كوكب الشرق أم كلثوم

لم تكن أم كلثوم تتمتّع بالشّهرة العارمة كسيدة الغناء العربي؛ لكنّها كانت معروفة بصوتها الطّربي المميّز، حين أتت لمقابلة رجل الاقتصاد المصري طلعت حرب، لتشكو إليه عقد احتكار وقعته قديمًا بشروط جائرة، فسخُه يتطلّب دفع مائتي جنيه، وهو مبلغ ضخم بحسابات النّصف الأول من القرن الماضي.

استجاب طلعت حرب للمغنّية الشّابة، وأقرضها المبلغ للتّخلص من عقد الاحتكار، بضمان صوتها الذي لا مثيل له، قبل أن يتبنّى تقديمها في عدد من الأفلام من إنتاج «شركة مصر للتّمثيل والسينما»، التي أسّسها "بنك مصر"، ضمن 15 شركة أخرى، لاستثمار أموال مودعيه المصريين، كأوّل بنك وطني أهلي مصري , لذلك لم يكن من العجيب أن ترثيه أم كلثوم بعد وفاته ببضع سنوات، بأغنية " اذكروه خلدوه "، من كلمات صالح جودت، وألحان رياض السنباطي.

ويتناقل الحكاية السّابقة العاملون في متحف طلعت حرب التابع لبنك مصر، الذي يقع في المبنى التاريخي في شارع محمد فريد في وسط البلد , وأُنشئ المتحف عام 2011، تخليدًا لذكرى طلعت حرب باشا، الذي لقب بـ "رجل الاقتصاد المصري "، وساهم خلال فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية، في تحرير الاقتصاد المصري من تبعية الاحتلال الأجنبي، عن طريق إنشاء أول بنك مصري، ومجموعة من الشّركات المهمة، مثل: " مصر للغزل والنسيج "، و "مصر للطيران" ، و"مصر للتأمين"، و"مصر للمناجم والمحاجر"، و" مصر لصناعة وتكرير البترول" ، و" مصر للسّياحة "، و" استوديو مصر"، وغيرها.

ويضمّ المتحف عددًا من الأوراق، والوثائق التاريخية، بعضها من مقتنيات البنك نفسه، وبعضها تم إهداؤه إلى المتحف من قبل أسرة طلعت حرب، الذي يحرص أولاده وأحفاده على زيارة المتحف باستمرار، للاطّلاع على سيرة جدهم , وتعكس مقتنيات المتحف جانبًا آخر من شخصية المفكر الاقتصادي، من ضمنها حرصه الشّديد على الوقت. ففي حجرة الاجتماعات الخاصة به يُلحظ صغر حجم المقاعد، واختفاء مساند الظهر، بالإضافة إلى صغر مساحة الغرفة في الأساس.

تقول شيرين محمود، مسؤولة المتحف، إنّ تصميم تلك المقاعد جاء ضمن فلسفة طلعت حرب في إدارة الوقت، فالكراسي لا تسمح للجالس بالجلوس فترة طويلة، وبالتالي فإن الاجتماعات جميعها تكون موجزة، إضافة إلى ذلك نجد سجلات ضخمة تضم أسماء المودعين، تعود إلى إنشاء بنك مصر عام 1920، كتبت بخط اليد، ولا تحمل خطأ واحدًا، على ما يبدو أنّ النّظام الشّديد كان من ضمن صفات طلعت حرب أيضًا، ومن حوله.

أمّا من النّاحية السّياسية، فكان طلعت حرب مقربًا من كل الجهات التي ترفض هيمنة الاستعمار، فتظهر الصّور المعلقة على الجدران علاقته مع الزعيم الوطني سعد زغلول، والملك فؤاد، الرافض للهيمنة الإنجليزية على حكمه.

تقول شيرين محمود، إنّ الملك فؤاد أهداه لقب «الباشوية» عام 1930، خلال حضوره افتتاح مصنع مصر للغزل والنسيج، الذي وصل عدد العمال فيه إلى 12 ألف عامل، وهو عدد كبير وقتها، مشيرة إلى إحدى الصّور المعلقة في المتحف، التي تمثّل خروج آلاف العمال وقت انتهاء العمل.

ومن المقتنيات الطّريفة في المتحف صورة قديمة لعربة كتب عليها «شركة مصر لمصائد الأسماك»، المملوكة لبنك مصر أيضًا، وتمثّل أول شركة لتوصيل الأسماك للفنادق والمنازل، بعيداً عن منافذ البيع، كما ابتكر طلعت حرب أول نظام للإعلان داخل الأفلام السينمائية المنتجة من قبل «شركة مصر للتمثيل والسينما»، ويمكن ملاحظة ذلك خلال أحداث فيلم «سلامة في خير»، للراحل نجيب الريحاني، كما تؤكد شيرين محمود.

في المتحف أيضًا عقد تأسيس بنك مصر، بإمضاء عدد من السياسيين ورجال الاقتصاد في مصر خلال بداية القرن الماضي، كـ«شيكوريل»، و«قطاوي»، وعدلي باشا يكن، وغيرهم , وكتاب عن قناة السويس يرفض استمرار هيمنة الأجانب عليها، ويضمّ خريطة تفصيلية للقناة، يقول العاملون في المتحف إنّ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر استعان بها خلال تأميمه للقناة، بعد صدور الكتاب بسنوات , و يضمّ المتحف استقالة طلعت حرب عقب التدهور المالي الذي أصاب البنك، خلال نهاية الحرب العالمية الثانية.

وسحب المودعون وقتها أموالهم خوفًا من تبعات الحرب، فاشترط البنك التابع للاحتلال الأجنبي تسلّم أصول الشركات التابعة لبنك مصر، مقابل إقراض البنك، إضافة إلى الضغط على طلعت حرب باشا لتقديم استقالته، فنقل عنه عبارته الشّهيرة " فليذهب طلعت حرب... وليبقَ بنك مصر

قد يهمك أيضاً :

روائع التراث تقدمها فرقة عبدالحليم نويرة في حفل بدار الأوبرا

فرقة "فلامنكو دي مدريد" الإسبانية تحيي 5 حفلات في دار الأوبرا

"