بغداد نهال قباني
توجد خزانة كؤوس على امتداد الجدار داخل مكتب رئيس اتحاد كردستان العراق لكرة القدم سفين كانبي، والذي يقع على مقربة من خط المواجهة مع تنظيم "داعش"، في مدينة أربيل العراقية، حيث تمتليء تلك الخزانة بالكؤوس والدروع والميداليات التي حصل عليها منتخب إقليم كردستان من لقاءات ودية لعبها، بحسب ما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وأضافت الصحيفة البريطانية أن المباريات التي قام بها منتخب كردستان كانت جميعها ودية، منها لقاءات أمام منتخب فلسطين، والذي يمثل دولة شبه معترف بها، حيث أن حالها في ذلك حال كردستان التي مازالت تحلم بالاعتراف الكامل بسيادتها على كافة أراضيها، بالإضافة إلى هدايا أخرى تذكارية، منها تمثال الصقر الفضي الذي حصل عليها اتحاد كردستان احتفالا بسقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
إلا أنه مازالت هناك كأس واحدة تبدو غائبة، حيث يشعر تجاهها الأكراد بالحنين، ألا وهي كأس العالم البديل، حيث بدأت تلك البطولة شق طريقها، برعاية كانبي في عام 2013، لتشارك بها المناطق الانفصالية وتلك التي تتمتع بالحكم الذاتي، بالإضافة إلى الأقليات العرقية الراغبة في الاستقلال عن دولها، كما تجد كافة الكيانات التي تلقى رفضًا من قبل الأمم المتحدة أو الاتحاد الدولي لكرة القدم للحصول على عضويتهم الفرصة سانحة للمشاركة في بطولة كانبي.
مشاركة الفريق الكردستاني تأتي لتمثيل جميع الأكراد سواء في العراق أو سورية أو تركيا أو إيران، إلا أن لاعبي الفريق يقتصرون على لاعبي كردستان العراق، ربما لأنه الإقليم الوحيد الذي يتمتع بالحكم الذاتي، في حين أن الأكراد المتواجدين في كل من تركيا وإيران فهم مازالوا يخضعون لأنظمة قمعية. أكراد العراق لديهم الفرصة الأكبر لتحقيق حلم الإستقلال، خاصة وأنهم بالفعل يحاولون استرضاء الغرب من خلال شن حملات ناجحة تستهدف معاقل تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وتحرير الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم المتطرف في العراق.
الأكراد السوريون أيضا استطاعوا استغلال الأزمة الناجمة عن الصراع السوري الذي اندلع منذ أكثر من خمس سنوات، في ظل الانتفاضة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حيث تمكنوا من استقطاع الأراضي التي يطمحون الاستقلال بها في المستقبل لتشكيل وبناء دولتهم المرجوة.
إلا أن كانبي ربما لا يرضى ببطولة كأس العالم البديل، ويسعى للحصول على اعتراف الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" على اعتبار أن ذلك يمثل فرصة جيدة لهم قد تفتح الباب أمام تحقيق حلم انتزاع الاعتراف بدولة كردستان العراق من الأمم المتحدة.
يقول كانبي "نحن نشارك في البطولة البديلة لأننا لا نملك طريقا أخر يمكننا أن نسلكه. لا توجد أية أبواب مفتوحة أمامنا يمكننا الدخول منها إلى البطولة الرسمية. لدينا تأثير كبير على العالم، كما أننا نملك مؤسسات شرعية، ولكن بالرغم من ذلك تم حرماننا من فرصة المشاركة." وأضاف، رافعا نبرة صوته، "سنوات طويلة، عانينا خلالها من القمع، لكن ها نحن نعاني مرة أخرى في كرة القدم. رئيس الاتحاد الدولي السابق للعبة أكد أن كرة القدم للجميع، إلا أنها على ما يبدو للجميع ماعدا الأكراد وحدهم."
الفريق ربما يتدرب خلال الشهرين المقبلين في مدينة أربيل العراقية، بحيث يمكن لهم زيارة ذويهم ورؤية أسرهم خلال الإجازات الأسبوعية. أما قائد الفريق خالد المعشر، والذي يبلغ من العمر 38 عامًا ويلعب في مركز الدفاع، فقد سافر من إربيل إلى قرية الأجداد للمرة الأولى في مايو/ايار الماضي، في ليلة كانت ملبدة بالغيوم، حيث اتخذ اللاعب طريقه عبر مدينة الموصل التي تقع تحت سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي منذ عام 2014، والذي تستعد قوات التحالف الدولي الهجوم عليها واستهدافها في الأيام المقبلة لتحريرها من قبضة التنظيم المتطرف.
ونظرا لأن مدينة أربيل اختفت تقريبًا من جراء نقاط التفتيش المتزايدة، والمعسكرات الأمنية، والتي جعلت منها بمثابة ثكنة عسكرية، إلا أن المعشر أشار بيده إلى قمه صغيرة خارج المدينة العراقية، ليقول "خلف تلك القمة تقع مدينة الموصل." ويبدو المعشر كأنه يماثل الصورة النمطية المعروفة للاعبي كرة القدم، حيث أنه غني ويتمتع بقدر كبير من النرجسية، وهو الأخ الأصغر لتسعة أخوة وست أخوات فكان بمثابة الفتى المدلل لوالده. شقيقه الأكبر بشار أغا بمثابة أب روحي للأسرة كما أنه سياسي، حيث أنه عضو في البرلمان الكردستاني.
يقول أغا عن أخيه أن والدهما كان يحبه كثيرا، وكان دائما ما يفضله عن الجميع، ربما أخطأ في حقه عندما تركه يهمل دراسته إلا أنه في النهاية كان عاشقا لكرة القدم، وكان يحبها أكثر من حياته. حلم الاستقلال يبدو وكأنه القوة الدافعة للاعب الكردي، حيث يقول "أننا نعيش حياة سيئة للغاية، حيث أننا عانينا ظلما كبيرا طيلة فترات حياتنا، ولكن حلمنا ربما أصبح كبير جدا بأن تكون لنا دولة مستقلة."
بعض اللاعبين يعيشون بجوار الملعب، من بينهم الرجل الثاني في الفريق، ويدعى سارهانك محسن، ويبلغ من العمر 29 عام، حيث يبقى أحد أكثر لاعبي الفريق أهمية في ظل أهمية مركزه كحارس مرمى للفريق، وكذلك لكفاءته كلاعب محارب. ويقول محسن أنه يبقى حزينا للغاية لأنه مازال رغم كل هذه السنوات غير قادر أن يلعب تحت راية الاتحاد الدولي لكرة القدم. وأضاف "لقد كان حلم حياتي أن أذهب للمشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم وأن يلتف علم بلادي حول أكتافي.
حارس المرمى الكردي يبقى أحد أكثر لاعبي الفريق ابهارا وجاذبية، إلا أن المسألة ربما لا ترجع فقط لكفاءته الكروية، وانما تمتد لتاريخ طويل لأسرته، فوالده كان مجندا لدى القوات المسلحة العراقية في عهد الرئيس السابق صدام حسين، وقد أرسله الى الحرب في إيران، ولكن تم أسره، ليقضي حوالي عقدا من الزمان في السجون الإيرانية عاني خلالها أشد أنواع الإهانة والتعذيب.
وعند عودة والده من السجن، خرج محسن من المنزل مسرعا ليجد الجيران ملتفين حوله، حيث ارتمى في حضنه مثلهم، إلا أنه لم يعرفه، فجلس بجواره برهة من الزمن حتى عرفه ليلتف إليه من جديد ويحتضنه. يقول الشاب الكردي "لقد شعرت في وقتها أن والدي تغير كثيرا وأن عينيه لم تعد تلمع كما كان حالها في الماضي.
أما اللاعب ميران خاسرو، ويبلغ من العمر 27 عام، يعد أحد أهم نجوم الفريق، حيث أنه ليس فقط لاعب كرة قدم، ولكنه أيضا جندي في صفوف البشمركة الكردية، حيث اشترك في العديد من المعارك ضد تنظيم "داعش" الإرهابي. هو لاعب وسط مدافع، يقترب في طريقة لعبه من نجم كرة القدم الإيطالية أندريا بيرلو.
خاسرو ربما يكون مختلفا عن أقرانه، حيث أنه اللاعب الوحيد في العالم الذي يشارك مع منتخبين وطنيين، المنتخب العراقي والمنتخب الكردي. ويقول أنه على الرغم من أنه لعب مع المنتخب العراقي إلا أنه ربما عانى قدرا كبيرا من التمييز سواء من مسؤولي الفريق أو زملائه في ظل هيمنة العرب على المنتخب من الناحيتين الإدارية والفنية. وأضاف "ليس هناك توازن في التعامل مع اللاعب الكردي، بل على العكس فإنه يواجه تمييزا وكراهية لا مثيل لهما."
ويضيف أنه لا يدري سر إصرار القادة العراقيين على عدم الاعتراف بإقليم كردستان كمنطقة منفصلة، موضحا أن هذا الأمر لا يحمل أي قدر من الموضوعية في ظل معرفة العراقيين أنفسهم أن بلادهم لم تعد دولة بالمعنى الصحيح، ولكن على العكس فهي تعاني من جراء الانقسامات الطائفية والعرقية وكذلك تنامي الصراعات بصورة كبيرة من جراء صعود تنظيم "داعش" والذي تمكن من السيطرة على عدة مدن في العراق منذ عام 2014.
حتى جاء يوم الرحيل للمشاركة في بطولة كأس العالم البديل، حيث تصارع اللاعبون من أجل الحصول على صور سيلفي قبل إقلاع الطائرة التي حملتهم إلى مقر البطولة، ثم ذهب كل لاعب إلى مكانه على متن الطائرة ليجلس في المقدمة المدير الفني غولن، والذي سبق له اللعب في عدة أندية منها نادي السليمانية، ولكنه التحق بعد ذلك بالمقاومة الكردية ضد صدام حسين.