القاهرة - مصر اليوم
يستدعي مصطلح «الخروج للنهار» إرثاً فرعونياً خاصاً؛ فهو الاسم الآخر لما يعرف في الحضارة المصرية القديمة بـ«كتاب الموتى» الذي يحوي العديد من الابتهالات والأدعية والتعاويذ السحرية المصحوبة بالرسومات في حين يعتبره الباحثون درة التاج في الأدب الجنائزي القديم الذي كُتب على جدران المعابد والأكفان والتوابيت، فضلاً عن نبات البردي والجلود. تركز تلك النصوص على فكرة نقاء السريرة لدى الميت الذي يستعد للانتقال من الحياة الدنيا إلى العالم الآخر والتي تجعل من روحه روحاً جميلة طيبة ملؤها الخير والحق.
ويستدعي المعرض الفني الجماعي الذي يستمر في غاليري «آرت مزاج» بحي المعادي بالقاهرة حتى الثلاثين من يناير (كانون الثاني) الحالي، هذا الموروث المصري القديم عبر إطلاق اسم «الخروج للنهار» على أعمال سبعة من الفنانين الشباب هم منى خطاب، ونشوى الحناوي، ونورا سليم، وعمر عبد اللطيف، وياسين أحمد، ومحمود بكار، ومراد رفعت.
يستلهم المعرض جوهر متون النصوص المصرية القديمة الذي يتمثل في فكرتي «الجمال» و«النقاء» على مستوى الروح، فهنا أعمال تطمح لأن تلامس مشاعرك وتذهب بك بعيداً لتغادر ظلام الهموم والضغوط وتستعد للإقلاع بروحك نحو «نهار الرهافة والإحساس والدهشة». في «بورتريهات» ياسين محمد على سبيل المثال تصلك هذه الفكرة بقوة، فثمة وجوه تطالع المتلقي بنظرات ملؤها الأمل المشوب بشيء من الحذر، إنّها وجوه تبدو كأنّها رُسمت على عجل بخطوط تشبه الفحم أو القلم الرصاص، ولكن الحق أنّها البساطة الخادعة فأصعب أنواع الفن تلك التي تتصور أنّ صاحبها لم يبذل فيه مجهوداً كبيراً في حين أنّه بذل جهداً غير عادي.
في أعمال عمر عبد اللطيف تتجلى «الجينات» الحقيقية لوجوه شديدة المصرية، حيث الطيبة والبراءة وإكرام الغرباء مهما كنت فقيراً، أولاد وبنات تتنوع ملامحهم ما بين الأبيض والأسود أو الألوان، لكن يجمع بينهم خيط واحد من الحنو والصفاء، حتى الحمار المرسوم بألوان زاهية يبدو أبعد ما يكون عن المكر أو الخداع بل تكاد تشفق عليه من فرط السذاجة التي تلوح بنظراته.
وعلى الرّغم من أنّ عمر عبد اللطيف المولود في عام 1994 يبدو مجال دراسته (إدارة الأعمال) بعيداً عن الفن، لكنه بدأ دراسة الفن مبكراً، منذ أن كان طالباً في الصف الأول الثانوي على يد الفنان أبو بكر النواوي، وهو حالياً عضو بنقابة الفنون التشكيلية المصرية، فضلاً عن عضويته بجماعة «اللقطة الواحدة».
ويوضح عبد اللطيف، أنّه لا يركز على موضوعات بعينها ليستلهم منها أفكاراً للوحاته، وإنما يتبع إحساسه أينما قاده فنراه يرسم من واقع التراث المصري القديم، وبالتوازي يستقي الكثير من الموضوعات من واقع الحياة المعاصرة، مضيفاً، أنّ أول معرض فني شارك به كان في الصف الأول الإعدادي عام 2007 الذي حمل «أنامل واعدة» تحت إشراف «مدرسة السعيدية» للخطوط.
في حين تأخذنا أعمال الفنانة منى خطاب إلى منطقة أخرى يمكن أن نسميها «أنسنة الأشياء» بمعنى إضفاء الطابع الإنساني على الجمادات، فهنا نحن أمام أشكال هندسية وتكوينات لونية قد تبدو للوهلة الأولى صماء تخلو من الروح، لكن بقليل من التأمل ستكتشف أنّها تحمل روحاً إنسانية خاصة، اللافت أنّ خطاب المولودة في العاصمة المصرية القاهرة، لم تدرس الفن بشكل أكاديمي، بل ظلت تعتبر علاقتها بالرسم علاقة هواية أكثر منها احترافاً على الرّغم من أنّها تعلمت الفن ذاتياً وبدأت تجربتها مع الرسم منذ 20 عاماً، كما تلقت دورات احترافية بكلية الفنون الجميلة حيث اكتسبت خبرة كبيرة فيما يتعلق بالتقنيات والمواد المختلفة، بالإضافة إلى النصائح المساعدة من قبل فنانين محترفين.
وتقول منى ، «إنها تسعى دائماً في لوحاتها إلى التعبير عن نبضات ومشاعر، فترسم بشغف وعاطفة وفرح»، مؤكدة أنّ الفن بالنسبة إليها هو فرصة للتحرر من الأوامر الصارمة التي يضعها العقل والقواعد الثابتة للمنطق، حيث تحاول تشييد عالمها الخاص على أساس من الفوضى المنظمة أو الغير المنظمة في بعض الأحيان.
قد يهمك ايضاً :
خالد العناني يتفقد الكشف الأثري الأخير ومشروع ترميم هرم زوسر