الرئيس عبد الفتاح السيسي

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن التكامل العربي على كل المستويات الاقتصادية والعسكرية والثقافية يشكل الرد الوحيد على التحديات الوجودية ضد الكيانات الوطنية والشعوب العربية داعيا الى تطوير جامعة الدول العربية وتفعيا دورها الجامع

وكان الرئيس السيسي القى كلمة مساء الاحد في افتتاح مؤتمر مؤسسة الفكر العربي بعنوان التكامل العربي تحديات وافاق وذلك بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس جامعة الدول العربية وفي ما يلي النص الكامل للكلمة 

وفيما يلي نص الكلمة: "بسم الله الرحمن الرحيم مؤسس ورئيس مؤسسة الفكر العربي الأمير/ خالد الفيصل.. أمين عام جامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي .. الحضور الكريم يسعدني أن أتحدث اليوم إلى لفيف من الأشقاء الأعزاء والأصدقاء الأوفياء في مؤتمر "فكر" الرابع عشر، الذي يتزامن انعقاده مع ذكرى مرور سبعين عامًا على إنشاء جامعة الدول العربية .. "بيت العرب" الجامع لهم .. والذي تحتضنه العاصمة المصرية إيمانًا بأهمية تحقيق التكامل العربي، وتعزيز العمل العربي المشترك.. وصولًا إلى غايات الشعوب العربية في تعاون اقتصادي تُتوّجه السوق العربية المشتركة .. وتعاون عسكري وأمني تدعمه القوة العربية المشتركة .. وترابط ثقافي وحضاري يقي الأمة العربية ويلات الفكر المتطرف ومخاطر وتهديدات الإرهاب .. ويرتقي بالذوق العام.. فينتج نهضة ثقافية تكلل كل هذا التعاون.. وتغلفه في إطار حضاري راق ومتميز".

وأوضح "إن التحديات التي يمر بها وطننا العربي ولا سيما بعض دوله لم تعد تقتصر على كونها مجرد مشكلات تواجهها الدول العربية .. وإنما باتت تشكل تهديدًا وجوديًّا مباشرًا لكيانات تلك الدول ومقدرات شعوبها، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة الحفاظ على وحدة التراب الوطنى للدول العربية القائمة والعمل على تطوير وتفعيل النظام الإقليمي العربي كإطار منظم لكافة أوجه العلاقات التكاملية وللاتفاقيات العربية على كافة الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والثقافية".

وأوضح: "إن تحقيق ما تقدم لا يعتمد فقط على مدى توافر الموارد .. سواء كانت طبيعية أو مالية أو بشرية، فجميعها تتوافر لدى الدول العربية، وإنما يرتكز بشكل أساسي على زيادة تعزيز العمل الجماعى وبلورة الرؤى المشتركة باعتبارهما جوهرًا ضروريًّا وقوة دافعة لا غنى عنها؛ من أجل تحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية في العيش الكريم .. والحرية الواعية المسئولة التي تبنى ولا تهدم .. وتعمر ولا تدمر .. والعدالة الاجتماعية التي تكفل تحقيق التوافق المجتمعي والسلم الاجتماعي.

وأكد "إننا بحاجة ماسة إلى إعطاء أولوية قصوى لتطوير قطاع الصناعة في إطار تكاملي عربي .. لبناء الأساس الموضوعي للتكامل الاقتصادي، وتوفير السلع والمنتجات التي يمكن تبادلها بين الدول العربية لتعزيز التجارة البينية". 

وأعلن "أودّ أن أؤكد في هذا الصدد أهمية ربط استراتيجية التنمية الصناعية بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية لتؤتي ثمارها المرجوة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي فتسهم في تحسين مستوى معيشة المواطن العربي، وتخفض من الاعتماد على الاستيراد من خارج الوطن العربي إلى حدود مناسبة تعمل على إصلاح الخلل في الموازين التجارية، وتوفر العملات الصعبة".

وكشف "إن تحقيق هذا الهدف يتطلب توفير التمويل الضروري لهذا التطوير، من خلال تعزيز دور مؤسسات التمويل العربية .. فضلًا عن التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف بين الدول العربية في هذا الشأن بالتواكب مع تطوير البنية الأساسية والمعلوماتية لتسهيل تعزيز العلاقات الاقتصادية العربية على الأصعدة كافة، وتطبيق منظومات فاعلة لمكافحة الفساد .. أخذًا في الاعتبار دور البرلمانات الرقابي في مكافحة ومنع الفساد والترسيخ لقيم النزاهة والشفافية".

وأوضح: "كما أؤكد على أهمية تعزيز الاستثمار العربي المشترك للاستفادة من الموارد العربية الطبيعية والمالية والبشرية، المتمثلة في العمالة المدربة من أجل تعزيز قطاع الصناعة العربية، وتوظيف إنتاجها للنهوض بقطاعات اقتصادية أخرى، مثل الزراعة لتحقيق نهوض اقتصادي شامل يأخذ في الاعتبار تطوير منظومات التعليم والتدريب والبحث العلمي، والتطوير التقني الذي يتعين أن يرتبط بعملية التصنيع".

وأعلن: "إن الوصول إلى هدف التكامل الاقتصادي العربي يتطلب التأكيد على أهمية تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، وهو الأمر الذي نستطيع أن نصل إليه معًا، أخذًا في الاعتبار أن دعم مسيرة التكامل العربي على الصعيد الدفاعي لا تعني تنازلًا عن السيادة الوطنية.. وإنما إعلاءً للمصلحة القومية الجماعية في وقت تتداعى فيه الأخطار والتهديدات على دول وشعوب وطننا العربي، ومن ثم فإننا في حاجة إلى تحديد مصادر التهديد للأمن العربي على المستويين الوطنـــي والقومـــي .. وكذا تحديد الأولــويـات علــى صعيــد مواجهـة هـذه التــحديـــات".

وبيّن: "كما أشدد على ضرورة إنشاء القوة العربية المشتركة كأداة مهمة من أدوات التكامل العربي اللازمة للدفاع عن قضايا الأمة العربية، حيث تتخذ مصر والمملكة العربية السعودية الشقيقة خطوات جادة في هذا الصدد .. ومن بينها إنشاء مجلس التنسيق المشترك بين البلدين.. والذي تتضمن أعماله موضوع القوة العربية المشتركة إلى جانب العديد من جوانب تعزيز العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين".

وأوضح: "لقد أدى صعود الجماعات الراديكالية والمتطرفة التي تمارس الإرهاب، وانتشارها في بعض الدول العربية إلى إزكاء ثقافة العنف الديني والمذهبي، ونشر الفكر التكفيري بما يهدد الوحدة الوطنية، ويفرض قيودًا على حرية الرأى والتعبير والإبداع بكل أشكالها، الأمر الذي ينعكس سلبًا على أوضاع الثقافة والمثقفين العرب .. ويمثل بيئة مواتية لظهور مشاريع سياسية ودينية .. ومذهبية وقومية تسعى إلى تغيير واقع جغرافيا الدولة الوطنية.. وذلك من خلال صراعات مفتعلة بين الفكرة العربية الجامعة.. وبين مدعي الفكر الإسلامي.

وأشار إلى أنه "في ضوء ما تقدم، وأخذًا في الاعتبار العوامل الثقافية والإبداعية التي تمتلكها الدول العربية .. وفي طليعتها اللغة العربية الجامعة .. والتراث الحضاري المشترك .. فضلًا عن الإسهام الفكري والحضاري لمختلف الجماعات الثقافية، الذي يثري الواقع الثقافي العربي .. فإنه يتعين تفعيل دور جامعة الدول العربية .. والمنظمة العربية للعلوم والثقافة "الألكسو" .. وتطوير العلاقات الثقافية بين دول المنطقة المتقاربة ثقافيًّا .. من خلال المؤسسات الحكومية والأهلية .. حيث تزداد الروابط والموحدات الشعبية والرسمية .. ويكون نتاج ذلك دعمًا لمشروع التكامل المأمول .. وبما يحقق الازدهار الثقافي والاقتصادي في المنطقة .. فضلًا عن أهمية إيلاء الثقافة والتعليم والفنون .. ما تستحقه من عناية واهتمام .. من أجل إحداث نقلة نوعية في العقل والفكر العربيين .. بحيث تؤسس المناهج التربوية والجهود الثقافية بشتى أنواعها .. لعقد اجتماعي جديد .. يعلي من قيم المواطنة والتنوع.. واحترام وقبول الآخر.

وأوضح "ولن يفوتني أن أؤكد في هذا المقام على ضرورة تنسيق الجهود بين الدول العربية على المستويين الرسمي والشعبي للعمل على حماية التراث الأثري العريق.. الذي يتعرض للتدمير والنهب في عدد من الدول العربية جراء العمليات الإرهابية..

كما أدعو إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن .. وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو".

وأعلن السيسي: "إن تحقيق التقدم على مختلف مسارات العمل العربى المشترك .. بغية تحقيق التكامل العربى المنشود .. يقتضي تطوير الكيان الجامع لآليات هذا العمل المشترك .. وهو جامعة الدول العربية.. الأمر الذي يتطلب بلورة الرؤى المشتركة .. والتوعية بأهمية عملية التطوير والإصلاح على المستويين الشعبي والمجتمعي .. وحشد الطاقات من أجل تحقيقها".

وأوضح السيسي: "أود أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى مؤسسة الفكر العربي .. وإلى رئيسها الأمير خالد الفيصل، وإلى مديرها العام الأستاذ الدكتور هنري العويط .. والشكر موصول إلى أمين عام جامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، وإلى كل من ساهم في إنجاح هذا المؤتمر.. وأحاطه بالرعاية الكريمة وبالتنظيم الراقي".

وأكد "أن مصر وشعبها ستظل قلوبهم مفتوحة لكم، وأياديهم ممدودة إليكم بكل الخير ننشد معًا التقدم والرخاء، ونسعى بدأب من أجل تحقيــق النمـــو والازدهــار لدولنــا وشعوبنــا العربيــة.. نثمن قيمة الفكر .. وندرك أنه الهبة التي ميز الله سبحانه وتعالى بها الإنسان على سائر مخلوقاته .. وحمله من خلال العقل مسؤولية البناء وعمارة الأرض .. فدعونا نعمل معًا من أجل تحقيق مراد العلي القدير من الخلق .. نصون أوطاننا .. ونحافظ على مقدرات شعوبنا .. ندافع ولا نعتدي.. نبني ولا نهدم .. نؤمن بالتعددية فعلًا لا قولًا .. ونتخذ منها وسيلة وحافزًا .. على مزيد من العمل والإنتاج في شتى مجالات الحياة".