القاهرة ـ محمد الدوي
عُقدت ندوة خاصة في معرض القاهرة الدوليّ للكتاب لمناقشة كتاب الدكتور خالد زيادة "الكاتب والسلطان.. من الفقيه إلى المثقف"، ضمن نشاط "كاتب وكتاب"، في حضور أستاذ التاريخ المعاصر في الكلية د. إيمان عامر، ورئيس قسم التاريخ د. محمد عفيفي، وأدار الندوة الدكتور خلف الميري.
وتركزت المناقشات
على دخول العالم العربي الآن مرحلة جديدة نتيجة ثورات "الربيع العربي"، حيث يرى البعض أنها مرحلة تستلزم فضّ الاشتباك الذى كان موجودًا في العلاقة ما بين الكاتب والسلطة والعامة، خصوصًا أن الأيام القليلة التي سبقت الإطاحة بنظام حكم "الإخوان" شهدت نضالاً ثقافيًّا واعتصامًا قام به المُثقّفون داخل المؤسسة الرسميّة رافضين هذا النظام.
وأكد السفير د. خالد زيادة، مؤلف الكتاب، أنه اهتم بدراسة المؤسسات الثقافية والأجهزة الثقافية والتطور الذي طرأ عليها من القرن الثامن عشر وحتى القرن التاسع عشر، وأن الموضوع الرئيس للكتاب هو علاقة المثقف بالسلطة، منذ كان الفقيه هو مثقف السلطان، الذي يُصدر له الفتاوى التي تناسبه وتتوافق مع رأيه، وكيف تطوّرت هذه العلاقة وصولاً إلى المثقف في العصر الحديث، الذي حلّ محل الفقيه يسوغ للسلطة قمعها، ويكتب لها الرأي الذي يتوافق مع هواها، مضيفًا "لقد اقتنعت بأن ولادة المثقف في البيئة العربية ترتبط بتجربة التحديث في عصر النهضة والتنظيمات، وأن وظيفته لا يمكن فهمها إلا في ضوء الوظائف التي شغلها من قبل الفقهاء وكتاب الدواوين، مع التأكيد على ضرورة التمييز بين الوظيفة، التي يضطلع بها الفرد أو المؤسسة وبين الدور الاجتماعي والثقافي والسياسي، الذي يتبدّل تبعًا لتبدّل الظروف وتغيّر الأسئلة من حقبة إلى أخرى، وأن الفكرة السائدة أن المثقف ينبغي أن يكون معارض تحتاج إلى تصحيح".
وأشار زيادة، إلى أن المفكر الفرنسي هو مثقف معارض بطبعة منذ العام 1889، حيث كتب أحد المثقفين الفرنسيين مقال بعنوان "إني اتهم"، وأصبح هناك تراث فرنسي أن المثقف ينبغي أن يِكون مُعترضًا، ولذلك نجد أن المثقفين الفرنسيين انضموا إلى الحزب الشيوعي في الأربعينات، إلا أن هذا المثال لا ينطبق على ألمانيا، فالمثقف لعب دورًا فى بناء الدولة الألمانية، وفي مطلع القرن التاسع عشر شارك الفلاسفة في بناء الدولة من أمثال هيجــل، مؤكدًا أن "المثقف يمتلك الوعي، ولكن في لحظات التغيير والاحتلال نجد أن العلماء يستدعون إلى دور مخالف لطبيعتهم، وأن المثقف ليس بالضرورة يكون مُعارضًا، ولكننا نطلب منه هذا الدور لأنه أكثر وعيًّا في بعض الأحيان، ولكن هذا شىء لا يحدث دائمًا، ولكن يحدث في لحظات معينة، ولو كان المثقفون العرب قاموا بدورهم على أكمل وجه، لكان وضعنا اختلف، فكل شىء عندنا تدهور لأن كل فرد يلعب دور في غير الوظيفة المنوط به، وأن أسباب تراجع دور المثقف تعود إلى عدم رغبة الأنظمة وسيطرة الحزب الواحد الذي لا يقبل رأي مُخالف لرأيه".
وقالت أستاذ التاريخ المعاصر في كلية آداب جامعة القاهرة الدكتورة إيمان عامر، إن الكتاب تطرّق إلى فكرة توارث الأبناء لآبائهم في العلم، والكثير من التفاصيل عن التصوّف وأشكاله التنظيمية، ويرى أنها ظهرت في الفضاء الآسيوي، وتعرض للرفاعية والبدوية، وقد أوجد الكتاب مقارنة بين الجامع الأموي وتأثير جامع الأزهر، كما كان لعمر مكرم نصيب كبير من الدراسة، ويرى دوره كشريك لمحمد علي، وقدّم لنا الكتاب توضيحًا لكيفية ظهور الكائن الذي سُمي بالمثقف مع مطلع القرن التاسع عشر مع بداية النهضة والتحديث، ويجيب على تساؤل "هل يُشكّل المثقفون طبقة اجتماعيّة مستقلة؟"، وفي نهاية الفصل يتطرق إلى أن المثقف يُسلّم بأسبقية السياسة على الثقافة، وبالتالي تتقدم الأولويات السياسيّة على أسئلة العلم والفكر.
ورأت عامر، أن "وظيفة المثقف تُثير تساؤلات عدّة، لأن بداياته كان خادمًا للدولة، كما أن المثقف يعجز عن إقامة أية تجمعات داخل الدولة، ولذلك يبحث عن الجمعيات، وتعامله الدولة باستخفاف وأحيانا بحذر".
وأفاد رئيس قسم التاريخ في كلية آداب جامعة القاهرة الدكتور محمد عفيفي، بأن الكتاب اهتم بسؤال "لماذا تخلّف العرب وتقدّم الغرب؟"، ولذلك بدأ الكتاب منذ فترة المماليك، فيما أوضح أستاذ التاريخ المعاصر في كلية بنات عين شمس الدكتور خلف الميري، والذي أدار الندوة، أن المسألة لا تقتصر على المثقف، بل تدخل مع الصراعات السياسية والدولية، وأن الكتاب قدم رؤية شاملة ولكنها تغوص في أعماق الدراسات التاريخية، ويوضح الصراع ما بين الجماعات الإصلاحية والجماعات السلفية، وهي التي تُعدّ علاقة جدلية مستمرة حتى الآن.