قوات الأمن التونسية

احتشد الجمهور في فندق الأندلس في مدينة بنزرت التونسية المطلة على البحر المتوسط الأسبوع الماضي، في مزاج احتفالي للاستماع للسياسي التونسي المخضرم والمحامي الباجي قائد السبسي، وهتفوا "الشعب يريد السبسي مرة أخرى"، ولكنَّه صحَّح لهم الشعار قائلًا "الشعب يريد انتخابات نظيفة".

ويحتاج التونسيون وكذلك المجتمع الدولي للتصويت، حتى يتمكنوا من المضي قدمًا من دون مفاجآت كبرى، لاسيما أنّ النتائج يجب أن يتقبلها جميع الأطراف، وعلى النقيض من الوضع الدامي في سورية أو القمعي في مصر، بالإضافة إلى عدم الاستقرار في ليبيا، تحاول تونس البقاء على قيد الحياة والظهور على أنَّها قصة الربيع العربي الوحيدة الناجحة، بعد الإطاحة بنظام سياسي استبدادي، يتم الآن انتقال السلطة عبر صناديق الاقتراع.

في الوقت الذي يواصل فيه التونسيون المقيمون في الخارج التصويت في الانتخابات البرلمانية لليوم الثاني على التوالي، تزامنًا مع إعلان الصمت الانتخابي في تونس قبل التصويت غدًا الأحد في عملية من المنتظر أن تفضي إلى اختيار برلمان جديد وإنهاء المرحلة الانتقالية في تونس، التي سينبثق عنها أول برلمان وحكومة دائمين منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في 14كانون الثاني/ يناير 2011.

هناك بعض المخالفات، من طرف الناخبين في المناطق الأكثر فقرًا، إذ يقولون إنَّهم تلقوا الأموال للمشاركة في الانتخابات، رغم ذلك من المتوقع أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة بشكل واسع؛ لكن خطر العنف يخيّم على العملية الديمقراطية الهشة، خصوصًا بعد تحذيرات الحكومة من الهجمات المتطرفة التي قد تستهدف عرقلة التصويت، عقب قتل شرطي وإصابة آخر في هجوم على منزل في أحد ضواحي تونس في مطاردة لمجموعة من المتشددين الإسلاميين المزعومين.

وستشهد الانتخابات التونسية منافسة بين حزب "نداء تونس" بقيادة السبسي، والذي يُنظر إليه بأنَّه امتداد للنظام القديم، وبين حزب "النهضة"، الذي يرأس الحكومة الائتلافية منذ أواخر عام 2011 وحتى كانون الثاني/ يناير المقبل.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أنَّ السبسي البالغ من العمر 87عامًا، وأصبح رئيسًا مؤقتًا للوزراء بعد فترة وجيزة من الثورة، سيحقق نتائج قوية في الانتخابات الرئاسية المقررة في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر.

ويسعى "نداء تونس" إلى حشد الدعم من أولئك الناخبين الذين استفادوا من أيام الحكم الاستبدادي، والذين يشعرون من قلق القوة الانتخابية للإسلاميين، ومع ذلك، يعترف السبسي بأنَّ قلة من التونسيين يرغبون في العودة إلى تلك الأيام والانتخابات المعروفة نتيجتها مقدمًا.

حزب السبسي، يتحدث بلغة حقوق الإنسان والتسامح السياسي، على الرغم من طلاقة بعض الأحزاب الأخرى في تلك اللغة، ولم يطرح حزب النهضة الإسلامي مرشحه الخاص بمنصب رئيس الجمهورية، حيث تم تأجيل القرار حتى النظر لنتيجة الانتخابات البرلمانية المقبلة، حينها سيقرر الحزب المرشح الذي سيلعب به.

وفي حديث له، صرّح زعيم حزب "النهضة" راشد الغنوشي، بأنَّ الإسلام يتعارض مع التطرف، ولكن مثل المرشحين الآخرين، لم يشر إلى الشباب التونسي الذي يقدّر عدده بـ2400 شاب، انضموا إلى "داعش" في سورية وشمال العراق.

وأضاف الغنوشي "بإرادة تونس وإرادة الله، ستصبح تونس أول دولة عربية ديمقراطية، فهم يقولون إنَّ حزب النهضة لم يكن ديمقراطيًا، ولكننا أتينا إلى السلطة بالطرق الديمقراطية، ثم تركناها، ولكنّنا بقينا في قلوب التونسيين".

وأكد حمادي الجبالي وهو سجين سياسي أصبح رئيسًا للوزراء، أنَّ "النهضة" لو فاز من المفضل أن يمارس السلطة في حكومة وحدة وطنية، ويشكّل في النهاية حكومة ائتلافية مع اثنين من الأحزاب الغير الدينية الصغيرة.

ويتهم خصوم "النهضة"، الحزب بغضه النظر عن التطرف الذي شهدته تونس، ففي عام 2013، شهدت البلاد اثنين من الاغتيالات لسياسيين، الزعيم اليساري شكري بلعيد، والنائب محمد براهيمي، وانتسبت الاغتيالات إلى متطرفين إسلاميين، بعدها دعا التونسيون الحزب لترك منصبه وحل المجلس المنتخب.  

ومع أحداث 14 آب/ أغسطس 2013، ومقتل أنصار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وأنصار جماعة "الإخوان المسلمين" في القاهرة، أفاد المحلل ميشيل عيري، بأنَّ "الخوف ظهر من النتائج الدموية كما هو الحال في مصر، والعودة إلى الأساليب الأمنية في عهد بن علي، ما دفع خصوم

النهضة إلى التراجع من حافة الهاوية".

واعتقد عيري، أنَّ رئيس الوزراء التونسي المنتهية ولايته مهدي جمعة، ساهم في تقليد قوى المجتمع المدني في تونس لتبقى العملية السياسية في مسارها، عندما قال جمعة لصحيفة "الغارديان" البريطانية هذا الأسبوع إنَّ المواجهة لن تؤدي إلى نتيجة، فالحلول تحتاج إلى الحوار وتقديم تنازلات.