القاهرة - محمود حساني
أصيب المجتمع المصري ، بالعديد من الآفات خلال الأعوام الأخيرة ، والتي طفت على السطح وزادت حدتها مؤخراً وباتت تلدغ مسامعنا وتصيبنا بالدهشة والذهول ، كانتشار حالات النصب والاستيلاء على أموال المواطنين ، وانتحال صفات وظيفية ، وبيع المواد الغذائية والطبية المغشوشة للمواطنين .وأكد خبراء علم الاجتماع ، أن رواج هذه الظواهر ، تعود بالاساس في المقام الأول إلى أسباب اقتصادية، يليها ضعف الراقبة الحكومية ، وغياب الوعي والثقافة عن ضحايا هذه الظواهرة.
" مصر اليوم " ، ترصد واحدة من أخطر الظواهر التي أصابت المجتمع المصري في مقتل ، وتستعرض معاناة ضحاياها ، وتتناول مع الخبراء سبُل مواجهة هذه الظاهرة .
" تجارة الأعضاء البشرية " ، زاد الطلب عليها خلال الأعوام الأخيرة لاعتبارات إنسانية كإنقاذ حياة المرضى ، مما دفع العشرات من دول العالم ، من بينها دولاً عربية وإسلامية ،إلى تقنينها مع وضع الضوابط اللازمة لها وذلك تحت مسمى " زراعة الأعضاء البشرية " ، وعندما أثير هذا الأمر في مصر بناء على مقترح تقدم به أحد أعضاء البرلمان المصري في عام 2010 ، لاقى هجومًا ورفضًا شعبيًا ، لاعتبارات رآها البعض دينية في المقام الأول ، والبعض الأخر أرجع رفضه ، لإغلاق الباب في وجه من قد يتخذ هذه القانون ، كوسيلة للتحقيق الكسب والربح واستغلال معاناة الفقراء والمحتاجين ، لاسيما في تللك الظروف الاقتصادية ، التي قد تدفع البعض إلى بيع أعضائه البشرية تحت مسمى ، في سبيل الحصول على الأموال ، فانتهي الأمر في نهاية المطاف إلى رفضه نهائياً .
وما بين مؤيد ورافض لهذا القانون ، ظهر عصابات " مافيا" متخصصة في سرقة الأعضاء البشرية من المواطنين دون علمهم ، وهو ما تشهد عليه تحقيقات النيابة العامة خلال الـ 3 شهور الأخيرة ، ففي محافظة قنا أقصى صعيد مصر ، استيقظ أهالي مركز قوص على واقعة اختفاء شاب في ظروف غامضة ، وبعد محاولات البحث ، تم العثور على جثته مُلقاة في إحدى الطرق الزراعية ، ومن خلال تشريح جثمانه ، تبيّن استئصال كليته ، وفي محافظة بني سويف ، تم العثور على جثمان شاب يبلغ من العمر 28 عاماً ، ومن خلال الكشف عليها تبيّن استئصال كبده .وتظل عصابة خطف أطفال الشوارع وسرقة أعضائها البشرية ، تلك القضية التي شغلت الرأي العام المصري خلال السنوات الماضية هي الأهم والأبرز في تاريخ هذه الظاهرة .
بينما يسلك البعض الأخر من عصابات تجارة الأعضاء البشرية ، الطريق الأسهل بالنسبة لهم ، وهو استغلال حاجة البعض للمال تدفعه إلى الاستغناء عن جزء من جسده ، كما حدث مع المواطن " محمد عبدالعال" ، 44 عامًا، من سوهاج ، قائلاً : أنه مع الظروف الاقتصادية الصعبة وقلة فرص العمل وحاجته إلى المال ، اضطر أن يبيع " فص الكبد " الخاص به ، مقابل 40 ألف جنيهًا .
ويوضح " عبدالعال" ، ملابسات عملية البيع بقوله : أثناء وجودي في إحدى المقاهي في وسط القاهرة ، بعد فشلي في الحصول على فرصة عمل ، تعرفت على شخص يجلس بجواره ، اتضح فيما بعد أنه يعمل في تجارة الأعضاء البشرية ، وعرض عليه ، التبرع بـ "فص الكبد " ، مقابل 40 ألف جنيهًا، وقد يتم استئصال العضو الجسدي من غير علم صاحبه ، كما حدث مع المواطن " عبدالراضي عمران " ، يبلغ من العمر 53 عامًا ، من محافظة الجيزة ، أن يعاني من مشاكل في العظام ، الأمر الذي دفعه إلى إجراء عملية جراحية ، وبعد مرور 3 أشهر ، شعر بإعياء شديد ، وتوجه إلى الطبيب ، الذي أبلغه أن " كليته" تم استئصالها .
ونوّهت دراسة حديثة صادرة عن منظمة الصحة العالمية ، الى أن مصر تحتل المركز الثالث عالميًا ، والأول في منطقة الشرق الأوسط ، في مجال تجارة وزراعة الأعضاء البشرية غير المشروعة ،وترجع الدراسة أسباب رواج هذه التجارة في مصر ،إلى حالة الفقر الشديدة والظروف الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها قطاع عريض من المواطنين المصريين ، بالإضافة إلى ضعف التشريعات التي تجرم هذه الظاهرة.
ويرى استاذ الجراحة في جامعة عين شمس ، الدكتور صادق أمين ، أن المسمى الصحيح هو " زراعة الأعضاء البشرية " ، إلا أن في مصر ، المسمى السائد لها " تجارة الأعضاء البشرية " ، بعد أن أصبح هناك بالفعل متخصصون في هذا المجال ، ينشترون في الأحياء الشعبية والعشوائيات وعلى المقاهي القريبة من محطات القطار ، لاستقطاب ضحاياهم ، وينجحون في الوقوع بهم لأسباب مادية في المقام الأول .
وأوضح استاذ الجراحة ، أن إقرار قانون " زراعة الأعضاء البشرية " ، سيكون سبباً في إنقاذ حياة مئات من المرضى كما هو السائد في الدول التي أقرته ووضعت عدة ضوابط لتنظيم العمل به ، وشددت في العقوبات المقررة حال مخالفتها، إلا أن ضعف الوعى والثقافة والحالة الاقتصادية ، ستجعل من القانون في مصر أداة لبيع الأعضاء البشرية ، وتحقيق مكاسب ضخمة .
وأشار استاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة ، الدكتور ثروت بسيوني ، إلى دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الجنائية ، كشفت عن رواج تلك التجارة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة ، والتي شهدت البلاد خلالها تدهور في الظروف الاقتصادية ، وتوضح الدراسة أن القائمون في هذه التجارة غير المشروعة ، وضعوا قانوناً لأنفسهم لحمايتهم حال وقوعهم في أيدي العدالة ، وهو إبرام " عقد تبرع" بين الطرفين المشتري والبائع ، يقر فيه بتنازله عن العضو الجسدي الخاص به وهو في كامل إرادته .
وطالب استاذ علم الاجتماع ، بضرورة تشديد الرقابة من جانب أجهزة الدولة على العاملين في هذه التجارة غير المشروعة ، وتغليظ العقوبات المقررة قانوناً ، مبينة أن العقوبات الحالية تصل إلى الحبس 3 سنوات فقط ، وهو مالا يتناسب مع حجم الجريمة المرتكبة .
وكشف استاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر ، الدكتور فؤاد بغدادي ، في بادئ الأمر إننا نرفض إي محاولة لإقرار هذه القانون ، وإي محاولة جديدة لإحيائه ستنتهي بالفشل ، فلا يجوز شرعًا أن يتبرع الإنسان بأعضائه البشرية لأحد ، فهي نعمة من الله وهبها له لا تقدر بثمن ، ولا يجوز له أن يتنازل عنها من تلقاء نفسه ، محذراً أن عودة قانون " زراعة الأعضاء البشرية " ، مجددًا وعرضه للمناقشة سنجد أنفسنا أمام عصابات مقننة ، تتخذ من القانون وسيلة لتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب الفقراء والمحتاجين.