حوداث السيارات المتكررة

تعكس حوداث السيارات المتكررة في الفترة الأخيرة على الطريق الدائري،  سوء الحالة التي أصبح عليها ، بعدما تحول من "رئة مرورية" للقاهرة الكبرى، إلى "طريق للموت"، فوفقًا للإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن "الدائري" خلال عام 2015 قد شهد نحو 4906 حادثًا مروريًا، منها 845 وقعت في المنطقة بين التجمع والأتوستراد، و765 حادثًا في المنطقة بين الأتوستراد إلى المنيب، و673 حادثاً من المنيب إلى محور المريوطية، و474 حادثاً بين محور المريوطية وطريق الواحات، 339 حادثاً بين المريوطية وحازم حسن، و361 حادثاً بين محوري المريوطية و26 يوليو، و169 حادثاً بين التجمع ونفق السلام، و273 حادثاً بدءًا من محور 26 يوليو وحتى نفق السلام.

وتتنوع صور الإهمال على "الدائري"، الذي أصبح لا يوجد به موضع شبر إلا وطالته التعديات، فضلاً عن عيوب التصميم، والنزلات العشوائية، وغياب الصيانة، وغيرها من الظواهر السلبية التي رصدنها خلال جولة قامت بها أعلى الطريق الدائري، وتتعدد المواقف العشوائية فوق "الدائري"، حيث تصطف مئات السيارت في مناطق مختلفة أعلى الطريق، خاصةً التي تشهد كثافة سكانية عالية، مثل مناطق: "السلام، المرج، مسطرد، قليوب، ميدان لبنان، المريوطية"، ويسيطر عليها البلطجية والخارجين على القانون.

وأوضح الشاب الثلاثيني، عمرو أحمد أنّه "يعني لو منعوا العربيات تقف فوق الدائري هنركب إيه، أنا بأشتغل في 6 أكتوبر، وبركب كل يوم من على الدائري عند نزلة قليوب، وعارف إن المواقف دي عشوائية، بس لو أتمنعت هنروح مصالحنا إزاي، المشكلة الوحيدة بس إن السائقين بيحددوا الأجرة بمزاجهم"، ودافع السائق محمد فهمي، عن الاتهامات التي تلاحقهم، مشيرًا إلى أنّه "عارف إن احنا غلط، بس حد يقولي أيه البديل، نشحت ولا نسرق، والعربيات عليها أقساط، نشتغل فين، مش كفاية سايبنا للبلطجية يبيعوا ويشتروا فينا، واللي مابيدفعلهمش الكارتة بيتضرب وعربيته تتكسر".

ويرى الخبير المروري، اللواء مجدي الشاهد، أن الفترة التي أعقبت 25 يناير، والتي شهدت انفلاتاً أمنيا، ساهمت بشكل كبير في تنامي تلك الظاهرة، التي أصبح من الصعب السيطرة عليها الآن، ليس على مستوى الدائري فقط ولكن في أغلب طرق القاهرة، ما تسبّب في تكدس السيارات لساعات طويلة، وهو أمر يجب مواجهته بحسم، مع ضرورة توفير أماكن بديلة تستخدم كمواقف رسمية، وعلى الرغم من أن القانون حدد المسافة المخصصة لحرم الطريق الدائري بألاتقل عن 50 مترا، حتى يكون هناك فرصة لإجراء عمليات توسعية للطريق مستقبلا، إلا أن زحف المباني قضى على هذه المسافة، فأصبحت ملاصقة للطريق تمامًا بشكل مخالف للقانون، وقام الأهالي باستحداث العديد من النزلات الترابية العشوائية لتسهيل عملية نزول السيارات وصعودها، من وإلى "الدائري"، عن طريق إزالة الأسوار المحيطة بالطريق، مثل نزلة "ناهيا"، "الطالبية"، "القلج"، والعديد من النزلات الأخرى، والتي باتت تشكل أحد أهم مسببات الحوادث على الطريق.

وأوضح اللواء يسري الروبي، أنّ تسمية الطريق الدائري بـ" طريق الموت"، ليس من فراغ، خاصًة في ظل الكوارث التي تحدث عليه بشكل يومي، ولفت "الروبي" إلى أن "الدائري" أصبح مشاعاً لكل من يريد أن يقوم بعمل فتحات عشوائية "نزلات" للسيارت لتسهيل وتقصير الطريق، وهو أمر يرجع في المقام الأول لسوء التخطيط من البداية، فكان من الأولى على الحكومة أن تأخذ في الاعتبار زيادة عدد النزلات على الدائري، بحيث يتم تنفيذها بشكل علمي وليس عشوائي كما هو الوضع الآن، وأيضاً إنشاء طرق موازية للدائري بحيث يتم التغلب على الإعاقة المرورية على الطريق.

وكشفت وزارة النقل، أنّ أكثر من 500 طن من المخلفات يتم رفعها يوميًا من أعلى الدائري، ومع ذلك فمخلفات البناء، وأكوام القمامة على جانبي الطريق لاتنتهي، بعدما اتّخذ منه سائقي العربات "الكارو" المحملة بالمخلفات مقلبًا للقمامة، فضلاً عن أكياس "الزبالة" التي يقوم بإلقائها الأهالي الذين يقطنون بجوار الطريق، وهو الأمر الذي أدى إلى تصاعد أدخنة كثيفة في بعض المناطق، مثل "بشتيل، المنصورية، الخصوص"، نتيجة لتفاعلات القمامة، وهو مايتسبب في إعاقة لحركة المرور، وكذلك العديد من الحوادث، كما تحولت العديد من المناطق أعلى وأسفل الدائري، إلى أسواق ومقاهي و"نصبات" شاي، ومحلات للعصير، خاصًة مناطق "أسطبل عنتر، الجبل، مقابر اليهود، البساتين، المرج، مسطرد، الوراق"، بشكل أقرب إلى الأحتلال، وقاموا بتوصيل الكهرباء من أعمدة الإنارة العمومية المخصصة للطريق، في ظل صمت غير مبرر من المسئولين، وهو ما تسبب في خلق حالة من الاحتقان بين قائدي السيارات المارة على الدائري، نظراً لما يعانونه يوميًا بفعل هذه التعديات، وهو ماعبر عنه محمد مصطفى، مهندس:" نصبات الشاي وبائعين الفاكهة فوق وتحت الدائري، بيسببوا زحمة كبيرة، نتيجة إن العربيات بتقف علشان تشتري منهم، خاصةً سواقين النقل، بيركنوا علشان يشربوا شاي، وطبعاً ده بيعمل أزمة في المرور وخصوصًا في وقت الذروة"، ويعاني قائدو السيارات على الطريق من "المطبات الهوائية" التي قد تؤدي إلى خلل كبير في اتزان السيارة، ما يتسبب في العديد من الكوارث التي نشاهدها على الطريق بصورة يومية.

وهاجم استشاري الطرق والكباري، عماد عبد العظيم، مسؤولي الهيئة العامة للطرق والكباري، التي أعلنت منذ فترة عن شراء جهاز حديث للقضاء على المطبات الهوائية، ولم تستخدمه حتى الآن، مشيرًا إلى أنّه "مابتشتغلش بيه ليه دلوقتي لازم نسألها، المعدات الحديثة لم يتم استخدامها حتى الآن لمعالجة المطبات التي تؤثر على حياة المواطنين"، ومضيفًا أن الحمولات الزائدة لسيارات النقل الثقيل هي السبب الرئيسي في حوادث الهبوط المتكرّر على الطريق، نظراً لأن أقصى حمولة للسيارة هي 10 أطنان.

وأرجع عبد العظيم سبب تزايد النزلات غير القانونية إلى الانفلات الأمني الذي أصاب مصر عقب ثورة 25 يناير والذي أدى إلى انتشار الفوضى حينها، مشيرًا إلى أنّه "كنا ضعاف ساعة الثورة والناس كانت بتستغل الضعف الأمني، ولو هي في صالحهم ندرسها"، وطرح عبد العظيم عدة حلول للقضاء على مشاكل الطريق الدائري أهمها، دراسة المنازل والمطالع، وتطوير الحواجز الخرسانية لتفي بمتطلبات الأحمال التصادمية وتجعلها آمنة لا تنهار أثناء تصادم السيارات بها، مع تشديد الحملات المرورية على المطالع والمنازل بدلاً من أن تكون على الطريق لتسهيل حركة المرور وجعلها مرنة.