واشنطن - رولا عيسى
جسَّد فنان وزارة الدفاع الأميركية، جولس جورج، ما وصفه بالفوضى المنظمة للصراع في أفغانستان، وكيف سعى بغض النظر عن الظروف العسكرية المرهقة إلى تجسيد الواقع من خلال الرسم وعلامات القلم الرصاص، وذلك في كتابه الجديد بعنوان "فنانو الحرب في أفغانستان: ما وراء الأسلاك"، والذي من المقرر طرحه في أبريل/ نيسان المقبل بسعر 35 جنيهًا إسترليني، ويمكن طلبه بشكل مسبق من موقع أمازون.
وذكر جورج أنه في ليلة 19 فبراير/ شباط 2010 أعد العريف دراني درانسفيلد حقيبته تحت ضوء مصباح الرأس، وكان لدى درانسفيلد طريقة خاصة في الإعداد للمعركة، ومع ذلك كانت طريقة تم التدرب عليها جيدًا، حيث نظم العريف مجموعة من الأسلحة ثم أشار إلى البايب الخاص به وقال بلهجته الغليظة: هذا الطفل سيذهب غدًا، وتقرر شن عملية عند الفجر وكان من المتوقع حدوث بعض المشاكل، وقامت كل القوات بتجهيزات مشابهة وسط أجواء من الترقب والإثارة، وتم تنظيف الأسلحة وإحصاء الجولات وتدوين فصائل الدم والخوذ والأحذية والدروع الواقية للجسد، وتم إعطاء الموجز النهائي للخطة، كنا في طالبجان على بعد بضعة كيلو مترات جنوبًا على طول الوادي من قلعة موسى في أفغانستان، وكان الرائد جستين بوته قائد سرب من سلاح الفرسان، هو المسؤول عن القاعدة، ويعمل تحت مسؤوليته الكابتن جون مع شركاء أفغان".
وأردف جورج "كانت الإقامة في إطار الحد الأدنى حيث توفرت لي غرفة مع الحذاء والأسلحة والدروع والبنادق ومجموعة من المجلات والملصقات المفيدة معنويا، وكان آخر ما رأيته في ذلك اليوم أثناء استعداد الجنود وتوقعهم للمعركة هو القنابل اليدوية والذخيرة على الأرض، وفي خلال 530 ساعة توغلت الدورية في الظلام بعد أن حصلت على إذن للذهاب لتنفيذ العملية، وانضممت إلى سرب سي-فريق دعم إطلاق النار- بقيادة الرائد بوته في سيارة مدرعة مع نظير العريف شون فراي، مع شخص مدفعي للتغطية العلوية والسائق وضابط المراقبة ومراقب جوي، وخرجنا من القاعدة في قافلة استغرقت 642 ساعة".
وأضاف "قبل المغادرة كانت لي محادثة قصيرة مع المدفعي دارلينغتون الذي حظي بنوم غير مستقر في سرير ذات عدة طوابق قريب لي، وأخبرني أنه كان يقود عربة مدرعة ذات سقف مفتوح لكنه أراد أن يكون في عربة مغلقة أكثر أمنًا مثل عربة ماستيف، واصطدمت السيارة بنا وتوقفنا عند أرض مرتفعة، وأثناء الرحلة رسمت صورة لضابط المراقبة الجوية في المقعد المقابل بالزي العسكرى، ووصلت إلى نتائج مختلطة ولكن تعلمت درسًا فنيًا هامًا أثناء وجودنا في ظروف خانقة داخل السيارة، وهو أن عند الرسم في هذه الظروف فإن العلامات التي لا ترسمها على نفس القدر من الأهمية مثل العلامات التي رسمتها بالفعل".
وتابع جورج "تسلقت من خلال فتحة السقف في سيارة ماستيف، ونظرت إلى الطبيعة حولى حيث ارتفعت الشمس خلف الجبال البعيدة وبدأ ضباب الصباح الباكر يرتفع، بينما قام زملائي بمراقبة مواقع الشبكة المرجعية لمقاتلي طالبان المشتبه فيهم وراصديهم، ونشئ صاروخ جافلين بجوار سيارة ماستيف وبدأ توجيهه إلى أهداف محتملة، ويقال إن تكلفة إطلاق أحد هذه الصواريخ تعادل تكلفة شراء سيارة بورش 911، ورصد المراقبون ثلاث سيارات على أرض مرتفعة لكنها كانت غافلة عن القوات التي تتقدم تدريجيًا من خلال المناظر الطبيعية الهادئة، وبدأ النساء والأطفال يغادرون مبانيهم في إشارة تحذيرية لهجوم محتمل، وبدأ تبادل إطلاق النار بين جنود الدورية والمتمردين".
وأشار إلى أنه "تم استخدام تكنيك إطلق النار وتبادل إطلاق النار بشكل متقطع في البداية، ثم تطور الأمر سريعًا إلى ما يمكن وصفه بالفوضى المنظمة، ومع ارتفاع الدخان والنيران من حولي كان عليّ اغتنام الفرصة ومحاولة رسم وتجسيد اللحظة ولم يكن علي الاهتمام بجودة العمل بقدر تسجيل اللحظة، وألقيت علبة دخان حمراء لتغطية تقدم القوات في جميع أنحاء الأرض، وأمطرت القوات مواقع المتمردين بالنيران ما غطى المنطقة بدخان كثيف، ووسط الدخان الكثيف والضجيج جاءت الأوامر: هل لدينا رجال هناك، من أين يطلقون النار، كان تفسيرى للمشهد مثل مئات الرسومات التي كنت أفعلها عندما كنت طفلًا، وجسد دخان الكامديوم الأحمر حجابًا من الحماية، وكانت هناك دماء واضحة فضلاً عن السترات الحمراء الزاهية التي يرتديها جنود بريطانيين خلال القرن الـ19 والذين ربما مروا على نفس الأرض، وفي أعلى سيارة ماستيف تمكنت من إلقاء نظرة عامة على أرض المعركة".
وكان مقاتلو طالبان يغيرون مواقع إطلاق النار الخاصة بهم أثناء مواصلة القوات للاقتحام، وحاول أحد القوات في المركبة المجاورة الحصول على سكين لفتح صندوق الذخيرة لمواصلة القتال، وهنا كان قلمه السكين كافياً، وأضاف جورج "أبديت بعض الملاحظات السريعة لأحد القوات أثناء إطلاقه القذائف اليدوية في ما اندلعت سحب من الدخان مشوهة المناظر الطبيعية، وأطلقت النيران علينا وأمرت حينها بالاحتماء من الجولات المقبلة، وأخبرنا ضباط المخابرات الذين يتنصتون على اتصالات المتمردين بإعطاء أوامر من قادة طالبان لإطلاق النيران على الشخص الجالس أعلى السيارة، وبعدها هبط الجندي الذي كان يجلس أعلى السيارة إلى الداخل وتذكرت التعبير الذي ارتسم على وجهه، كانت عينيه هادئة ويقظة ولم أر مثل هذه النظرة من قبل، لكنها عكست المشاعر التي عرفتها من الجنود أثناء حديثي معهم بما في ذلك الأصدقاء القدامى المحاطين بخطر حقيقي".
وأفاد بقوله "وعندما نظرت من الباب الخلفي المفتوح للسيارة رأيت المناظرة الطبيعية الوعرة في أفغانستان وشاهدت في وسط الأرض معسكر للبدو مع الإبل، مرة أخرى الطبيعة الساحرة بجانب أصوات المعركة الصاخبة، وتم استدعاء طائرة أميركية ألقت قذيفتين على مواقع طالبان، وعند هذه النقطة قرر القائد الخروج، وحينها سألته: هل نتراجع؟ وأجاب: ننسحب ولن نتراجع، وبعد انتهاء معركة نيبل هيل بعد ثلاث ساعات وربع ساعة جاءت كلمات إيكوم بقتل واحد من الأعداء، وأثناء الانسحاب انفجر بجانبنا ما كنا نعتقد أنها عبوة ناسفة، ولحسن الحظ أننا كنا نرتدى الأحزمة في السيارة وشعرنا كما لو أن عظامنا تهتز، وسمعت أحدهم يقول: ماذا كان هذا؟".
وتابع "أثناء العودة إلى منطقة طالبجان توقفنا في نقطة تفتيش مهيب لفترة وشاهدنا نمو الدورة بعد عودتها إلى القاعدة، وجاء الصوت مدويًا عندما اصطدمت سيارة أخرى بعبوة ناسفة كان يقودها المدفعي دارلينغتون الذي تحدثت معه صباحًا، وشعرنا بالفزع وأسرعنا لمساعدة السيارة المنكوبة، ومررت بالقوات المذعورة الذين أمسكوا دروعهم الواقية وبنادقهم وهرعوا إلى السيارات، شعرت بالإعياء وكأن العالم قد ذهب إلى الجنون، ورأيت القاعدة وهي تتعرض للنهب، وشعرت بالضعف ولم أكن أعلم ماذا أفعل، وكل ما فعلته هو تسلق أقرب موقع محصن وبدأت في الرسم، ولم يكن هناك أنباء عن دارلينغتون، ولذلك رسمت سيارة ماتسيف التي كنت بداخلها وهى تسرع لمساعدة السيارة المنكوبة في ظل الغبار الأفغاني، ولاحظت مرور عدد من السكان المحليين على القاعدة وما أدهشني هو التناقض الواضح في موقفهم، وتسائلت أين تعاطفهم؟ ولم يتضح لي ما إذا كانوا من طالبان".
وبيّن جورج "جلست حرجة، وقبل أن نستوعب هذه الأخبار الجيدة سمعنا انفجارًا مدويًا، حيث انفجرت عبوة ناسفة أخرى وشادت سحب الدخان تتصاعد في السماء، وشعرت بالرعب الشديد، وكان الهدوء الشديد عقب الانفجار مؤكدًا على خوفي، وعلى الرغم في موقع محصن مع جندي من سلاح الفرسان وجندي أفغاني، وعند هذه النقطة كان وجود رشاش بالقرب مطمئن إلى حد ما، وأشار الأخير إلى ثلاثة أشخاص من طالبان على دراجة نارية على التلة المقابلة، وهم يحاولون إخبار مقاتلي طالبان بالنتائج، وربما كانوا طرف في زرع العبوة الناسفة التي انفجرت صباح ذلك اليوم، وعندما جاءت الأخبار عن الانفجار كان هناك اثنان من المصابين في الحادث لكنها لم تكن إصابات من قوة المشهد إلا أنني لم أتمكن من الرسم بسبب شعوري بالصدمة، ولم أكن بخير حتى عرفت أخبار الأشخاص المعنيين".
وأردف "ضربت سيارة ماتسيف 52 التي اتجهت لمساعدة السيارة المنكوبة طبيًا بعبوة ناسفة أيضًا، لكننا سمعنا القائد يؤكد عدم وجود إصابات، إنهم محظوظون لأنهم سافروا بسيارة متسيف بما فيها من دروع، وتم تفقد الأضرار وسحب السيارة إلى القاعدة، وتم استدعاء فريق بيدرو الطبي الأميركي لمساعدة الجرحى، في حين حلقت طائرتان مروحيتان من طراز بلاك هوك في سماء المنطقة وغطتا القاعدة، وأخذ دارلينغتون بعيدًا إلى معسكر باستيون أما المصاب الآخر وهو مدفعي كان يحتفل بعيد ميلاده العشرين فقد شهد انفجارين في يوم واحد، وبدأت القوات التي شاركت في المعركة تعود ببطء إلى القاعدة في أمان نسبي، ومع غروب الشمس اجتمعت القوات خارج المطبخ لشرب المشروبات وتدخين السجائر والمناقشة واسترجاع أحداث اليوم".
وتابع قائلًا "كان الجميع في غاية التعب وبدأ أدرينالين اليوم في الزوال، وذهبت إلى موقع صغير محصن وبدأت في رسم لوحة للقاعدة مع الجبال والسماء ذات اللونين البنفسجي والأحمر، ومرة أخرى كسر حاجز صمت المساء بواسطة طائرة هليكوبتر اباتشي كلاتيرينغ في سماء المنطقة، لقد كان مشهدًا رائعًا لكني لم أستطع التوفيق بين عناصر هذا اليوم، ومن وقت إلى الآخر يصعد بعض الأشخاص إلى موقعي للاطمئنان، وكانت معركة اليوم أول معركة حقيقية للبعض، ولا يزال أحد الجنود من جنوب أفريقيا يسترجع ما حدث قائلاً: دراني كانت أسطورة في المعركة لقد أطلق 1400 طلقة وتمكنت أنا من 1200 فقط، لقد كان عملاً رائعًا جورج".
وأضاف جورج "في غرفة خدمات المشاريع رسمت صورة تشبه الملهى الليلي، وكل خط في هذه اللوحة رافقه بعض من المزاح الجاف والكثير من الضحك، وجعلني أميل للحديث مع القوات وأشعر بأنني أكثر قبولاً، لم يعودوا يشعرون بالقلق تجاهي، ولم تعد حقيقة عودتي بمجموعة من الرسوم بدلاً من البندقية أمر ذات شأن لقد تقاسمنا نفس التجربة وأصبحت واحد منهم بطريقة أو بأخرى، وفي هذه الليلة عندما صعدت إلى سريري كان واقعي أن أجد حقيبة دارلينغتون مجهزة بالفعل، وبدا الأمر كما أنه لم يكن هنا من قبل".