بغداد - نجلاء صلاح الدين
يعد المتحف العراقي من المؤسسات الحكومية الأولى من ناحية التأسيس، من خلال فكرة طرحتها الرحالة الإنكليزية مس بل، في العشرينات من القرن الماضي، وكان المتحف العراقي عبارة عن غرفة بسيطة جدا في بناية القشلة.
وللمزيد من المعلومات عن تاريخ المتحف العراقي
التقينا بمدير عام المتحف الوطني العراقي أميرة عيدان، موضحة لنا أسباب تأسيس المتحف بالقول "إن الأسباب عديدة من بينها استخراج آثار كثيرة نتيجة للتنقيبات، التي كانت تُعرض على الجمهور في ذلك الوقت".
وأكدت أن التنقيبات علم ظهر في أوروبا من بدايات مبكرة جدا كانت البداية في مناطق الشرق بشكل خاص، وعند سؤالها لماذا تحديداً في العراق، بيّنت عيدان،"أن المعلومات الأساسية جاءت من خلال الدول الأوروبية عن طريق مصدرين الأول وجود التورات بشكل رئيسي وأساسي، لأنها ذكر فيها حضارة (اور،نينوى ،الوركاء ،الخ )، أما المصدر الثاني هو توافد المستشرقين والرحالة إلى العراق بعد قراءتهم الروايات والمؤرخين القدامى أمثال "هيرودست" الذي ذكر في العديد من الروايات حضارة بابل وآشور"، إضافة إلى "الكم الهائل من المعلومات التي وردت في التورات عن وادي النهرين والتي وصفتها "جنة عدن في الأرض"، وبدأ بعد ذلك توافد الرحالة والمستشرقين إلى العراق في مراحلة مبكرة جدا، دونوا فيها مشاهدتهم للقطع الأثرية في وادي النهرين، من خلال كتب أرشفت في المكتبات".
وقالت إن عمليات التنقيب بدأت بطريقة بدائية جدا، عن طريق الرحالة الأوروبية، بدخولهم كمجاميع ودبلوماسيين للتنقيب على الآثار، و"الاهتمام الأكبر كان ينصب في إخراج أكبر عدد من القطع الأثرية وليس على أهمية القطع والعناية بها".
وأكملت عيدان الحديث في "نهاية القرن التاسعة عشر تقريبا بدأت عمليات التنقيبات الحديثة والعلمية الكبرى، للمنقبين الإنكليز والفرنسيين في كل من (بابل وآشور)، مبينة لنا "عدم معرفة المختصين من الأثريين، وجود جنوب أو شمال في بلاد النهرين، والتركيز كان ينصب عن حضارة "بابل واشور"، ومن خلال التنقيب اكتشفوا حضارة أخرى أبعد من هذه الحضارات بآلاف السنين هي "الحضارة السومرية"، وبدأ البحث في الجنوب، وأخرج كميات كبيرة من الآثار في المنطقة".
يذكر أن دولة العراق آنذاك لم يكن لها" قوانين" ولا تعرف معنى "آثار"، ووصفها الأوروبيون بأنها "دولة نائمة".
وأوضحت أن فكرة تأسيس المتحف العراقي مثل ما ذكرت في بداية الحديث عن طريق الرائدة مس بل، في غرفة صغيرة في مبنى القشلة، وكثرت عمليات التنقيب وازداد أعداد القطع الأثرية المستخرجة للمنقبين والباحثين، واكتشاف حضارة جديد أقدم من الحضارة "الآشورية والبابلية والأكدية" وهي حضارة "سومر"، مما أدت الحاجة إلى متحف أكبر، وفعلا انتقل المتحف إلى بناية في شارع المأمون".
وتابعت قائلة إن القوانين العراقية ظهرت لتنظيم وضبط عملية دخول الآثار إلى المتحف العراقي ،ولضمان بعدم تهريب الآثار إلى الخارج، وهنا برزت الحاجة إلى بناء متحف يوازي المتاحف العالمية الحديثة.
وأشارت إلى "أن المتحف بني في نهاية خمسينات القرن الماضي بافتتاح رسمي، وبني على أساس التدرج الزمني لعصور ما قبل التاريخ، حيث كان الإنسان يعيش في الكهوف، بعد ذلك بزوخ حضارات سومر "الامبرطورية الكبرى"، والحضارات الجزرية "الجزيرة العربية السامين "الأكديين والبابليين والآشوريين"، وصولا إلى فترات الاحتلال الذي حدثت في العراق ،وعصر ما قبل الإسلام والحضارات الإسلامية وحتى التراثية الحديثة"، وبينت عيدان "أن القطع الأثرية كلها عرضت بشكل متسلسل في المتحف العراقية"، وتوضح هنا " تميز المتحف الوطني العراقي عن المتاحف العالمية بالتسلسل الزمني للقطع الآثارية التاريخية القديمة ،من "بداية الخلق إلى الفترات الحديثة على وفق منهج علمي متسلسل من دون انقطاع" ،بعكس المتاحف العالمية التي نشاهد بها انقطاع في الحقبه الزمنية ورجوعها بعد ذلك.
وأضافت أن "المتحف العراقي مر بفترات عصيبة جدا وهو غير محظوظ بالمرة مقارنة بالمتاحف العالمية، بثمانينات القرن الماضي"، بسبب "إغلاق واخلاء المتحف لعدة مرات ، ووضع القطع الآثارية في صناديق وإنزالها في المخازن أثناء الحرب العراقية الإيرانية".
ولفتت إلى أن "تحريك القطعة لمرات تؤدي إلى كسرها ورخاوتها وانهماك القطع ،وهي مادة رقيقة جدا عمرها يضاهي آلاف السنين، ويجب التعامل معها بمنتهى الحساسية على وفق المعاير الدولية "،وبسبب الصراعات السياسية ودورها السيئ انعكست على الواقع الأثري".
وأشارت "تم افتتاح المتحف الوطني العراقي ولمدة قصيرة ،واغلق بعد ذلك لنشوب حرب الخليج الثانية في تسعينات القرن الماضي"، لافتة إلى "الارتجال في القرار من قبل الحكومة السابقة ، وعدم إدراكها بأهمية القطع الآثارية التي لديها ، وماتسببه عملية الخزن والعرض ،إلى إتلاف القطع الآثارية أو تهشيمها بالكامل ".
وتعرض المتحف إلى هجمة شرسة أثناء الحرب الأخيرة مما تسبب إلى سرقة العديد من القطع الآثارية النفيسه العروضة، أما المعروضات الثابتة (التماثيل ،الخزانات ، الزجاج )، والتي ليس بإمكاننا رفعها من القاعات في ذلك الوقت "كُسرت وتهشمت " ،جميعها تعرضت للضرر.
ووضحت لنا أميرة عيدان مدير عام المتحف العراقي تسلمها إدارة المتحف في عام 2005 ولحد الآن، مؤكدة "الإهمال الكبير الذي تعرض له المتحف من (غرف إدارة ،بناية المتحف ،القاعات ،المخازن ،ارشيف ممزق )، مبينة الى "تعرض "الأرشيف إلى السرقة والتلف والتناثر، واستطعنا بعد ذلك إلى تجميع ماتبقى منه".
وعن سؤالنا كيف تم وضع آلية للأعادة المتحف الى وضعه الطبيعي أجابت عيدان "كان هناك أولويات في العمل ،الأولى أعادت المسروق من الأثار ،وتأهيل البناية والموظفين وقدراتهم، من خلال إرسالهم إلى دورات مكثفة، والعمل على جميع تلك الأمور، في وضع أمني غير مستقر.
وقالت عيدان "بعد عام كامل من إغلاقه عام 2005- 2006، تم افتتاح المتحف ،وباشرنا في التأهيل والصيانة للمخازن والقاعات، وزج المنتسبين إلى دورات ضمن برامج طويلة الامد ومتوسطة وقصيرة في اليابان أميركيا إيطاليا فرنسا ألمانيا بولونيا لتدريب ملاكات المتحف على مختلف المهارات".
وأعلنت عيدان عن "تأسيس معهد لصيانة الآثار في أربيل لعام 2009 ،الذي تم بناؤه في 2010، وإرسال ملاكات المتحف إلى دورات فيه ،علما أن "المعهد تابع إداريا إلى الهيئة العام للآثار والتراث في وزارة السياحة والآثار" .
وعن سؤالها ما إذا ساهمت دول التحالف ضمن بنود اتفاقيات الأمم المتحدة في صيانة المتحف، أكدت أن المعاهدات كلها ومن ضمنها معاهد جنيف لعام1954 نصت على "تحمل الدول المحتلة مسؤولية الممتلكات الثقافية للدول"، إذن بموجب هذه الاتفاقية لابد أن " تطبق بنودها وتلتزم بتعويض الأضرار التي سببتها للمتحف جراء الأحداث الأخيرة وأمام أنظار القوات الأميركية".
وبسؤالها عما إذا كان قد تم التعويض ومتى ، نفت قائلة إنه لم يتم تعويض سوى بدفعه واحدة لبناء معهد أربيل، وصيانة القطع الآثارية، إضافة إلى تأهيل جزء من المخازن والقاعات، وهذا لا يوازي شيئا أمام الخسارة التي حدثت لكل قطعة سرقة، وخسارة الأرشيف، لا تعادل حجم الكارثة التي إصابها المتحف الوطني العراقي.
وأشارت إلى أنه وحسب التوثيقات فإن 15 ألف قطعة سرقت من المخازن، لم يتم استرداد سوى ما يقارب 5 آلاف قطعة أو أقل، مازالنا نبحث عن عشرة آلاف قطعة أثرية مفقودة .
وبشأن ما إذا كانت الآثار المسروقة موجودة داخل العراق أم خارجه، قالت حسب ما توفر لنا من معلومات في الغالب الآثار موجودة في الخارج ، لأن أساس سرقة الآثار هو الترويج والبيع من قبل "المافيات" في الخارج، وتدفع مبالغ طائلة من المال على قطع عائدة إلى المتحف العراقي والحضارة العراقية، مبينة لنا أن "هناك أبعادا كبيرة خطرة جدا لها علاقة بالمعتقدات القديمة للعديد من الاثنيات الدينية، والكثير من الشعوب تأذت من سياسة العراقيين القدماء ،فبعضهم عدها مسألة ثأر ،مشددة القول "انه ملف شائك معقد ليس سهل جدا ،وبخاصة في ملف الاسترداد ،ليس من السهل "ان تستردين قطعة يجب اثباتها" .
وكشفت أميرة عيدان المشكلات التي تواجه المتحف وهي في الغالب ليس بالقطعة المؤرشفة التي تخرج من المتحف نستطيع استردادها خلال شهر واحد ، وإنما المشكلة " بالقطع الأثرية المنهوبة من الموقع التي لانستطيع إثبات أرشفتها ،بسبب سرقتها من الموقع مباشرة الى سوق التداول العالمي .
وعما إذا كانت الآثار العراقية قد تم كشفها في الخارج خصوصا أنها معروفة
أوضحت أن الكثير من القطع تم كشفها، وعرضت في المزادات الدولية تحت كلمة "تمثال بابلي أو ختم سومري"،وهم متأكدون بمصداقية عراقيتها، ولكن لابد من إثباتها مبررين "إرسال تلك القطعة مثلا "كهدية إلى الحضارة المصرية" ليس بالضرورة تكون في العراق"، وأضافت "حجم المعاناة التي نواجهها في ملف الآثار ،كبيرة جدا ، والمحاكم القضائية تتابع تلك الأمور، ولكن مع الأسف صدمنا بالقوانين الدولية لكل بلد"،موضحة لنا "القوانين ليست مكيفة ضمن القوانين الدولية ،كل دولة لها قانونها الخاص، وتلك القوانين تعاكس ماجاء ضمن الاتفاق الموقعه عليه حسب بنود الاتفاقيات الدولية، وكان لابد الالتزام بتلك القوانين التي نصت عليها منظمة اليونسكو في السبعينات "بإعادة الآثار المسروقة إلى البلد التي سرقة منه ".
وقالت إن الكثير من الآثار التي تم تسلمها من الأجهزة الأمنية تكون معرضة للتلف، مؤكدة أسباب تعرض القطع الآثارية إلى الكسر هو "استخراج القطع الآثارية من قبل مواطنين وليس متخصصين بالآثار، يتم تجاوزهم على المواقع الآثارية، وإخراج أكبر عدد ممكن من الآثار، تخرج القطعة مشوهة وتالفة عليه الكثير من التأثيرات"، ما حدث في الماضي وما حدث اليوم من تسلم القطع المشوهة والمدمرة يعد "تحطيم مزدوج " للآثار العراقية.
ونفت وجود أي مردود مادي والسبب هو عدم افتتاح المتحف الوطني العراقي بشكل رسمي ، متى يتم افتتاحه يكون هناك رسوم مالية للدخول، الآن فقط نروج إلى آثارنا العراقية، من أجل إيصال صورة إلى العالم بأن الآثار العراقية بخير وسليمة، ومن الضروري جدا نشر هذه الفكرة.
وردت عن سبب عدم وجود آلة الحاسبة المبرمجة في المتحف مثلا "تتحدث ضمن جهاز يوضع في الأذن "الهيدفون"، من دون اللجوء إلى مرشد سياحي أجابت عيدان بالقول ،" أحسنتي "، أنا في الأسبوع الماضي تحدثت مع وزير السياحة والآثار على الموضوع ذاته وأيد الفكرة بشكل كبير، وأمر بتخصيص مبالغ لتفيذها، مؤكدة "شراء تلك الأجهزة ، ووضعها في المتحف قريبا جدا ، (اوديوا ) ،عن طريق وضع الجهاز في "الجيب" ويتم السماع بالغتين العربية والإنكليزية، مبينة الغرض من هذا الجهاز "معرفة تاريخ كل حقبة من تاريخ العراق من دون اللجوء إلى الدليل السياحي مثلا عند "دخول السائح إلى القاعة السومرية يتم شرح تفصيلي عن تلك المرحلة والفترة الزمنية، وعند النظر إلى القطعة الأثرية يكون لدى السائح معلومة كاملة عن المرحلة التاريخية التي تعود لتلك القطعة.
وردت على موعد افتتاح المتحف رسيما قائلة إن المتحف من الداخل كامل تماما ، والآن هناك تطوير وصيانة لبعض القاعات من قبل بعض الدول منها (يوغسلافاكيا إيطاليا)، مشيرة إلى "الأسباب التي تعيق افتتاح المتحف هو "وجود الأبواب الرئيسية للمتحف مباشرة إلى الخارج "المدخل الرئيسي" وهذا لا يجوز.
وتابعت بشأن إن كانت هناك فكرة لتغيير مكان المتحف العراقي أن هذا الموضوع طرح قبل ثلاثة أعوام، والمكان الذي تم اختياره رائع جدا ،وخصصت قطعة أرض لذلك، ولكن المشروع مازال قيد المراسلات، ليس هناك تنفيذ فعلي ولا تخصيص مالي للمشروع.
وكانت وزارة السياحة والآثار، أعلنت يوم 13 حزيران/يونيو 2013، موافقة منظمة اليونسكو على تجديد عضوية العراق في لجنة إعادة الممتلكات الثقافية التابعة للمنظمة، وبينت أن هذا "التجديد" جاء بعد جهود بذلتها الوزارة مع المنظمة الدولية لإعادة آثار العراق "المهربة".
وكانت وزارة السياحة والآثار العراقية، أعلنت، في 18 شباط 2013، وضع خطة استراتيجية بالتنسيق مع الجهات الوطنية المختلفة لاسترجاع الآثار التي سرقت بعد عام 2003، وكشفت عن نيتها تنظيم مؤتمر عالمي لحشد التأييد لقرار يجرم المتاجرة بالقطع الأثرية العراقية.
وتعرضت الآثار العراقية لأوسع عملية نهب في العام 2003، ما أدى إلى اختفاء آلاف القطع التي لا تقدر بثمن من المتحف الوطني في العاصمة بغداد ومن مواقع أخرى في أنحاء البلاد، واستعاد العراق مطلع 2010 قرابة 1046 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأميركية كانت ضمن قطع كثيرة هربت في أوقات مختلفة، وتم بيع اسطوانات تعود للحضارة السومرية في مزاد (كريستي) العلني في مدينة نيويورك بعد أن سرقت في أعقاب حرب الخليج الأولى عام 1991، كما أن عمليات سرقة الآثار ما تزال قائمة لا سيما في المناطق النائية التي تكثر فيها التلال الأثرية وتفتقر إلى الحماية الأمنية.