القاهرة ـ علي رجب
رصد "مؤشر الديمقراطية" خلال آب/أغسطس 2013، فاعليات الحوار المجتمعي المستمر بشأن النظم الانتخابية المقترحة لانتخابات المرحلة المقبلة، ضمن مبادرة المؤشر للإصلاح الانتخابي. وأفاد المؤشر، أنه رغم إقامة حوار مجتمعي ضيق بشأن النظم الانتخابية إلا أن انشغال مكونات الدولة كافة بالأوضاع الأمنية والسياسية الحالية، قد أفقده القدرة على التطرق لبعض الموضوعات التي حاول التقرير توثيقها وعرضها على المواطن المصري وصانع القرار، والتي تأتي أهمها
في النقاط التالية بين التمثيل النسبي والتمثيل القبلي، وقد اقتصر الحوار المجتمعي على الدفاع عن التمثيل الجغرافي تارة، والتمثيل الحزبي تارة أخرى، في حين غاب عن مشهد المساوئ التي خلقها النظام الفردي في ما يخص التصويت القبلي، والذي طال محافظات الصعيد والدلتا والمحافظات البدوية بشكل عكس مجالس تمتلئ بكل شيء سوى ممثلين عن الشعب، وأيضًا كان التبرير المستمر بضعف الأحزاب وحداثتها، والذي يُعتبر عذرًا أقبح من ذنب، فبعد 3 سنوات من العمل الثوري المستمر لعشرات من الأحزاب والحركات والقوى لا يستطيع المنطق قبول هذا العذر، لا سيما بعدما كانت معظم تلك الأحزاب قد كونت شراكات حزبية وجبهات وتحالفات انتخابية قائمة بالفعل.
وأوضح التقرير، أن الموقف الحالي يفرض على الجميع أن يناقش نسبية التمثيل، وهل سيكون المجلس الحالي معبرًا فعليًا عن الشارع المصري، هل نستطيع أن نلحظ بعض الشباب أو مجموعة من العضوات غير المعينات، أو بعضًا من المنتخبين من الأقباط الناشطين سياسيًا، ومن سيمثل النوبة وسيناء، وهل سنرى عمال مصانع فعليًا أم سيستمر ترشح رجال الأعمال تحت صفة العامل، وهل المشكلة تقطن حقيقة في إلغاء نسبة العامل و الفلاح، أم أن هناك خيارات واسعة لم يتضمنها الحوار المجتمعي، وأن آليات التحول الديمقراطي تفرض على الجميع وضع نسبية التمثيل أمام أعينهم، وأن يكون الهدف الأول من أي نظام انتخابي مقترح، هو أن يعكس تمثيل فئات المجتمع كافة بشكل يجعل منه مرآة للشعب المصري بأطيافه جميعها، حتى يصبح بحق مجلسا للشعب الممثل جغرافيًا ونوعيًا وعمريًا وأيديولوجيًا وعقائديًا وفئويًا.
وطرح المؤشر السؤال الأهم، وهو "هل تستطيع الدولة إتاحة عملية التصويت للفئات كافة؟ وما هي قيمة أصوات الناخبين؟"، حيث افتقد الحوار المجتمعي حتى الآن لمناقشة كيفية إتاحة الدولة الانتخابات للجميع ومن دون تفرقة، وبالتالي على الحوار المجتمعي أن يتضمن عملية تقسيم الدوائر واللجان الإنتخابية، بحيث لا يمكن تكرار مشهد إتاحة لجنة لكل 30 ألف ناخب في سيناء، في مقابل لجنة لكل 6 آلاف ناخب في القاهرة، أو صورة تعكس مواطنين تم منعهم من التوصيت بشكل إجرامي، أو لجان انتخابية غير قادرة على استيعاب الناخب، وغيرها من الصور التي باتت مرفوضة لدى الوعي الجمعي المصري، ولكنها تريد أن تتبلور من خلال الحوار المجتمعي، وأن تكون مسودة اتفاق أو خارطة لطبيعة النظام الانتخابي الذي سيتم تطبيقه، لذا فإن مبدأ إتاحة التصويت إلى من يمتلكون هذا الحق هو أحد أهم مكونات نظام انتخابي ناجح، وإنه كلما تم التضييق بشكل أو بآخر على الوصول لهذا الحق كلما انعكست آلية تحقيق الديمقراطية لآلية واضحة لتكريس دكتاتورية.
ويركز المبدأ الثالث على كيفية ترجمة اختيارات الناخب، وهنا تتحدد قيمة الصوت الانتخابي، وهنا يرى المؤشر أنه كلما استطاع النظام الانتخابي أن يأتي بمجلس أقرب إلى إتجاهات المصوتين، كلما كان هذا النظام يُعزز من قيمة التصويت ويجعله عملية ذات معنى ودلالة، وهو ما يكسبها الشرعية المطلقة، ويعمل على تعزيز عملية التصويت حيث تعتبر قيمة الصوت الانتخابي أحد أكبر المحفزات التصويتية، ويجب على القائمين على الحوار المجتمعي مناقشة محورين مهمين، أولهما الكيفية التي سيتم تقليص الأصوات الضائعة من خلالها، بمعنى الأصوات التي يخفق ممثلوها في اجتياز الانتخابات، وهنا على سبيل المثال انتهج الشعب الكندي نظامًا أسموه بالأفضليات، وهو نظام انتخابي يجعل المصوت يضع أرقامًا متسلسلة أمام أفضل ثلاث مرشحين بحيث تترجم أصوات الناخبين لممثلين يعبرون عن أفضلياتهم الأولى أو الثانية أو على أقل تقدير الثالثة، فيما يتضمن المحور الثاني آليات إيجاد وسائل لترجمة الأصوات الصحيحة بشكل فعلي، بحيث لا يحصل الحزب أو الشخص الحاصل على 30% من الأصوات على النسبة ذاتها التي يحصل عليه منافسه ذا الـ 40% ، بحيث يعمل النظام المقترح على ترجمة الأصوات لعدد قريب جدًا لنسبة الممثلين /الأعضاء .
وبشأن النظام الانتخابي بين التمكين والمسائلة، تجاذبت أطراف الحوار المجتمعي الحديث عن أهمية تمثيل بعض الأحزاب أو الفئات، لكنها أغفلت الدور الذي تقوم به النظم الانتخابية في تمكين الحكومات المقبلة، والتي سيكون مجلس الشعب هو المراقب الأول لها، وستحدد الانتخابات الرئاسية من سيترأسها، لذا فإنه كلما كان النظام الانتخابي يتيح تمثيلاً عادلاً، كلما تحول ذلك إلى اختيارات عادلة للحكومة وتمثيل عادل من الشعب في السلطتين التشريعية والتنفيذية، بشكل يحقق رضاءً وتوافقًا وطنيًا بشأن السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل يجعلهما تتمتعان بالاستقرار، وهو أكثر متطلبات الحكومات والسلطات المصرية في التوقيت الحالي والمستقبلي، لكن تمكين الحكومات وجعلها تتمتع بالشرعية الشعبية لابد وأن يتوازي مع عملية المسائلة، وهنا يطرح المؤشر السؤال الأصعب بالحوار المجتمعي، وهو إن استطاع النظام أن يأتي بممثلين حقيقيين للمجتمع، فكيف له أن يضمن كنظام انتخابي مقومات المسائلة والمحاسبة، بحيث تكتمل أطر الديمقراطية بجناحيها (التمكين والمسائلة/المحاسبة)، وهنا يجب علينا أن ننظر لأليات سحب ثقة الناخب من العضو المنتخب، وكيف تترجم تلك الآليات إلى معايير وأدوات واضحة. وعن دور النظام الانتخابي في تحديد دور المعارضة وتحقيق الاندماج الوطني، عكست النقاشات بشأن النظم الانتخابية قصورًا في توضيح سياستها تجاه المعارضة بمختلف أشكالها الحزبية والمستقلة، حيث اقتصر الحوار عن أهمية تمكين الأحزاب ولا سيما الجديدة منها وهذا حق واجب لتلك الأحزاب، لكن النقاشات لم تعكس القصور الواضح في تحديد النظام الانتخابي لسياسته تجاه المعارضة من أحزاب ومستقلين، وكيف سيهتم هذا النظام بضمان مساحة كافية لجماعات المعارضة، لأن المسائلة تحتاج ولا سيما في أوقات التحولات الديمقراطية إلى تواجد أحزاب وجماعات تقوم بتنفيذها من خلال الأدوات القانونية، وغالبًا ما تتنتمي تلك الجماعات والأفراد إلى فصائل المعارضة لا إلى الفصائل الحاكمة، لذا فإن ضمانة النظام الانتخابي لتمثيل وتمكين المعارضة، سواء من أداء دورها الرقابي أو التنفيذي يُعدّ ضامنًا أساسيًا لمبدأ المسائلة، وغياب تلك الضماة يعتبر ممهدًا لقيام دولة الحزب والكيان الواحد والديكتاتوريات طويلة الأمد.
وفي ما يتعلق بعملية الاندماج الوطني، اقتصر الحوار المجتمعي على مناقشة شق واحد يتمثل في المصالحة مع الأنظمة التي أسقطها المصريون مثل نظام مبارك/الحزب الوطني، ومرسي/جماعة "الإخوان"، ولم يشمل الحوار التطرق إلى باقي المكونات الأساسية لعملية الاندماج الوطني التي تعد الانتخابات أحد أهم عناصرها، والتي تتوافر بالحق في التصويت والترشح وضمانة الدولة لرعاياها كافة الحق في التمثيل من دون أدني تمييز، بشكل لا تعكسه نظمًا انتخابية جامدة، ولكن تقوم برسم ملامحه نظمًا انتخابية مرنة تتبعها مجموعة من الإجراءات والتدابير التي تعكس حرص الدولة على توفير وضمان تلك الحقوق، بحيث يشعر المواطنون بمشاركتهم الفعلية في الحياة السياسية والعامة، وهي أحد أهم مقومات تحقيق عملية اندماج وطني شامل وليست مصالحة قصيرة الأمد وغير مضمونة النتائج، وأن وجهات النظر المتبادلة عكست نظرة جامدة للنظم الانتخابية لكونها رأت أنها نظمًا ثابتة لا يمكن تغييرها، وأن عملية تغيير تلك النظم عملية شاقة ومكلفة، ويجب أن تتبع أحداث ثورية أو تغيرات مهمة، وهو ما يعتبر منافيًا تمامًا للواقع حيث تعكس التجارب الحديثة كافة، أن عملية الإصلاح الانتخابي وتطوير النظم الانتخابية هي عملية قديمة نسبيًا، بحيث بدأت الدول والديمقراطيات في تطوير نظمها الانتخابية منذ منتصف القرن الماضي، وتبلور هذا التطور بشكل علمي محترف منذ ثمانينات القرن العشرين، لذا فإنها عملية مستمرة تهدف لوضع نظمًا انتخابية مرنة قابلة للتعديل والتطوير والتغيير بحيث يصل مصممو وواضعو تلك النظم لأفضل نظامًا يحقق نسبية التمثيل ويراعي المعايير التي ذكرناها سابقًا، وشدد علي أن استمرارية واستدامة النظام الانتخابي لا تقتصر عند تطويره وتحديثه كضرورة تفرضها عملية التحول التدريجي للديمقراطية، ولكنه أيضًا يشمل الضمانات اللازمة لأن تكون العملية الانتخابية عملية مستمرة ومستدامة، بحيث تعد آلية دورية تمكن المواطن من اختيار ممثلية وعاكسا لمصالح وتطلعات المواطن المصري، لذا فإن التقرير أوصى بضرورة أن تسبق عملية وضع نظام انتخابي وضع مسودة اتفاق أو خارطة توضح ما المطلوب أن توفره النظم الانتخابية المطروحة في ظل المعايير، التي تؤهل هذا النظام لتحقيق تحولاً ديمقراطيًا حقيقيًا من خلال ضمانة هذا النظام وآليات تطبيقه للوصول لأقصي مستويات التمثيل النسبي لفئات المجتمع، وتمكين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتحقيق الاستقرار النسبي لهما، وضمان عملية المسائلة للمناصب كافة بالسلطات والمناصب المنتخبة، وضمان تحفيز وإصقال دور المعارضة والحياة الحزبية، وتحقيق عملية الاندماج الوطني الشامل نهاية بتمكين الجميع من العملية الانتخابية ووضع نظمًا انتخابية مرنة وتحقيق استدامة العملية الانتخابية.
وفي النهاية، رأى المؤشر، أن هناك مجموعة من التساؤلات الخاصة بالمخوّل لهم وضع النظم الانتخابية، والتي تفرض نفسها على الموقف الحالي، وهو ما ستفرد له مبادرة الإصلاح الانتخابي له مساحة بحثية واسعة في سلسلة بياناتها المقبلة.