القاهرة - محمود حساني
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطنون في مصر، وعجّز قطاع عريض منهم عن تدبير احتياجاته المعيشية من مأكل وملبس، بعد حالة الغلاء غير المُسبوقة التي ضربت أرجاء البلاد، وأصابت السلع والمواد الغذائية، تولدّت خلال الفترة الأخيرة، العديد من المبادرات الشعبية، كوسيلة من المواطنين لمواجهة جنون الأسعار .
وتشهد أسعار السلع والمواد الغذائية في مصر، ارتفاعات متوالية منذ القرارات الاقتصادية، التي اتخذتها حكومة المهندس شريف إسماعيل في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والتي تضمنت تحرير سعر صرف الجنيه المصري، ورفع الدعم عن المحروقات، والتي أثارت ردود فعل غاضبة لدى الشارع المصري، ورغم الاجتماعات الواسعة والتي يُعقدها الرئيس السيسي، بصفة يومية مع رئيس الحكومة والوزراء المعنيين، وتوجيهاته المستمرة، بضرورة توفير السلع والمواد الغذائية للمواطنين بأسعار مناسبة، ومطالباته بتشديد الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار، لكن تلك التوجيهات لم تُترجم على أرض الواقع، بسبب فشل الأجهزة المعنية، عن مواجهة جشع التجار واستغلالهم للظروف الراهنة، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب على حساب جيوب المواطنين، فخرجت المبادرات الشعبية، كسلاح لمواجهة هؤلاء التجار .
وكانت البداية، بمبادرة بلاها لحمة "، والتي دعا إليها عدد من المواطنين، بعد أن وصل سعر كيلو اللحم البلدي إلى 150 جنيهًا، مرورًا بمبادرة "يوم من غير شراء "، والتي شهدت تجاوبًا وتفاعلًا كبيرًا من قطاع عريض من المواطنين، بعد أن تبناها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وصولًا خلال الفترة الأخيرة إلى مبادرة "بلاها سمك"، ردًا على ارتفاع أسعار السمك ، ومن المتوُقع في ظل حالة الغلاء التي تشهدها البلاد، أن تتوّلد مبادرات أخرى، خلال الفترة المقبلة، تزامنًا مع حلول شهر رمضان المبارك، والذي يكثر فيه استهلاك المصريين للطعام .
فيما أكد خبراء الاقتصاد، في لقاءات مع "مصر اليوم "، أن تلك المبادرات التي تولّدت من رحم الأزمات الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن المصري، أمر إيجابي، ويدل على حجم الوعي الذي وصل إليه الشعب المصري، وهي أحد وسائل الضغط في الدول المتقدمة، التي يُمارسها المواطنون على مراكز أصحاب القرار، للعدوّل عن قراراتهم .
وأضاف الخبراء :"غير أن تلك المبادرات لايمكن الاعتماد عليها لمواجهة حالة الغلاء التي أصابت أسعار السلع والمواد الغذائية في مصر، إذ تحتاج إلى عناصر أخرى لكي تُحقق الأهداف المُرجوة منها، كتفاعل وسائل الإعلام معها ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، كما هو الحال في الدول المتقدمة، أمام في مصر، فالوضع مختلف تمامًا، فمثل تلك المبادرات يدعو إليها المواطن ولكن لم يتجاوب معها أحد من وسائل الإعلام أو مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي يكون مصيرها الفشل".
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي، الدكتور علاء عبدالرحمن، "لا يمكن أن نواجه جشع التجار وطمعهم، عبّر مبادرات المقاطعة، لأنها لن تُحقق الغرض المُرجو منها، وخير دليل على ذالك جميع المبادرات التي تولّدت خلال الفترة الأخيرة، كان مصيرها الفشل، لأنها مبادرات فردية، دعا إليها قطاع عريض من المواطنين، ولكن لم يتجاول معها المجتمع بأكمله"، مضيفًا " هناك حلول أخرى لمواجهة حالة الغلاء، منها إصدار تشريعات عاجلة لضبط حالة الأسعار ومراقبة الأسواق، وتوقيع عقوبات رادعة على التجار وأصحاب المصالح، الذين يستغلون الظروف التي تمر بها البلاد ".
ويتفق معه أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، الدكتور هشام إبراهيم، قائلًا :" على الحكومة أن تقوم بدورها على أكمل وجه، لمواجهة حالة الغلاء في الشارع المصري، فالم يعد مقبولًا أن تعجز أجهزة الدولة عن مواجهة قلة من التجار من أصحاب المصالح، يستغلون الظروف الراهنة، تحقيقًا لمكاسب على حساب مصالح المواطن الذي يأن، في ظل عجزه عن تدبير احتياجات أهل بيته المعيشية" .
وتابع إبراهيم :" مبادرات مواجهة الغلاء من المُممكن أن تنجح في حالة واحدة، أن يتجاوب معها جميع المعنيين من أحزاب سياسية ووسائل إعلام ومنظمات المجتمع المدني، خلاف ذالك مصيرها الفشل، وسيستمر التجار في جشعّهم وطمعهم على حساب المواطن المصري .