فن النسيج والزرابي من التراث المغربي

وفق تصور يهدف إلى خلق تناغم بين الخصوصيات المعمارية لبناية دار السي سعيد التاريخية والمجموعات المتحفية المعروضة، يقترح المتحف الوطني للنسيج والزرابي في مراكش، على زواره، تحت عنوان "إبداعات الأمس واليوم"، شهادة فنية على تراث مغربي غني، متبنياً، في سبيل ذلك، طرقاً ووسائل جديدة لعرض فن النسيج والزرابي بالمغرب.

يقع المتحف الوطني للنسيج والزرابي، في قلب المدينة العتيقة لمراكش، وهو يعد مثالاً حياً للعمارة المغربية الأندلسية، ممثلة في دار السي سعيد، التي بنيت من طرف سعيد بن موسى وهو من الشخصيات البارزة خلال فترة حكم السلطان العلوي المولى عبد العزيز (1894 - 1908)، إذ تقلد منصب وزير الحرب، كما أنه الأخ الشقيق لباحماد، الصدر الأعظم في ديوان المولى عبد العزيز.

ويمثل المتحف، الذي تناهز مساحته 2800 متر مربع، رصيداً تراثياً مهماً، خصوصاً بعد أن تحولت البناية، خلال فترة الحماية الفرنسية، إلى متحف للفنون المحلية، ليستقبل، منذ تأسيسه سنة 1930، ورشات لحرفيين يقومون بعرض تقنياتهم التقليدية، كما مكن من جمع تحف مختلفة ومتنوعة تتراوح تاريخياً بين القرنين السادس عشر وبداية القرن العشرين. 

وبعد استقلال المغرب، تم توزيع البناية ما بين مصلحة الصناعة التقليدية والمتحف الذي ضم الرياض الكبير بقاعاته الأربعة والرياض الصغير وطابقين وعدة ملحقات، محتضنا، وقتها، مجموعات متحفية من منطقة مراكش، تشمل الأعمال الخشبية والجواهر والفخار والخزف والأسلحة والزرابي والنسيج، وغيرها.

وغير مشروع ترميم هذه البناية التاريخية، الذي بادرت إليه المؤسسة الوطنية للمتاحف، التي انتقل إليها أمر تدبير شؤونه في إطار استراتيجية تهدف إلى إعادة تأهيل المتاحف الوطنية وجعلها فضاءات جذابة تغني العرض السياحي الوطني، من توجه ومضمون متحف دار السي سعيد، الذي صار يقترح، من خلال تسمية المتحف الوطني للنسيج والزرابي، مساراً سينوغرافيا يلقي الضوء على فن النسيج والزرابي المتوارث، متوخياً إبراز مراكز إنتاج الزرابي، القروية منها والحضرية، مع الحفاظ على الخصائص المعمارية للفضاء التاريخي، مقترحاً معروضاته وفق محورين أساسيين، بحيث يبرز الأول غنى وتنوع النسيج المغربي، بشقيه القروي والحضري، متجلياً من خلاله أصالة هذه الصنعة عبر الأقمشة والمواد المستعملة أو من خلال المنسوجات المحصل عليها، مع إغناء المجموعة بقطع أخرى بغرض إظهار فن النسيج في بيئته. فيما خصص الثاني لفن الزربية، كونها عنصراً بأبعاد تاريخية واجتماعية مهمة، وذلك من خلال تقريب الزائر من المراحل التي يمر منها نسج الزربية والتركيز على مختلف أشكالها ووظائفها وكذا أهم مراحل النسيج بالمغرب.

ويتوخى المتحف، في صيغته المتجددة، حسب الساهرين عليه، القيام بمهمته الأساسية، والمتمثلة في نشر المعرفة على أكمل وجه، وذلك من خلال منح تجربة متحفية غنية لزواره تمكنهم من الاطلاع على فن متناقل يعكس غنى وتنوع الثقافة المغربية، مركزاً على الزرابي التي نسجت بمختلف جهات المملكة، بشكل يكرم الصانعات والصناع التقليديين المغاربة الذين ساهموا في إغناء الثقافة المغربية، ومعبراً، في الوقت ذاته، عن أهمية الزربية وحضورها في الحياة اليومية للأسر المغربية ومختلف استعمالاتها.

وتعد الزربية أحد أهم عناصر التراث الثقافي بالمغرب، إذ يعكس إنتاجها دقة الحائكة وبراعتها. وترجع أقدم زربية محفوظة إلى القرن الثامن عشر، وتحديداً إلى سنة 1787.

وتتجلى أهمية الزربية من خلال حضورها اليومي في حياة العائلات المغربية، وكذا تعدد استعمالاتها، فتأتي على شكل سجاد، أو أثاث للحائط، أو كيس حبوب، فضلاً عن إمكانية استعمالها كفراش، أو كزينة للخيمة أو سرج الفرس. وتحضر أيضاً، في الزوايا والمساجد، إذ تستعمل في تأدية فريضة الصلاة، كما تحضر، أيضاً، في المناسبات، حيث تستعمل كمهر للعروس أو كجزء من الهدايا المقدمة من لدن العريس.

ونظرا لكونها منتجاً، تعبر الزربية، كغيرها من المنتجات الثقافية، عن الخصائص التقنية والجمالية لكل جهة من الجهات التي تمت حياكتها بها.

ويتم تقسيم الزربية المغربية إلى قسمين: قروية وحضرية. وفيما تشمل الحضرية مراكز الرباط والدار البيضاء وتتميز بكثافة عقدها وغنى نمط تزيينها النباتي، تنقسم القروية، بصفة عامة، إلى نوعين: مجموعة الأطلس الكبير وحوز مراكش ومجموعة الأطلس المتوسط وشرق البلاد. ويعرف الأسلوب القروي بهيمنة النمط الهندسي وقلة الاستعانة بالرسومات المستوحاة من جسم الإنسان أو من الحيوان.

وتتوزع مناطق إنتاج الزرابي في المغرب، إلى خمس مناطق، حيث نكون مع زربية الأطلس المتوسط وزربية الأطلس الكبير والصغير وزربية الحوز والزربية الحضرية وزربية المغرب الشرقي.

فيما لم ينس المتحف إبراز جانب متعلق بالنسيج وصناعة الجلد في الصحراء، حيث تتميز المناطق الصحراوية بالصناعة الجلدية المنسوجة وبدباغة جلود الإبل والماعز والأغنام والظباء والغزلان التي تستعمل لصنع حقائب التوفير (تاسوفرة) وحصائر (السمار) ودلاء الماء والوسائد (أسرعي) والسلال (التبك). فيما يبقى نسج الخيمة من اختصاص المرأة الصحراوية التي تقوم بتعليمه لبناتها، وتصنع الخيمة بواسطة قطع تسمى (فليجة) ذات أحجام مختلفة من جلود الماعز وتنسج عن طريق (المخيط) وخيط (النيرة). 

ويتجلى نسج الملابس الرجالية الصحراوية في صناعة (الدراعية)، وهي كساء فضفاض أبيض أو أزرق، مع فتحتين على الجانبين وجيب على الصدر. ويرتدي الرجال تحت الدراعية سراويل فضفاضة مع حزام جلدي (لكشط)، وكذا لثام أسود على رؤوسهم. أما بالنسبة للزي النسائي المميز لهذه المنطقة، فهو (الملحفة)، وهي قطعة قماش قياسها 4 أمتار في الطول، وعرضها لا يتجاوز متراً وستين سنتيمتراً.

ويستمد النسيج القروي أصالته من غنى الثقافتين الإغريقية والأمازيغية التي شكلت هوية غنية برموزها، وظلت ساكنة المناطق القروية، التي كانت في الغالب من الرحل، تصنع من صوف الماعز ووبر الإبل أشرطة من القماش يتراوح عرضها ما بين عشرين وثلاثين سنتيمتراً، قبل أن يتم جمع هذه الأشرطة للحصول على أقمشة بحجم أكبر تستخدم كسلاهم أو غطاء أو زربية.

فيما يتكون تصميم الزربية الحضرية من عدة إطارات تحدد وسط الزربية المستطيل والمزخرف، إما بنجمة أو شكل هندسي أو وردة. ويتم تزيين حقل الزربية باثنين من الأقواس، تسمى «القبة». 

ويحيل وجود زخارف في الزربية الحضرية، التي تستنبط أشكالها من الهندسة المعمارية للمنزل المغربي التقليدي بفنائه المركزي وغرفه الجانبية التي تحيل على فن الزليج والجبس، على عدة معانٍ ودلالات: فشكل الطائر المحلق يعتبر رمزاً للأخبار السارة والسعيدة، وتعني سنبلة القمح الولادة والوفرة، فيما تنقل قرون الكبش لمعاني القوة والمروءة.