طهران مهدي موسوي
خيم الحزن على إيران، رغم فوز المنتخب الإيراني لكرة القدم على نظيره الكوري الجنوبي، بهدف نظيف، ضمن التصفيات المرهلة لنهائيات كأس العالم لكرة القدم المقررة في روسيا، وذلك لأن توقيت المباراة تزامن مع ليلة عاشوراء، والتي تعدّ ليلة حزينة بحسب تقاليد الإسلام الشيعي.
ودعا عدد كبير من رجال الدين ومسؤولي الدولة في طهران، الجماهير الإيرانية إلى عدم الاحتفال بالفوز أو تحية اللاعبين، لأن ذلك يعد إهانة كبيرة للقيم الدينية، داعين إلى إقامة المباراة في أجواء من الحداد، ويرفع الجماهير الرايات السوداء لإحياء ذكرى مقتل الحسين، حفيد النبي محمد، قبل أكثر من 1300 عام.
وطالب الإعلام الحكومي الإيراني الجماهير بارتداء ملابس سوداء، والتغني بأناشيد الحداد داخل الملعب بدلًا من هتافات كرة القدم المعروفة، وتم استبدال الفقرة الغنائية التي تسبق المباراة، والتي يغني فيها أحد المنشدين الإسلاميين عن الله والحب، بفقرة أخرى تلا خلالها إثنين من أشهر المنشدين في طهران وهما ماجد بني فاطمي، وصادق مرعشي، قصة أبو الفضل، الصديق المخلص للحسين، والذي قتل عندما كان يجلب الماء للأطفال الذين رافقوا حفيد النبي في رحلته الأخيرة قبل مقتله.
وأوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن إحياء ذكرى مقتل الحسين يعد أحد الأمور التي عززت الانقسام الكبير بين السنة والشيعة، وتعتبر هذه المناسبة أحد أهم الشعائر الدينية في طهران، يقوم خلالها المواطنين المنتمين للمذهب الشيعي بتنظيم المواكب في الشوارع وضرب أنفسهم بالسلاسل على أصوات الطبول، ويجتمع الرجال والنساء في ليال طويلة من الغناء الديني حول مقتل الحسين، ويبكي خلالها الجميع.
ولكن تبقى كرة القدم، والتي تشغل بال قطاع كبير من الإيرانيين في العصر الحديث، بعيدة كل البعد عن تلك الشعائر الدينية، حيث أن المباريات ليست جزءًا من تلك الشعائر على الإطلاق، ولذلك طالب رجال الدين الإيرانيين الحكومة في طهران بضرورة إلغاء المباراة، والتي تدفع الجماهير إلى الهتاف للمنتخب الوطني بدلًا من البكاء على الحسين. ورجل الدين المتشدد اية الله محمد يزدي أعرب عن غضبه الشديد في خطاب له، مشددًا على ضرورة حماية القيم التقليدية، وأكد أنه من الأفضل إلغاء المباراة بدلًا من ازدراء العقيدة.
وكان إلغاء المباراة سيكلف المنتخب الإيراني الكثير، حيث كانت ستحرم من الصعود إلى بطولة كأس العالم لكرة القدم المقبلة في 2018، كما أنهم كانوا سيعاقبون كذلك من قبل الاتحاد الدولي للعبة "فيفا" بعدم الظهور في مناسبات أخرى قادمة. وعندما دخل اللاعبون إلى الميدان، صفقت بعض الجماهير، إلا أن اللقطة تم تغطيتها بسرعة من قبل التلفزيون الإيراني بلافتة مكتوب عليها "حسين".
إلا أن الاختبار الأكبر جاء في أعقاب تسجيل المنتخب الإيراني لهدفه الوحيد في المباراة، في وقت مبكر، حيث هتفت بعض الجماهير، إلا أن أصواتهم سرعان ما توارت خلف هتافات المتشددين، والذين استخدموا مكبرات الصوت، للهتاف للحسين. ويبدو أن التزام الجماهير الإيرانية لم يكن كافيًا، وأبلغت إدارة الملعب الأعداد القليلة من جماهير كوريا الجنوبية بضرورة الالتزام بعادات المجتمع الإيراني المحلية، مطالبين إياهم بعدم الاحتفال أو استخدام الألات الموسيقية أو ارتداء ملابس مبهجة.
وخلال الاستراحة بين شوطي المباراة، نقل التلفزيون بعض الأناشيد الدينية التي تمجد الحسين وأبو الفضل، بينما تم إلغاء كافة المواد الدعائية والإعلانية التي يتم بثها في مثل هذه المناسبات. وبعد انتهاء المباراة مباشرة، تم قطع البث، دون إضاعة الوقت في تحليل أحداث المباراة، حيث انتقل التلفزيون لنقل بث حي لشعائر رثاء الحسين من مدينة زنجان الإيرانية.