القاهرة ـ مصر اليوم
ما إن حلت ذكرى ميلاد الأديب المصري الراحل إبراهيم أصلان (3 مارس/ آذار 1935) في بداية الشهر الحالي، حتى كان مكتبه القديم قد غادر إلى مكان جديد؛ هذا المكتب الذي يحمل أصداء سيرة طويلة من الكتابة، ومهدها الأول، فعلى سطحه الخشبي وُلدت أشهر أعمال إبراهيم أصلان، وتشكلّت عوالمها على مهل، فسطر عليه أبرز روائعه: «مالك الحزين» و«وردية ليل» و«عصافير النيل» وغيرها. فهذا المكتب كان أقرب شريك لساعات تأملاته الطويلة، وحيرته المُبعثرة بين عشرات المسوّدات، وأنفاس الرضا مع كل إنجاز أدبي جديد، والشاهد الأول على علامات لأحد أبرز كُتاب جيل الستينيات في مصر والعالم العربي.
قد يكون تخيّل علاقة كاتب بمكتبه مدخلاً لقراءة مدى خصوصية خبر انتقال مكتب الراحل إبراهيم أصلان من حيّز عائلته الشخصي إلى حيّز جماهيري أوسع، وذلك بعد أن أعلن عن استقبال جمعية النهضة العلمية والثقافية (جيزويت القاهرة) لمكتب الراحل إبراهيم أصلان، ليكون نواة لركن يحمل اسم الراحل، وجانب من مقتنياته داخل مبنى الجمعية التي تقع في حي الفجالة (وسط القاهرة).
ومنذ وفاة الأديب إبراهيم أصلان (7 يناير/ كانون الثاني عام 2012)، تتجدد لدى أسرته تلك التساؤلات بشأن مصير مقتنيات الراحل، بكل ما لها من قيمة ثقافية وتراثية زاخرة، وكان مكتبه الأول الذي كان يستخدمه في بيته القديم في حي إمبابة الشهير (غرب القاهرة) أحد أبرز تلك المقتنيات، كما يقول الكاتب القاص هشام أصلان (النجل الأكبر للراحل) الذي يروي لـ«الشرق الأوسط» ملامح من خصوصية هذا المكتب الذي كتب عليه إبراهيم أصلان أعماله الأولى الشهيرة: «كتب عليه لما يقارب ثلاثين عاماً، قبل أن ينتقل لبيته الجديد بحي المقطم الذي تُوفي فيه».
ويعد هشام أصلان أن انتقال المكتب القديم لجمعية (الجيزويت) جاء في إطار ثقته وعائلته في الاعتناء الذي سيُمنح للمكتب الذي يعد أبرز مقتنيات الراحل -على حد تعبيره- وأنه جرى تصوّر أن يكون ضمن مشروع أكبر للاحتفاء بتراث إبراهيم أصلان: «تحمست لفكرة أن يتم تخصيص ركن بالجمعية يضم مكتب إبراهيم أصلان القديم، وأعماله الكاملة، وجزءاً من مكتبته، وبعضاً من صوره النادرة».
يتذكر سامح سامي، المدير التنفيذي لجمعية النهضة العلمية والثقافية (جيزويت القاهرة)، علاقته بالراحل إبراهيم أصلان منذ كان طالباً جامعياً يهتم بزيارة مكتب الراحل بشكل دائم: «كنت أحلم بشكل شخصي بالاحتفاظ بأي شيء من ذكراه بعد رحيله، ولو كتاب يحمل إهداء منه». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أعد هذا المكتب كنزاً كبيراً. ففي كل دول العالم، تُخصص أماكن لعرض مقتنيات الأدباء الكبار، للاقتراب من عالمهم، وحتى التقاط صور بجوار مكاتبهم، وهذا ما نأمل فيه خلال الفترة المقبلة».
ويستدعي افتتاح ركن خاص لإبراهيم أصلان، وإتاحة الفرصة للزوار لالتقاط الصور بجانب مكتبه، قصة صورة فوتوغرافية شهيرة ظهر فيها الراحل إبراهيم أصلان وهو على مكتب الروائي الروسي دوستويفسكي التي التقطت له عام 2004، خلال زيارته لمتحف دوستويفسكي التذكاري في مدينة سان بطرسبرغ الروسية. وعلى الرغم من منع الزوار من الجلوس على مكتب الأديب الروسي الراحل، في إجراء للحفاظ عليه، فإن القائمين على المتحف منحوا استثناء لإبراهيم أصلان للجلوس على المكتب، والتقاط صورة وهو يجلس عليه، بعدما علموا أنه كاتب عربي معروف.
ولعل المكتبة الضخمة التي جمعها الراحل إبراهيم أصلان على مدار تاريخه واحدة من المقتنيات الأثيرة التي يتحدث عنها هشام أصلان قائلاً: «كنت مهتماً منذ رحيله بأن تعرض مكتبة إبراهيم أصلان بشكل يتيح المنفعة بها، والاطلاع عليها بشكل حقيقي. ولأنها مكتبة ضخمة متنوعة، فستحتاج إلى وقت لفرز محتوياتها بشكلٍ متأنٍ لما تحتويه من نسخ ومطبوعات نادرة قيمة».
ويضيف نجل الراحل أن ثمة اقتراحات كثيرة دارت حول إهداء أجزاء من المكتبة لمؤسسات ثقافية، مثل «مكتبة الإسكندرية» أو قصر ثقافة مدينة طنطا (مسقط رأس الأديب الراحل)، إلا أنه حالياً سيكون أول إهداء من مكتبة إبراهيم أصلان إلى «جيزويت القاهرة»، لُتجاور مكتب الراحل.ويرى الكاتب هشام أصلان أن تحويل بيوت الأدباء لمتاحف، أو عرض مقتنياتهم داخل مقار مؤسسات ثقافية، يُعد ثقافة محمودة، خصوصاً في البلاد العامرة بالقامات الأدبية والفنية، مثل مصر.
ويعد متحف الأديب الراحل نجيب محفوظ الذي افتتح عام 2019 في تكية أبو الذهب بحي الأزهر (وسط القاهرة) أحد تلك الكيانات التي تستضيف تراث ومقتنيات الأدباء والفنانين في مصر، وكذلك قاعة الفنان الراحل شادي عبد السلام في «مكتبة الإسكندرية» التي أسستها عام 2005، في ذكرى مرور 75 عاماً على مولده.
قد يهمك أيضا