القاهرة – مصر اليوم
ما هي حقيقة الأوضاع الأمنية في سيناء عقب عملية كرم القواديس التي استشهد فيها 30 من أبناء مصر وما هي طبيعة العمليات التي ينفذها الجيش في إطار خطة مجلس الدفاع الوطني لتطهير البلاد من التطرف، وما هو الإطار الزمني الذي تتطلبه عمليات القوات المسلحة لإعلان سيناء منطقة خالية من التطرف ؟!
كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير كانت تدور في أذهاننا عندما توجهنا إلى سيناء في مهمة صحافية استمرت لمدة شهر كامل في أعقاب عملية كرم القواديس أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي للوقوف علي أرض الواقع ونقل صورة حية تزيل الكثير من اللبس والالتباس الذي تسببت فيه مبالغات الكثير من وسائل الإعلام التي صدرت صورة مشوهة حول أهالينا من أبناء المحافظة، ومنذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدامنا "أرض الفيروز" شعرنا بوجود تعزيزات أمنية فريدة من نوعها وغير مسبوقة، سواء من حيث عدد الأكمنة الثابتة والمتحركة على طول الطريق أو من حيث المعدات والأسلحة. حسبما نشرت جريدة "الأهرام".
وإذا كانت تلك العمليات قد كشفت عن تربص الكثيرين من أعداء مصر بالداخل والخارج، فإنها كانت أيضًا دافعًا ومحفزًا لعمليات تطهير سيناء من التطرف وتجفيف مصادر دخول عناصره والأنفاق التي لا يزال المتشددون المنتمون لحركة حماس في قطاع غزة المتاخم للمنطقة الحدودية تستغلها في محاولاتهم اليائسة لهدم الدولة المصرية، حيث انتقلت عمليات تطهير سيناء من مرحلة المسكنات والحلول المؤقتة، إلى مرحلة الحلول الجذرية، واتخذت القوات المسلحة قرارات حاسمة قاطعة ونهائية تهدف الي وقف هذا "الصداع" في رأس الدولة، تمهيدًا لمرحلة جديدة من التنمية الحقيقية التي تنتظر المزيد من جهد وعرق كل أبناء الوطن.
الروح المعنوية للجنود
بالرغم من الضغوط الشديدة التي يتعرض لها رجال القوات المسلحة والشرطة خلال فترة خدمتهم في سيناء ووسط رصاصات الغدر والعبوات المتفجرة المحاطة بهم في كل لحظة، إلا أنهم يتمتعون بأقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع المواطنين، فعندما يستوقفنا الجنود على طريق رفح كنا نجد ابتساماتهم تعلو وجوههم وسط روح معنوية مرتفعة، ولا يخلو الأمر من حوار يبين خفة الدم التي يتمتع بها المصريون أو كلمة ترحيب وغالبا ما نتركهم ونحن ندعو لهم بأن يحفظهم الله من كل سوء ودائمًا على ألسنتهم ذكر الله، معبرين عن موقفهم أنهم مؤمنون للغاية بما يفعلونه من تطهير سيناء من التطرف وجميعهم متيقنون تمامًا أن الحياة والموت بيد الله، خصوصًا عندما قال أحد الجنود لنا أثناء عودتنا من رفح وعبورنا وسط أحد الأكمنة الأمنية أنَّ "دورنا هو الحفاظ على حياة المواطنين الشرفاء في مصر وليست سيناء فقط، أما حياتنا، فالأعمار بيد الله وحده ونحن نطلب الشهادة من الله يوميًا، ولن نترك سيناء إلا بعد أن نقضى على التطرف ويشعر كل مواطن في هذه المنطقة الغالية بأنه آمن على نفسه وماله وعرضه".
الأمن أساس التنمية
خلال مهمتنا في المحافظة أكد لنا جميع من التقيناه أنَّه لا يمكن أن تتخذ الدولة أية إجراءات في سبيل التنمية إلا بعد أن يتحقق الأمن، وقد استنبطنا خلال لقاءات متعددة مع أبناء سيناء من شيوخ القبائل والعواقل، أن مطالب سكان سيناء سواء من البدو أو الحضر انحصرت في 10 مطالب أساسية جاءت بالترتيب الآتي: تحقيق الأمن والقضاء على منابع التطرف، وسرعة الانتهاء من تمليك الأراضي والمنازل، والإسراع في الاستثمار واستغلال مقومات سيناء التعدينية، والقضاء على البطالة واستغلال الموارد الطبيعية والاهتمام بالسياحة، والزراعة وإسقاط الأحكام الغيابية عن أبناء سيناء والتوطين بالمحافظة والابتعاد عن التهميش بدخول أبنائهم الكليات العسكرية والشرطة.
دم أولادنا أغلى من "الطوب"
الأنفاق التي حفرتها حركة "حماس" بين قطاع غزة الفلسطيني ورفح المصرية كانت تمثل أكبر انتهاك لحدود الدولة المصرية، ولإنهاء مشكلة هذه الأنفاق التي كانت تستخدم لتهريب وتسلل العناصر الإجرامية إلى مصر، وفور انتهاء القوات المسلحة من تنفيذ المرحلة الأولى من منطقة الشريط الحدودي في رفح بعمق 500 متر على طول 13.5 كيلو متر، بدأت أجهزة الدولة في تنفيذ المرحلة الثانية من المنطقة العازلة بعمق 500 متر جديدة، للقضاء تمام على أحلام المخربين والمتسللين في أن تكون أرض سيناء إمارة لأوهامهم أو مسرحًا لعملياتهم.
سكان المرحلة الثانية من الشريط الحدودي في بوابة صلاح الدين قالوا خلال زيارتنا للمنطقة، إنهم يفعلون كل ما بوسعهم من أجل الإخلاء والبحث عن أماكن بديلة للإقامة، علما بأنَّ محافظة شمال سيناء عرضت عليهم توفير مساكن مؤقتة للإقامة بها خلال فترة الهدم واستلام التعويضات إلا أنهم رفضوا وفضلوا أن "يتصرفوا" بأنفسهم بعيدًا عن المحافظة.
"احنا مش ضد مصر، بالعكس احنا أكتر ناس استحملنا علشانها، وصعبان علينا بيوتنا اللي اتولدنا فيها نسيبها ونتغرب، بس فداك يا مصر أرواحنا وبيوتنا، ضحينا زمان وبنضحي حاليًا بمنازلنا وجذورنا والأماكن التي تربينا فيها وتعلمنا بها معني الوطن، ودم ولادنا أغلى من شوية طوب وخرسان".. تخرج الكلمات مبحوحة ومحشرجة من سيدة مسنة تخطت عامها السبعين"..كانت هذه رسالتها البسيطة في كلماتها العميقة في معناها ، وتضيف: "هكذا تعلمنا من شيوخنا وأجدادنا السابقين الذين علمونا معني عشق الوطن وبالتالي علمناه نحن لأبنائنا وأحفادنا حتي في ظل الاحتلال الإسرائيلي البغيض".. تتحدث السيدة وهى تلقي نظرة الوداع الأخيرة علي منزلها قبل إخلائه، بينما عدد من الجنود يساعدونها فى إخلاء المنزل و"تحميل العفش" على إحدى سيارات النقل تمهيدا لنسف المنزل.
خريطة التطرف في سيناء
خريطة الحركات التكفيرية في سيناء مرتبكة للغاية، هذا ما أكده مصدر أمني رفيع المستوى في سيناء، رفض ذكر اسمه، وأضاف أنَّ عصر الجماعات الكبيرة أو التكوينات في الجماعات الإسلامية قد انتهى في الأعوام العشرة الماضية، وأنَّ هناك 4 مكونات أساسية في مشهد الجماعات الإسلامية في العالم الإسلامي ككل، هم "الإخوان المسلمون"، و"التيار السلفي"، و"الجماعة الإسلامية"، وجماعة "الجهاد والتكفير"، ومنذ عام 1995 بدأ عصر اندماج الجماعات السلفية والجماعات التكفيرية ومن هذا التاريخ بدأ مفهوم "السلفية الجهادية".
وأكد المصدر أنَّ كل الأحداث الحالية ترجع إلى فكر السلفية جهادية بمعاونة من جماعة "الإخوان المسلمين"، وأضاف، أن تنظيم "أنصار بيت المقدس" الذي يتبنى هذه العمليات الإجرامية عبارة عن اندماج 3 مجموعات كبيرة من الجماعات الإسلامية الموجودة في سيناء، هي: جماعة "أبو النور المقدسي" التي جاءت من قطاع غزة، ومجموعة "ألوية الناصر صلاح الدين" وهي تنظيم تكفيري، و"جيش الإسلام" ممتاز دغمش، وأنَّ كل هذه التنظيمات دخلت إلى سيناء، واندمجت مع التنظيمات الأخرى الموجودة فيها من تكفيريين أو سلفية جهادية وكل هذا أربك المشهد وأثر في عدم التفرقة بين هذه الجماعات.
عام على الأقل
وأكد المصدر أنَّ العمليات العسكرية في سيناء لن تنتهي إلا بعد القضاء على آخر متطرف والانتهاء من تجفيف منابع الشر في المنطقة، ووصف المواجهات الحالية في سيناء بأنها عبارة عن عملية دقيقة تتطلب مراعاة أبعاد كثيرة اجتماعية وثقافية وسياسية، وليست أمنية فقط، وأكد أنَّ هذه العمليات قد تستغرق وقتًا طويلًا ولن يقل في أي حال من الأحوال عن سنة كاملة، وذلك لأن العصابات المتطرفة ظلت متروكة لفترات طويلة بسيناء وكان نتيجة ذلك أنهم مدربون جيدًا على حرب العصابات ولديهم دراية كبيرة بالطبيعة الجغرافية لمسرح.