بحيرة أبوقير في الإسكندرية وتجارب استصلاحها

شهدت بحيرة أبوقير الكثير من المعارك الحربية منذ أن غمرتها المياه، كما شهدت الكثير من التجارب لاستصلاحها منذ عام 1887م، نهايات القرن التاسع عشر وهي المشاريع التي باءت بالفشل آنذاك.

وتنشر بوابة "الأهرام" أهم معلومات عن بحيرة أبوقير بعد نجاح البعثة الأثرية المصرية الأوروبية التابعة للمعهد الأوروبي للآثار البحرية بالكشف عن عدد من الآثار بموقع أطلال مدينتي كانوب وهيراكلون الغارقتين في خليج أبي قير بالاسكندرية، والذي استمر قرابة الشهرين.

ولم تكن أبوقير معروفة في العصور الفرعونية ولا الحقب المختلفة في مصر، فهي كانت أرضا زراعية، وقد وصف المؤرخون ومنهم سترابون مدينة هيراكليوم التي تقع شمال شرق شاطئ أبو قير، ومدينة كانوب، كما وصف استرابون المستنقعات في الدلتا بأن المصريين يستخدمونها في زراعة نبات البردي.

وقال استرابون عن مدينة كانوبوس إنها تضم معبد سيرابيس الذي يعظم بتقديس بالغ فهو يهب الشفاء في اعتقاد الرجال ويسجل في المعبد أدوية للشفاء، ويعج المعبد كل ليلة بجماعة من الرجال والنساء في القوارب يعزفون الناي ويرقصون في غاية الفجور وهؤلاء يملكون بيوتا واقعة علي القناة.

شهدت أبوقير في عصر الحملة الفرنسية علي مصر، عدة معارك انتهت بتحطيم الأسطول الفرنسي أما في العصر الحديث كانت أبوقير أصغر البحيرات في عام 1925م وتبعد عن الإسكندرية حوالي 6 أميال من جهة الشرق، وكانت مساحتها تقدر ب50 ميلا وأبعادها 12 كيلوا مترا ونصفا من الشرق إلي الغرب، و9 كيلومترات ونصف من الشمال إلي الجنوب.

أما قاع البحيرة فقد كان مستويا تاما ومنخفضا علي سطح البحر بمتر واحد، وقد يرتفع ارتفاعا خفيفا حتي يصير أعلي من سطح البحر بنطف متر في طرفي البحيرة الغربي والشرقي.

وكشف كتاب الزراعة المصرية الذي كان مقررا علي المدارس الزراعية بمدارس مصر في عشرينيات القرن الماضي، أن البحيرة لم تكن قديمة الوجود بل تجمعت فيها المياه من مياة صرف الأراضي الزراعية في شرقها ومياه الإمطار التي يبلغ متوسطها 20 سنتميترا في السنة.

وكان يبلغ عمق المياه في النقط المنخفضة بالبحيرة ثلاثين سنتميتراً تاركا طبقة من ملح الطعام، أما الآثار الظاهرة تماما لمجاري المياه القديمة وأطلال المنازل تثبت هناك ما أيده التاريخ من أن البحيرة كانت أراضي زراعية، ومن المحتمل أن الزراعة بقيت فيها حتي منتصف القرن الثامن عشر حينما طغي البحر وأتلف المزارع.

وأكد كتاب الزراعة المصرية المطبوع عام 1925م، أنه تم تحليل البحيرة من خلال الدكتور فولكر حيث وجد بها أوكسيد الحديد وجيرا وصودا وغيرها من المواد العضوية وقد بدأ إصلاحها في شهر أبريل عام 1887م وكانت لمسألة كيفية صرف مياه البحيرة من خلال رفع المياه بالمضخات، وعمل سحارة تعمل تحت ترعة المحمودية وتصب في بحيرة مريوط، إلا أن الحكومة المصرية رفضت عمل السحارة وقررت عام 1891م بعمل مضخات وتم تركيب اثنتين من المحل المشهور للخواجة جون.

في عام 1901م رفعت الحكومة 40 مليون متر مكعب من المياه وكان مقدار مايحرق من الفحم لتشغيل الآلات 12 مليون طن من الفحم، أما في ثلاثينيات القرن الماضي بعد تعميم كتاب الزراعة المصرية علي مدارس مصر ورصده لوجود آثار في البحيرة تمكنت طائرة شراعية من سلاح الجو البريطاني من تحديد آثار أبوقير واستطاع الأمير عمر طوسون بمساعدة الصيادين من تحديد المواقع الأثرية فيه، واستطاعوا انتشال رأس تمثال من الرخام الأبيض للإسكندر الأكبر وهو التمثال الموجود بمتحف الإسكندرية.

وعثر فريق فرنسي عام ١٩٨٥م، وبمساعدة كامل أبو السعادات على حطام سفن غارقة من أسطول نابليون بونابارت، وقاموا بانتشال أسلحة وذخائر خاصة بالحملة الفرنسية على الشرق. كما اكتُشفت بعض المدن الغارقة؛ مثل مدينة هيراكليوم التي تقع شمال شرق شاطئ أبو قير، ومدينة كانوب حيث اكتُشفت أطلال معبد وأجزاء تماثيل آلهة مصرية من العصرين البطلمي والروماني.

وفي عام 1995م تم استحداث إدارة خاصة للآثار الغارقة في وزارة الآثار المصرية وهي الإدارة التي نجحت في اكتشاف الكثير الغارقة في كافة ربوع مصر من الإسكندرية شمالا حتي أسوان جنوبا ، وأوضح إيهاب فهمي رئيس الإدارة المركزية للآثار الغارقة، أن جميع أعمال البحث البحري لهذا الموسم تمت باستخدام جهاز المسح المقطعي للتربة SSPI، وهو أحدث جهاز مسح مقطعي، حيث إنه ينقل صورا عن الشواهد الأثرية الراقدة علي قاع البحر أو المدفونة أسفله، مشيرا إلى أن أعمال المسح الأثري في موقع أطلال مدينة كانوب أسفرت الكشف عن بقايا مجموعة من الأبنية تمنح مدينة كانوب امتداد آخر نحو الجنوب لمسافة 1 كم، عثر به علي بقايا ميناء ومجموعة من الأواني الفخارية من العصر الصاوي وعملات ذهبية ومعدنية، وحلي ذهبية من خواتم وأقراط، بالإضافة إلى عملات برونزية من العصر البطلمي، وعملات ذهبية من العصر البيزنطي، مما يرجح أن المدينة كانت مأهولة بالسكان في الفترة مابين القرن الرابع قبل الميلاد والعصر الإسلامي.

وأما في منطقة أطلال مدينة هيراكليون الغارقة، أوضح فرانك جوديو رئيس البعثة، أن البعثة كشفت عن جزء من معبد مدمر بالكامل داخل القناة الجنوبية؛ وهو يعد المعبد الرئيسى للمدينة (آمون جرب)، بالإضافة إلى العديد من الأواني الفخارية الخاصة بالتخزين وأواني مائدة من القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد، وعملات برونزية من عصر الملك بطلميوس الثاني، وأجزاء من أعمدة دورية، والتي ظلت محفوظة علي عمق ثلاثة أمتار من الطمي داخل قاع البحر، فضلا عن بقايا معبد يوناني أصغر داخل طمي القناة.

وأشار جوديو، إلى أن أعمال المسح للموقع باستخدام جهاز SSPI أسفرت عن وجود امتداد آخر لميناء هيراكليون، والذي يتكون من مجموعة من المواني التي لم تكن معروفة من قبل.

وأضاف فهمي رئيس الإدارة المركزية للآثار الغارقة ، أنه تم أيضا دراسة بعض حطام السفن الأثرية التي تم اكتشافها من قبل والذي بلغ عددها 75 سفينه؛ منها سفينة علي الطراز المصري القديم من نهاية القرن الخامس قبل الميلاد و قد وصفها هيرودوت بأنها من نوع Baris مثل حطام السفينة رقم 6 وحطام السفينة رقم 17 ، بالإضافة إلي سفن المواكب الطقسية مثل حطام السفينة رقم 11.

كما أوضح فهمي أنه تم الكشف الكامل عن حطام السفينة رقم 61، والتي كان يعمل فريق مصري متخصص على مدار أربعة مواسم، حيث توصل إلى أن السفينة بطول 13 مترا وعرض 5 أمتار، وكانت مدفونة بالطمي على عمق يتراوح ما بين متر إلى ثلاثة أمتار، وعثر بها على العديد من الأواني الفخارية والمعدنية وعملات وحلى. ويمكن أن يؤرخ الحطام مبدئيا للقرن الرابع ق.م. وجارٍ دراستها حاليا، تمهيدا لإعداد النشر العلمي لها بالاشتراك مع البعثة.

قد يهمك ايضا

"سلامة" الأهرام ماضية في الاضطلاع بدورها في دعم القطاعات الاقتصادية المصرية

باحث أثري يستعرض المعارك الحربية في التاريخ العسكري المصري