اعمال الفنان ضياء العزاوي

عمِل الفنّان ضياء العزاوي في دائرة الآثار العراقية في بغداد أوائل عام 1970 عندما تم تعيينه لإنشاء مبنى متحف جديد في شمال مدينة الموصل، وقضى المسؤول الثقافي بالمتحف عامًا ونصف العام مع الإشراف الدقيق على عرض القطع الأثرية من المواقع التاريخية القريبة من مدن الحضر ونمرود ونينوى، وشاهد السيد عزاوي والذي يبلغ من العمر الآن 77 عامًا هذه القطع التي لا تقدّر بثمن وهي تتحطم في مقطع فيديو نشره تنظيم "داعش" في شهر فبراير/شباط من عام 2015 وكان في شدة الحزن لرؤية هذا وقال الفنان في مقابلة أجريت معه في لندن الشهر الماضي "لا يمكنني أن أصدق هذا" وأضاف "كان مروعًا أن أرى الرجل الذي جلب المنشار الميكانيكي ليقطع الثور المجنح من نمرود، وما يدهشني هو كيف يمكن للعراقيون أن يدمروا تراثهم؟"

وكان السيد العزاوي قد قضى حياته المهنية وهو يسجّل الصدمات التي تعرضت لها بلده العراق وهو الآن يركّز على ما وُصف بأنه أكبر معرض خاص بأي فنان عربي في 16 أبريل/نيسان ويضم أكثر من 500 عمل من الجداريات واللوحات والمنحوتات والمطبوعات والرسومات والكتب الفنية والتي عرضت على امتداد قاعتين مترامية الأطراف في الدوحة في "المتحف العربي للفن الحديث" و مساحة معرض إدراة الجودة الرواق.

وعلى الرغم من انتقال الفنان وبشكل نهائي إلى لندن في عام 1976 فإن لوحة "ضياء العزاوي: استعادية" تعرض مشاكل العراق والعالم العربي والتي تعد مصدر لا نهاية له من الألم والإلهام الإبداعي، وبعد كل نزاعات صدام حسين مع الغرب أنتج العزاوي أعمال التباكي على المصير المحزن لشعبه، وكانت القضية الفلسطسنية تشكل قلقًا آخرًا دائمًا له والتي تجسدت في "مجزرة صبرا وشاتيلا" (والتي عُرضت في الدوحة، 1983-1982) وهي جدارية اعتقال تستحضر مقتل المئات من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في عام 1982، وتقول كاثرين ديفيد وهي أمينة المعرض في الدوحة وهي نائب مديرالمتحف الوطني للفن الحديث في مركز بومبيدو في باريس "ضياء العزاوي ليس المصوِّر وهي ليس بالرجل الذي يصنع الملصقات السياسية ولكن عمله مشبع تمامًا بالأحداث الجارية في الشرق الأوسط"، وتصف ديفيد الفنان بأنه رسام استثئائي وأنه "رسام مع شعور حقيقي من الإيقاع" وتضيف "وفي سياق فن القرن الـ20 فضياء العزاوي ليس فنان عربي كبير فقط بل هو فنان عظيم فقط".

وتقول السيدة ديفيد "إنه ليس من بين المجموعات الأوروبية والأميركية الكبرى، وهو من بين مجموعات العرب التي ليس لها نفس الرؤية، ويمكن قول الشيء نفسه على كثير من الفنانين" وظهرت أعمال العزاوي في مزاد علني كبير وبيعت لوحة بسعر مرتفع وصل إلى 235.500 دولار في شهر أكتوبر/تشرين الأول في دار كريستيز في دبي وتعود اللوحة إلى عام 1970"أرساك موت (زفافك هو موتك)".

وعمل السيد العزاوي في مرسم كبير ومضيء في تجمعات صناعية تقع على المشارف الغربية للندن والنوافذ مغطاة بنماذج منحوتة ملونة مع لوحات طويلة في اتجاه معاكس للجدار، وتتميّز ملامح الفنان بالشيب والشعر الأجعد وشارب يعطيه هواء مارك توين وهو شخص ودود وغير رسمي وضاحك، وقد انجذب للفن منذ صغره ووالده هو بقال في بغداد وله 9 أطفال آخرين بخلاف ضياء وكان قلقًا حول آفاق التطوُّر الوظيفي، ولا تزال موهبة الصبي تتنامى وأصبحت واضحة لمعلميه، وكان الملك فيصل الثاني آخر ملوك العراق قد زار مدرسة ضياء وقال العزاوي أن الملك وعده بأن يرسله إلى إيطاليا للدراسة (وأعدم الملك فيصل في عام 1958 في الثورة).

وتابع السيد العزاوي دراسته ليصبح طالبًا في علم الآثار ودرس القطع الأثرية في العراق وكان يرسم في المساء في استوديو الفنان حافظ الدروبي والذي تدرّب في الغرب وأصبح معلمًا لضياء، وسرعان ما تطوّر أسلوبه الخاص ليدمج الشخصيات الأيقونية واسعة العينين من بلاد سومر العراقية القديمة مع الفن الغربي الحديث والذي توصل إليه من خلال متابعة أعمال الفنانين الزملاء الذين درسوا في الخارج، ويمكن ملاحظة ذلك في الكثير من أعمال الدوحة مثل لوحة اليد الممدودة "ثلاث دول في رجل واحد رقم 1" والتي تعود إلى عام 1976 وتعد تقريبًا مرآة للوحة بيكاسو "غرنيكا" و"الربط" اللتان تعودان إلى عام 1972 وتتميّز بأشكال تكعيبية، ويقول ضياء "أنا من جيل فتن كثيرًا لكن مع الحفاظ على الهوية" ويضيف "كان علينا أن نفعل شيئًا مختلفًا متعلق بتاريخنا".

وفي أواخر عام 1960 نشر العزاوي بيانًا بعنوان "نحو رؤية جديدة" ومن خلاله "أنشأ وأصبح رائدًا ودعّم ودافع عن خلق هوية عربية حديثة في الرسم" وذلك حسبما قال فاسيليس أويكونوموبولوس وهو أمين مساعد للمجموعات الفنية الدولية في تيت مودرن في لندن، كما استوحى العزاوي أعماله من الشعر وفي البداية عن طريق الآيات السومرية المكتوبة في اللغات السومرية والأكادية القديمة وبعدها الشعر العربي الحديث، وأوضح ذلك من خلال إصدارات لكتب فردية أو محدودة من تأليفه وكثير من هذه اللوحات معروض للمرة الأولى في الدوحة.

وكانت رحلته الأولى إلى أوروبا في عام 1975 عندما بلغ 36 عامًا ومن خلال هذه الرحلة حضر ورش الطباعة في سالزبورغ في النمسا وزار روما ولندن وأثبت أن الحياة متغيرة، وبعد مرور 6 سنوات من انتقاله إلى لندن وقعت أحداث مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان والتي وصفت في رواية "شاهد عيان" للكاتب الفرنسي جان جينيه، وكانت عمليات القتل "قاسية للغاية ولا تصدق ولا يمكن أن تقبل" كما وصفها العزاوي وقال "كان لدي لفافة من الورق وبدأت أرسم دون أن أفكر بأنها ستصبح أفضل إذا رسمتها على القماش" وأنتج الفنان لوحة طويلة وكثيفة الرسم بالحبر والتي تم تركيبها على أربع لوحات عملاقة.

وفي السنوات التي قضاها العزاوي في المنفى أثبت أن العراق لا تزال القوة الدافعة وراء أعماله بدءً من أول حرب في الخليج و10 سنوات من العقاب جعلته يبدأ مجموعة جديدة من الأعمال والتي استمر فيها مع الغزو الأميركي على العراق في عام 2003 والعنف الطائفي الذي تبع الغزو، وكانت آخر زيارة للعزاوي في العراق في عام 1980 وقال إنه ليس لديه أمل في وطنه وحتى الآن لا يزال هذا المزاج موجودًا داخل مرسمه وأعماله الفنية الواضحة.