المشاركون في عزاء الشيخ عمر عبدالرحمن، الأب الروحي للجماعة الإسلامية، الذي وافته المنية عن يُناهر الـ78 عاما، السبت الماضي، داخل أحد السجون الأميركية، بعد صراع طويل مع المرض، بدخول شخص قال إنه اسمه المستشار السيد الدويك، مندوبا عن رئاسة الجمهورية، وأنه جاء إلى العزاء نيابةً عن الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي أرسله برسالة إلى أسرة الشيخ وليقدم لهم واجب العزاء.
وبالكشف عن المتهم تبيّن أنه مسجل خطر فرض سيطرة، في قضية حملت رقم 576، ومتهم في 10 قضايا أخرى، تنوعت بين انتحال صفات، أموال عامة، وحريق عمد، وصادر في حقه قرار توقيف من النيابة العامة، لتنفيذ 3 أحكام قضائية صادرة في حقه.
وأوضح المتهم، خلال التحقيقات، أنه لم يكن يقصد سوى تكوين علاقات اجتماعية بهذا الادعاء، وقد واجهته النيابة بالمضبوطات التي كانت في حوزته، بعد تفتيشه من جانب رجال الأمن، إذ عُثر على صورة مفبركة مع المتهم بصحبة الرئيس عبدالفتاح السيسي، ووجهت له النيابة العامة، تهمة التزوير وانتحال صفة أخرى، بعدما تبين أنه يحمل كارنيه يُفيد أنه نائب وزير التربية والتعليم.
خبراء علم النفس والاجتماع، أكدوا في لقاءات مع "مصر اليوم"، أنه في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية دخل المجتمع، وجد الكثير من العاطلين، فرصتهم، لانتحال صفات سيادية، كضابط جيش أو شرطة، لإيهام المواطنين بقدرتهم على إنهاء مصالحهم وأمورهم، مقابل الحصول على مبالغ مالية، إذ يستغل هولاء المنتحلين، حاجة هؤلاء الأشخاص لمن يساعدهم في إنهاء أمورهم، كالحصول على فرصة عمل أو رخصة قيادة أو شقة سكنية، وغالباً ما يختار هؤلاء المنتحلين، ضحاياهم بعناية فائقة، حتى لا ينكشف أمرهم.
وأضافوا أن المجتمع المصري في حاجة ماسة إلى "روشتة" تتضمن علاجا فعّالا وسريعا من الآفات التي انتشرت في داخله خلال السنوات الخمسة الأخيرة، كالنصب والجشع والاستغلال، مطالبين بضرورة تكثيف حملات التوعية لرفع وعي المواطنين.
ووفقا لأحكام قانون العقوبات المصري، يُعاقب منتحل صفات المؤسسات السيادية، بالحبس لمدة تتراوح من 6 أشهر إلى 3 أعوام، وهو ما يرى معه بعض الخبراء المعنيين، بضرورة تغليظ العقوبات المُقررة في هذا الشأن، على أن تكون العقوبة السجن 10 أعوام، للقضاء على هذه الظاهرة.