دولة إسرائيل

نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مقالا مطولا للباحث الإسرائيلي، مئير زمير، كشفت فيه عن أن رئيس الوزراء السوري الراحل في عهد الانتداب الفرنسي، جميل مردم بك، قدم معلومات "مهمة وحاسمة" نقلها إلى القيادي في الحركة الصهيونية آنذاك بن غوريون، وساعدت في ما بعد على قيام دولة إسرائيل في العام 1948.

ورغم أن جميل مردم بك يعد في الذاكرة السورية الجمعية أحد أبطال استقلال سورية ومن "الآباء المؤسسين" للجمهورية للسورية، غير أن الباحث زمير، أكد أن ذلك السياسي الدمشقي المخضرم كان "عميلا مزدوجا"تعاون مع الوكالة اليهودية أثناء عمله سفيرا لسورية في القاهرة ومندوبا لها لدى جامعة الدول العربية عام 1945.
وحسب الوثائق الذي تحدث عنها زمير في مقالته، فإن بداية تجنيد جميل مردم بك كانت قد بدأ في صيف عام 1945، عبد أن كشفت معلومات استخبارية فرنسية، أن رئيس وزراء سورية تحت الانتداب الفرنسي قد جرى تجنيده بواسطة رئيس المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط، إيلتيد نيكول كلايتون، ورئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري السعيد.
ووفقا للمقال، فقد كان مردم بك يحلم بإقامة دولة سورية الكبرى التي تضم سورية والعراق والأردن تحت حكم الملك فيصل ابن الشريف حسين فيما سيكون هو رئيس الورزاء، لكن الفرنسيون، قرروا ابتزاز مردم بك بعد أن هددوه بتسريب الوثائق التي بحوزتهم لخصومه السياسيين مما حدا إلى الاستقالة في آب من العام 1945، وذلك إثر التشاور مع بريطانيا التي لم تعلم أنه أصبح عميلا مزدوجا، وأشارت صحيفة "هآرتس" إلى مردم بك كان قد زود الفرنسيين بمعلومات قيمة بشأن نوايا الجيش البريطاني وأجهزة المخابرات في الشرق الأوسط.
وعندما عين مردم سفيرا لسورية في مصر ومندوبا لها في مقر الجامعة العربية في القاهرة واجه الفرنسيون صعوبة في ابتزازه واستغلاله دون إثارة الشكوك، ولذلك لجأوا إلى تجنيد رئيس القسم العربي للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، إلياهو ساسون، لكي ينقل المعلومات المهمة التي بحوزة السفير السوري إلى باريس، وما ساعد في تسهيل مهمة ساسون أنه من أصول سورية ولها علاقة جيدة بمردم بك منذ العام 1937، وقد عينه بن غوريون في الوكالة اليهودية لتنسيق التعاون مع المخابرات الفرنسية.
وتشير الوثائق إلى أنه في 12 تشرين الثاني 1945، التقى ساسون مردم في القاهرة، قبل أن يفعل ذلك مرة أخرى بعد 6 أيام، وذلك عندما زار مردم القدس على رأس وفد جامعة الدول العربية لترتيب التمثيل الفلسطيني في الجامعة، بعد هذه اللقاءات، التقى بن غوريون مع ساسو، وفي يوميات 22 تشرين الثاني)، تفاصيل ذات صلة بمحادثات مسؤول الوكالة اليهودية مع مردم.
وبحسب الوثائق فإن هذه واحدة من المناسبات القليلة التي يمكن فيها تحديد مردم مباشرة كمصدر استخباراتي لبن غوريون، والذي أصبح لاحقا أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل. وفي السنوات التي تلت ذلك، أخفت كل من المخابرات الفرنسية وساسون بوسائل مختلفة حقيقة أن مردم كان مصدر المعلومات، لكي لا يفتضح أمره، ومع ذلك، فإن المعلومات التي تم الكشف عنها لأول مرة في يوميات موريس فيشر، ضابط مخابرات في المقر العسكري للقوات الفرنسية الحرة في بيروت، والذي خدم سابقًا في ميليشيات الهاغاناه قبل قيام الدولة الإسرائيلية، وأصبح فيما بعد أو سفير لإسرائيل في فرنسا، دليل إضافي على أن مردم كان مصدرًا مهمًا للمعلومات لبن غوريون، وأوضح فيشر في مذكراته أن مردم كشف عن خطة أنجلو-عراقية سرية لتأسيس ما يسمى بسورية الكبرى لعملاء من الحركة الصهيونية في لقاء بالقاهرة.
وأوضح تقرير الباحث الإسرائيلي أن بن غوريون كان يستعد منذ تموز 1945، لاحتمال وقوع هجوم من الجيوش العربية في حال أعلنت إسرائيل استقلاها، بيد أن المعلومات التي وردت مردم حولت الاهتمام إلى اتجاه آخر، إذ علم بن غوريون أن التهديد المباشر لقيام إسرائيل لا يكمن في هجوم محتمل من الدول العربية المجاورة بل في خطط بريطانية لإحباط قيام الدولة العربية.
وبدا ذلك جليا من خلال إعلان ميليشيات "الهاغانا" منظمة إرهابية، والسعي لتنفيذ خطة "سورية الكبرى" حيث يتم إنشاء كيان يهودي بصلاحيات محدودة فيه وليس دولة مستقلة، ووفق المعلومات التي نقلها نقلها مردم بك إلى بن غوريون فإن الزعماء العرب الذين كان يخشون حدوث تدخل سوفيتي، قد عقدوا العزم على الوقوف إلى جانب المملكة المتحدة في حالة اندلاع حرب شاملة بين بريطانيا والاتحاد السوفياتي على أراضي الشرق الأوسط.
وحسب صحيفة "هآرتس"، حري إحباط فكرة قيام "سورية الكبرى" بجهود العاهل السعودي آنذاك، الملك عبد العزيز بن سعود، والذي كان يعتبرها تهديدا لبلاده، وتمكن من ذلك عقب أن حصوله على دعم الرئيس الأميرك هاري ترومان، وفي 14 تموز من العام 1946، لم يكن أمام لندن سوى القبول أنها لا تدعم قيام مشروع سورية الكبرى، ورغم ذلك واصلت المخابرات البريطانية جهودها لإنشاء سورية الكبرى لتكون حكم الهاشميين (أفراد عائلة الشريف حسين بن علي)، وذلك لتكون جزء من تحالف إقليمي ضد أي تهديد سوفياتي محتمل.
وحسب الصحيفة الإسرائيلية، فقد كانت المعلومات التي جرى نقلها من مردم بك إلى دفيد بن غوروين بالغة الأهمية، مشيرة إلى أن الأحداث التي وقعت في العام 1946 أكدت دقة تلك المعلومات بشأن نوايا بريطانيا، وفي مايو من العام 1946 كان رئيس المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط ألتيد كليتون، قد باشر تعاونا مع أمين جامعة الدول العربية، عبد الرحمن عزام، عقب اجتماع لقادة الدول العربية في قصر إنشاص بالقاهرة، حيث أكدت قرارات المؤتمر لأول مرة "أن الصهيونية تشكل خطرا على الدول العربية كافة".
وعقد اجتماع ثان لمجلس جامعة الدول العربية في يونيو في منتجع بلودان بالقرب من العاصمة السورية دمشق، حيث صدرت "قرارات سرية" تنص على ضرورة المواجهة العسكرية للحركة الصهيونية ودعم الفلسطينيين بالمال والسلاح والقوى البشرية، وحضر ذلك الاجتماع مردم بك مع ساسوون الذي عاد بعد ذلك إلى القدس بمعلومات عن القرارات السرية.
وأكدت التحركات اللاحقة من قبل الجيش البريطاني والأجهزة السرية معلومات مردم. في 29 حزيران 1946، فيما عُرف باسم "عملية أجاثا" -أو "السبت الأسود" بالعبرية- اعتقلت وحدات من الجيش البريطاني قادة الوكالة اليهودية، ولا سيما رئيس السياسة الخارجية موشيه شاريت، وصادرت ملفات في مقر الوكالة في القدس.
وداهمت عددًا كبيرًا من الكيبوتسات بحثًا عن أسلحة ممنوعة. كان الهدف الحقيقي للعملية هو نزع سلاح الهاغاناه واستبدال "القيادة المتطرفة" -أولاً وقبل كل شيء بن غوريون- بشخصيات أكثر اعتدالاً.
فشلت العملية البريطانية إلى حد كبير، حيث تسربت تفاصيلها إلى قيادة الهاغاناه قبل شهرين، فيما نجا بن غوريون من الاعتقال، حيث كان باريس في ذلك الوقت.
حاول البريطانيون أيضًا العثور على دليل على الدعم الفرنسي للحركة الصهيونية -كانت ملفات إلياهو ساسون من بين الملفات الأولى التي استولوا عليها- لكنهم لم يجدوا شيئًا قد يوحي بذلك، وفي كانون الأول 1946، أجبر كلايتون الرئيس السوري القوتلي على تنحية رئيس الوزراء سعد الله الجابري لدوره في إفشال خطة سورية الكبرى، واستبداله بجميل مردم.
وكان الهدف من هذه الخطوة هو تمكين مردم من ضمان أغلبية برلمانية للخطة، لكن مردم بدأ ينأى بنفسه عن البريطانيين - على الرغم من استمرار المخابرات البريطانية في اعتباره عميلا موثوقا".
مكّنت عودة مردم من القاهرة الفرنسيين من إدارته مباشرة دون وساطة ساسون. في صيف عام 1946، أقامت فرنسا علاقات دبلوماسية مع سورية وأنشأت قنصلية في دمشق يعمل فيها عملاء المخابرات تحت ستار دبلوماسي. تمكن هؤلاء الممثلون من لقاء مردم بصفتهم الرسمية دون إثارة الشكوك، وبعد فشل المساعي البريطانية في حل مشكلة اليهود في فلسطين بالقوة ، فُرضت المهمة على الجيوش العربية. لقد وصفت هذه المرحلة، التي بدأت في آب) 1947 وبلغت ذروتها في حرب أيار 1948، وفي أعقاب هزيمة الدول العربية في حرب عام 1948، اجتاحت رياح الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأنظمة القديمة في سورية ومصر والعراق.
كان جميل مردم أحد ضحايا الاضطرابات في كانون الأول بعد أزمة سياسية واقتصادية حادة في سورية، حيث أجبر مرة أخرى على التنحي من منصبه ليقضي بقية سنوات حياته في القاهرة حتى تاريخ وفاته في العالم 1960، وفي شباط 1947، التقى بن غوريون في لندن بوزير الخارجية البريطاني إرنست بيفين وأشاد بمردم كزعيم عربي معتدل.

قد يهمك ايضا

اتفاق جديد بين إسرائيل ولبنان ضمن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية

دور يهود الولايات المتحدة الأمريكية فى دعم الحركة الصهيونية