موضوع "الفن التشكيلي العربي وسيميولوجيا الإرهاب"

صدر حديثًا العدد (57) من مجلة "ذوات" الثقافية العربية الإلكترونية الشهرية، الصادرة عن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، برئاسة تحرير الكاتبة المغربية سعيدة شريف، وشهد العدد مشاركات مصرية وعربية متنوعة.

جاء ملف العدد مخصصًا لموضوع "الفن التشكيلي العربي وسيميولوجيا الإرهاب"، من أجل تقوية الخطاب التخصصي الموصول بالفن التشكيلي أساسا، وتقديم رؤى ومقاربات متنوعة في التحليل السيميولوجي البصري لمجموعة من المواد البصرية والتشكيلية، لكشف توسع الحقل الدلالي الذي يتم إنتاجه حول ظواهر الإرهاب والتطرف في العالم والدوافع الثقافية والسياسية والدينية التي تتحكم فيه، ودور الفن والتربية الجمالية في التصدي لظاهرة الإرهاب وأهميتها في تفعيل التنمية الثقافية في المجتمعات العربية، بالإضافة إلى تناول العلاقة الملتبسة بين الفن والدين، ودور المثقف في بناء السياق التنويري المضاد للإرهاب.

وصرحت الكاتبة المغربية سعيدة شريف رئيسة تحرير المجلة بأنه في عالم الصورة التي أضحت تغزونا باستمرار عبر مختلف وسائل الإعلام والقنوات المرئية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وأمام صور التقتيل والذبح والترويع والدمار، التي تقف وراءها مجموعة من التنظيمات الإسلامية المتشددة، التي تقوم بتهديد الوجود الإنساني وانتزاع كينونته، لم يكن أمام الفنانين التشكيليين العرب والنحاتين من خيار اليوم، سوى الوقوف ضد هذا التيار التدميري، وإدانته عبر لوحات فنية أو جداريات، ومنحوتات، أو تنصيبات فنية (Installations)، كما أسلافهم الفنانين العالميين الذين أرخوا للقتل والترويع، وعبروا عن نبذهم للحرب بوصفها آلة للدمار والتخريب.

اقرأ أيضًا:

مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" تنظم مؤتمر جدلية الدين والثقافة

ولم يكن الفن بمنأى عن التحولات الاجتماعية والسياسية التي عرفتها الإنسانية، حيث قدم الفن عبر العالم منجزات مهمة، ما زال التاريخ يذكرها، وهي أعمال تنتقد التقتيل والترويع والحرب والدمار، وكل ما لا يمت للحسّ الإنساني بصلة، ونذكر هنا لوحة "الإعدام رمياً بالرصاص" للفنان الإسباني فرانشيشكو دي غويا، التي شكلت مادة فاعلة لإدانة نابليون بونابرت، الذي كان يقتل كل من يقف ضده أثناء احتلاله لإسبانيا، ولوحة "الغرنيكا" للفنان الإسباني بابلو بيكاسو، والتي استوحاها من قصف مدينة "غرنيكا" من قبل الطائرات الألمانية والإيطالية في عام 1937. وكذلك الفنان الروسي فاسيلـي فيرتشـاغين صاحب لوحة "أنا طائر في السّماء"، التي قدم فيها ثلة من الجماجم تحلق فوقها الغربان السود، وبسبب تلك اللوحة اتهم بانتقاده للحرب، وبأنه يخدم الأعداء. ومن الفنانين العرب نذكر الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط، والفنان والنحات الفلسطيني سليمان منصور، والتشكيلي الكويتي سامي محمد، والفنان السوري يوسف عبدلكي، وآخرين.

وبالنظر إلى ما عرفته الرقعة العربية الإسلامية في السنوات الأخيرة من حروب وإبادة وتهجير، بسبب الصراعات والتطاحنات السياسية والأيديولوجية، وبروز العديد من الجماعات الإسلامية المتشددة، التي أصبحت تحرم وتحلل ما تشاء باسم الدين، وصار الرسم والنحت والفن بشكل عام لديها منبوذا، معلنة عن نوع من الصراع بين الفن والدين الإسلامي، في حين أن هذا الأخير بريء من كل ذلك، لأنه يعود بالأساس إلى أشكال التدين وإلى التأويل الخاطئ للنص الديني، الذي أدى بأنصار تلك الجماعات إلى تحطيم كل معالم الحضارة العربية الإسلامية المتمثلة في المنحوتات والتماثيل، أو بترها عبر قطع رؤوسها (قطع رأس تمثال أبي العلاء المعري في مدفنه بمعرَّة النعمان بسوريا، وتمثال شاعر الفرات محمد الفُراتي- تحطيم تمثال الطاهر حداد بتونس- تم اختطاف تمثال طه حسين في المنيا- وتمت تغطية تمثال أم كلثوم بحجاب- محاولة تحطيم تمثال عين الفوارة بالجزائر...)، وغيرها من السلوكيات التدميرية التي عرفتها العديد من البلدان العربية كأفغانستان والعراق، التي تعرض بها متحف الموصل إلى عمليات السرقة والنهب عام 2003، وإلى تحطيم محتوياته من طرف تنظيم داعش عام 2015.
لقد قاوم التشكيل كل أنواع الحروب، وواجه الإرهاب بمختلف أشكاله، وظلت أعمال فنانيه شاهدة على العديد من المآسي الإنسانية، وكانت بمثابة وثائق بصرية خالدة، ترجع إليها كل الأجيال بين الفينة والأخرى، ولكن المشكل، كما أثاره العديد من الفناين العرب الذين تم استقاء آرائهم في هذا العدد، هو عدم الاهتمام واللامبالاة التي تواجه بها هذه الأعمال من طرف العديد من المؤسسات الرسمية في البلدان العربية، وعدم اقتناعها بجدوى الفن في مواجهة التطرف والإرهاب، هذا مع العلم أن له دورا رئيسا في مقاومة كل أشكال القبح والدمار، وقدرة على انتزاع الكراهية والحقد من المجتمع، وذلك عبر غرس الحس الجمالي والمساهمة في بناء إنسان سوي ومتعلم، قادر على تذوق الجمال والحفاظ عليه.

ومن هنا، وبعد تخصيص مجلة "ذوات" لملفات حول مختلف الأشكال التعبيرية من سينما ومسرح وإبداع روائي وغيرها، وطريقة مقاومتها ومواجهتها للإرهاب، جاء الدور على الفن التشكيلي العربي، الذي عرف في السنوات الأخيرة طفرة نوعية مهمة، أصبح يستحضر سؤالي الإرهاب والتطرف الديني، بخاصة وأن مجموعة من الفنانين العرب كانوا هم أنفسهم ضحايا لهذا التشدد والتفكير الظلامي، الذي يحرم المجسمات ويدمر التماثيل، ويحطم أنامل الرسامين البارعين، تنكيلا بهم وبعملهم الفني، الذي يفضح كل تلك الهمجية المتلبسة بالدين، ولا أدل على هذه الهمجية من الإعدام البشع للباحث الأركيولوجي ومدير آثار تدمر الأسبق السوري خالد الأسعد في عام 2015، الذي فضل الموت على أن يدل عناصر داعش على مواقع الكنوز الأثرية التدمرية.

يتضمن ملف هذا العدد من مجلة "ذوات"، الذي أعده التشكيلي والناقد الفني المغربي بنيونس عميروش، مقالا تقديميا له بعنوان: "معيار العمل الفني في مواجهة التطرف"، وأربع مساهمات؛ الأولى للشاعر والباحث والفنان التشكيلي الفلسطيني- الأردني إياد كنعان، بعنوان "سيميولوجيا "الإرهاب" في المشهد التشكيلي والبصري المعاصر (مقاربة خطابية ونقدية ثقافية مقارنة)"؛ والثانية للفنان التشكيلي والناقد الأردني د. غازي انعــيم، بعنوان "فاعلية الفن العربي والتربية الفنية والجمالية في تذويب التطرف"؛ والمساهمة الثالثة هي للأكاديمي والناقد المصري د. ياسر منجي، بعنوان "بين التصفية الجسدية والتخليد الرمزي؛ الفن التشكيلي العربي وتجليات العنف السياسي"؛ ثم المساهمة الرابعة، وهي للفنان التشكيلي السوري خالد الساعي، تخت عنوان "الفن التشكيلي العربي؛ الموقف والتعبير في مواجهة الأزمات". أما حوار الملف، فهو مع الباحث الجمالي المغربي موليم العروسي، الذي أشار إلى أن المقاومة بالإبداع هي أشدّ المقاومات على الفكر الظلامي، وأنه عندما تحط الحرب أوزارها يحتاج الناس إلى الحبّ والجمال لتضميد الجراح، ولهذا من الضروري مقاومة هذه الجماعات المتشددة بالفن والإبداع المعبرين عن الحياة والاحتفال، لأن كل ما تقوم به يسعى إلى تمجيد الفقر الروحي والجمالي.

وبالإضافة إلى الملف، يتضمن العدد (57) من مجلة "ذوات" أبوابا أخرى، منها باب "رأي ذوات"، ويضم ثلاثة مقالات: "الفن التشكيلي في مواجهة الإرهاب" للكاتب والباحث التونسي رضا الأبيض، و"دكتور إبليس ومستر شيطان" للكاتب السوري باسم سليمان، و"عقلنة القيم.. من الخطاب الفلسفي اليوناني إلى المعاصر" للباحث المغربي عبد الصمد زهور؛ ويشتمل باب "ثقافة وفنون" على مقال للباحث الأنثروبولوجي المغربي د. عياد أبلال بعنوان: "مضيافية اللون والشكل: من أجل إعادة قراءة العالم جماليا".

ويقدم باب "حوار ذوات"، لقاء مع الروائية التونسية عفيفة سعودي السميطي. الحوار أنجزه الكاتب والشاعر المغربي عبد الله المتقي. أما "بورتريه ذوات" لهذا العدد، فقد خصصناه للفنانة التشكيلية المغربية أحلام لمسفر، التي تقاوم بطريقتها الخاصة وتحارب كل أشكال البداءة والتخلف عبر إقامة فنية رائعة على "شاطئ البريش" بالقرب من مدينة أصيلة المغربية الشاطئية. البورتريه تحت عنوان: "أحلام لمسفر.. راعية الضوء واللون على شرفة بحرية"، وهو بقلم الإعلامي المغربي نزار الفراوي.

وفي باب "سؤال ذوات"، يستقرئ الكاتب والإعلامي المصري وائل سعيد آراء مجموعة من الفنانين التشكيليين والنقاد العرب حول "الفن التشكيلي العربي ومانفيستو الإرهاب: ما مدى فاعلية الفن في مواجهة الإرهاب؟". وفي باب "تربية وتعليم" تتناول الباحثة المغربية وأستاذة الفلسفة د. كوثر فاتح موضوع "رهانات التحديث في التعليم"، فيما يقدم الكاتب والباحث المغربي عبد الرحيم رجراحي، قراءة في كتاب "التداوي بالفلسفة" لسعيد ناشيد، الصادر عام 2018 عن "دار التنوير" بلبنان، وذلك في باب كتب، والذي يتضمن أيضاً تقديماً لبعض الإصدارات الجديدة لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، إضافة إلى لغة الأرقام، المخصصة لتقرير "تكاليف المعيشة" الذي أجرته الوحدة الاستقصائية في مجلة "الإيكونوميست" The Economist البريطانية

قد يهمك أيضًا:

إقبال أجنبي لمشاهدة ظاهرة تعامد الشمس على معبد أبو سمبل

مدينة أبوسمبل تشهد إقبالًا كثيفًا بالتزامن مع الاحتفالية العالمية