أعمال الفنان سمير فؤاد

كثيرا ما نتوقف أمام العديد من اﻷطروحات الفنية على اختلاف صياغتها، معترفين بما تحمله بعضها من قيمة تشكيلية متفاوتة الجودة والقيمة، ونجدنا نقر في بعض اﻷحيان بأن المنتج الفني يحمل انعكاسات لخبرات تراكمية نلحظ تبلورها . وأساليب فنية تتأرجح بين النمطية المعهودة والتجريبية الثائرة، وطرحا بصريا بين الخمول الساكن و دفقات النشاط الصاخب؛ ولكن يبقى هناك جزء حسي لا نستطيع الوقوف على إحداثياته داخل العمل، وهو ذلك الجانب النابض والذي يبث الطاقة داخل العمل الفني، ويشعرنا بتلك الحياة التي تدب في جنباته، ويسبب لنا تلك الحالة من اﻹانجذاب، تاركا لنا ذلك اﻹنطباع الذي يعلق في أذهاننا.

وفي وسط ذلك الزخم من المنتج التشكيلي، تأتي أعمال الفنان الكبير سمير فؤاد كواحدة من تلك اﻷعمال التي تترك لدى المتلقي انطباعا يصعب زواله، وأثرا ممزوجا بمسحات الدهشة واﻹعجاب اللذان يعقبهما زفير مريح، وإحساسا برائحة الزمن الجميل، لما تحمله من مقومات عدة، ومن عناصر تقيم الصلب، وطراوة تنم عن نضارة تنضح من مبدعها الذي رعاها.

واﻷستاذ سمير فؤاد، واحد من هؤلاء الذين يحملون فيضا مفاهيميا وثيق الصلة بما يطرحه من منتج فني، وفكرا ذا ثقافة واسعة من صنف تلك الثقافة الواعية المدركة، فثقافته الفنية والأدبية والموسيقية والمعرفية بشكل عام واحدة من دعائم شخصيته وأعماله، وتجربته الفنية الطويلة، وغير النمطية، والتي ربما أكسبته تميزا بنكهة غير مألوفة، فهو يملك رغبة دائمة في التطلع إلى اﻷفضل في المستوى والطرح، فمنافسته الحقيقة هي تلك المنافسة الحاصلة بينه وبين ذاته، ونفسه دائمة التحفيز لملكاته التي تصنفه كصائغ ماهر، يرصع شخوصه بما يناسبها من حالات إنسانية تتحدث عن حال أصحابها، فلا نجده يجهد نفسه في محاولات التأصيل لموضوع منتجه، أو يقف مبررا لصياغة مشهده، بل يطلق منتجه على متلقيه ليتكفل بالحديث نيابة عنه، فسمير فؤاد هو المتلقي اﻷول لمنتجه وطرحه، وإرضاء ذاته في منتجه هي أهم أولوياته وأحد أهدافه، والعمل الفني إذا لم ينل رضاه فلن يأخذ تأشيرة المرور إلى قاعة العرض وإلى المتلقي.

ولكن تبقى في أعمال الفنان الكبير سمير فؤاد ميزة نادرة وسمة مميزة، أجدني أرصدها في كافة أعماله ومشاهده دون البقية من مناقب لوحاته، وهي التي تغلب على قراءتي لأعماله بشكل كبير، ألا وهي تلك الثواني التي يشعرني فيها دائما بتلك النبضات الحية و بذلك الحراك الحاصل في المشهد، فأجدني أستمع لتنهيدة إمرأة تأتي عقب أمنيتها التي تراها بعيدة المنال، وصرخة من أخرى ناهرة غيرها في حدة، حتى كلمات العيون والتي تنم عن نظرات الدلال والتي تصدر من ثالثة، لقد صور السهد والشوق والغرام واليأس والعبوس والفرح والهم والرجاء .. إلخ من كل تلك الحالات اﻹنسانية التي تصادفنا في واقع الحياة،

ولا أجد سببا واضحا في أن أرى تجربة المبدع اﻷستاذ  سمير فؤاد على مر مراحلها، تشبه نهرا يرتحل في جريانه من المنبع إلى المصب، ويجرف في طريقه غرينا خصبا، يطرحه بحكمة في مناطق محددة يرتأى مناسبتها في أوقات بعينها، وأجدها أحد التجارب الشيقة والرخيمة .

كما أجدها تجربة فنية اقتربت من الشكل المتكامل من ناحية التسلح بأدواتها المفاهيمية والفنية والتثقيفية واللغوية إن جاز التعبير، فأدواتها ومثيرات الطرح فيها متنوعة ومصقولة، فالنشأة كانت المدخل الحقيقي لتجربته، فوالده تتلمذ على يد اﻹيطالي / بولو فورشيلا أول مدرس في مدرسة الفنون الجميلة العليا التي أسسها اﻷمير " يوسف كمال " عام 1908، وعاصر الكبار الأوائل كمختار وراغب عياد ويوسف كامل وأنطوان حجار ومحمد حسن وغيرهم، والصبا والشباب المبكر أرسو قيمة الفن والفكر لدى سمير فؤاد من خلال إرتياده لصالون العملاق عباس محمود العقاد، والذي نقد أعماله المبكرة وناقشها في صالونه.

وحتى فرمان حرمانه من دراسة الفنون وتفضيل دراسة الهندسة من قبل والده إشفاقا عليه من تعرضه لمصاعب دراسة الفن و السير في دروبه، لقد لعب هذا الفرمان دورا في نمو ذلك اﻹضرار الداخلي لديه في المواصلة، وإن كانت بعد حين وزمن، وتحمل التجربة إستيعابا للحركة العالمية، نجمت عن ظروف اﻹنتقال إلى غرب أوروبا لظروف العمل والوظيفة والزواج، إلى الوصول للتعرف بإثنين من رموز التصوير المصري الحديث وهما الرائع الراحل صبري راغب، والمبدع الراحل حسن سليمان أحد أساطين التصوير المصري الحديث و الذي ربطتهما درجة صداقة .مكنته من رؤية عالم حسن سليمان الساحر عن كثب وارتادا معا أحياء القاهرة القديمة، وحظيت أعماله باهتمام الفنان الكبير الراحل حسين بيكار فنقدها وكتب عنها عام 1984.

والحديث عن مشوار حياة الفنان الكبير سمير فؤاد، هو أحد الأحاديث الشيقة ودائمة الوصل والامتداد، لما يذخر به من شخصيات وأعلام وأساطين لها شهرتها في تاريخ الفن المصري الحديث والمعاصر، كما يذخر مشوار حياته بقيم تمثل مكاسب جمة، وثقافة واسعة قد تم تحصيلها من مصادر متنوعة، إلا أن أعماله قد حملت في وجهة نظري قيمة نادرة، سواء على مستوى التقنية أو على مستوى المفهوم وقصدية الطرح.

وهي أحد المكاسب التي تقاسمها معنا كجمهور ومتلقين، ودائما ما أجد نهر إبداعه يتفرع في دلتاه إلى فرعين رئيسيين وهما "التقنية واﻷسلوب"، وكلاهما يحمل غرين موهبته الخصب، ربما بطعم مختلف، ولكن ببصمة جين واحدة، وبلمسات تحمل درجة من درجات الخصوصية والتميز، فاﻷلوان المائية وهي غرام / سمير فؤاد اﻷول، وهي تلك التقنية التي أنارت له طريق الفن، وهي واحدة من أسلحة التقنية لديه، وأداتها اﻷولى ومنبر إعلانه عن موهبته، وكانت بمثابة عنصر التميز لديه في صباه وشبابه، وهي تلك التقنية التي مارسها بحرفية عالية، وصلت إلى حد قيامه بتأليف كتابه الهام " اﻷلوان المائية " والذي أراه واحدا من الكتب التي تعرضت بتخصصية لتقنية اﻷلوان المائية، وخاماتها وأدواتها ودرجاتها اللونية.

 وخلاصة القول فيها من خلال تجربة الرائع الفنان سمير فؤاد ومجموعته المائية، لقد أخذتني تلك المجموعة إلى عالم الألوان المائية والذي اقتربت منه منبهرا منذ أكثر من سبعة عشر عاما خلال عرض لأعمال المستشرقين المصاحب ﻹفتتاح قاعات عرض قصر الفنون عام 1998، والذي ضم العمل الرائع للفنان الكبير جون بيك "منظر لنيل القاهرة" تلك اللوحة الشهيرة والتي تعد من نفائس مجموعة متحف الجزيرة، والتي أعتبرها "مازوة" القياس بالنسبة لي لتحديد جودة العمل ومدى مهارة مبدعه .

وذلك العمل الذي أبهرني الفنان سمير فؤاد بتوصيفه عن ظهر قلب أثناء لقائي الوحيد معه، وبتفاصيل غاية في الدقة حتى مناطق الظل والنور فيه، رغم عدم عرض تلك اللوحة منذ أكثر من سبعة عشر عاما، والتي يذكرها الفنان سمير فؤاد منذ أن كانت من مقتنيات متحف الفن الحديث فترة أن كان يضم بعض أعمال المستشرقين قبل نقلها إلى متحف الجزيرة وكان مكانه حينها في شارع هدى شعراوي في وسط القاهرة.

وبالعودة إلى أعمال المبدع سمير فؤاد في اﻷعمال المنتجة باﻷلوان المائية، فيجب أن نتوقف أمام موضوعين هامين تناول الطرح في كلاهما، فاﻷول هو : الطبيعة الصامتة، والتي أبدع فيها العديد من اﻷعمال المميزة، والثاني وهو : التشخيص، والذي مارس فيه تلك الحرفية والمهارة والموهبة في إبراز حالات تعبيرية ناطقة بحال شخوصها، والنماذج في الطبيعة الصامتة تجعلنا في حيرة من تفضيل بعضها على بعض، فأذكر منها ما وقعت أسير فرط إعجابي به، وقد يرى غيري في منتجه ما يعلو عليهم، وأولى تلك اﻷعمال هي تلك اللوحة التي رسم فيها تلك العظام التي صادفناها جميعا لدى محلات الجزارة أثناء تشفية الجزارين للذبائح.

وهي من إنتاج 1995 وبقياس 51* 70 تلك اللوحة التي أجدني أتوقف أمامها في إعجاب من فرط إحساسه بالتكوين، ودرجات اللون والتباين بينها، ورشاقة فرشاته التي أحدثت تحديب عظام الضلوع وحنيات الغضاريف، وبقاع اللون اﻷحمر القاتم المركزة، والتي تتلاشى مع اﻹتساع و تعبر عن فتات اللحم الذي ما زال متعلقا في أركانها، وتحديد مصدر اﻹضاءة الذي جاء ليزيد من واقعية المنظر، والظلال التي يصدقها المتلقي ولا يستطيع تحديد أبعادها، العمل في مجمله غاية في الروعة ويعبر عن مشهد من واقع عالق في ذاكرة الفنان، ويعكس مدى إمتلاكه ﻷدواته وتوظيفها في الرصد والتسجيل، والعمل الثاني من مائياته في الطبيعة الصامتة والذي جذب انتباهي بشدة، هو ذلك الذي تناول فيه تكوين "البازنجانات الخمسة"، وهي من إنتاج 2001 وبقياس 32*40، ذلك التكوين الذي يتحدث بنفسه عن صاحبه ومبدعه، والذي قام بتطبيق أسلوب السهل المنيع، فمجموعته اللونية في العمل محدودة للغاية قد لا تتعدى أربعة ألوان.

وجاء الخامس من أرضية الترك التي تمثل اللون اﻷبيض في المائيات، لقد أشعرني الساحر سمير فؤاد بطزاجة تلك الخضر، ونوعيتها الجيدة وعروشها الزيتية الباهتة، وكذلك لسعة الضوء المنعكسة من تلك الكتل الناصعة السواد، والربانية الصقل كما نجح بصورة كبيرة في اختيار التكوين وتوظيف وتسكين عناصره الخمسة وشذوذ الخامسة المستديرة عن تلك الأربعة في النوع والشكل، وأجد أن توصيفي وقراءتي لا يستطيعان مجارة تلك اللوحة من فرط إحساسه بها، وصدقه في تسجيل ورسم هذا التكوين.

أما عن التشخيص في مائيات الفنان الكبير سمير فؤاد فهنا يجب أن نتوقف لرصد تلك التعبيرية الغاية في الصدق، وتلك التعابير في الملامح والمصاحبة لشخصية كل لوحة، فالدراما في لوحاته تصدر تلك المتعة التي تشعرنا بأننا أمام أحد روايات الراحل الكبير نجيب محفوظ، ونستطيع استنباط حال الشخصية في زمن ما قبل لقطة اللوحة، وكذلك استنتاج ما يليها، وأجد أن القراءة في دراميتها من قبل المتلقي يفرض عليه من قبل الرائع سمير فؤاد، وقد استطاع من خلال مجموعة  "بنت النيل" والتي تناول فيها استعراضا لنماذج فتيات القطر المصري وكأنه يمر عليهم وعلى مدنهم وقراهم كمرور نهرهم على قراهم ومدنهم، فتناول الفتاة النوبية والمرأة الصعيدية وابنة الحضر وفتاة المدينة وبنات الدلتا وفتيات الثغر، وقد اخترت منهم نموذجان علقا في ذهني بصورة كبيرة، وأولهما هو بورتريه "بنت البلد" وهو من إنتاج عام 1995 وبقياس 50*34 سم، ذلك العمل الفذ الذي يمثل وجها لامرأة ناضجة جمع في ملامحها نوعان من اﻷحاسيس، اﻹنكسار الذي ينم عنه حدة نظرتها، ونظرة التوعد التي تملأ عينيها والتي تطلقها لتتيح للمتلقي اختيار ما يهواه من دراما ليلبسها حالتها، وجاءت الخطوط والظلال من قبل الساحر سمير فؤاد
ليمنحها تلك اﻷنوثة الطاغية والجسد المتفجر بالنضارة، ولم يكتفي بذلك، بل أخذ في انتزاع آهات اﻹعجاب من متلقيه من خلال وعي وحرفية وإدراك لما يفعل، فقد نوع اﻹضاءة في اللوحة لتأتي من مصدريين متضادين، فاﻷول جاء من خلف المرأة ليلمس حدود جسدها النضر في مباشرة، أما اﻵخر فهو غاية التمكن، فقد أتى به من منطقة يقف عندها المتلقي، واﻷجمل أنه جاء به في غير مباشرة بشكل يشبه تلك اﻹنعكاسات الضوئية الصادرة في البلاتوهات السينمائية، والتي تكون بشكل غير مباشر، وتمنح للأشياء ظلالا متفرقة ومنعدمة الحدود، مانحة تباينات لونية، و العمل في مجمله يوصف بأنه استثنائي اﻵداء وزيادة الوصف لا تجاريه.

والعمل الثاني وهو "ذات المنديل" وهو من إنتاج عام 2001، وبقياس 67*52سم، وهو يمثل فتاة بزي قاهري بسيط لفتيات المناطق الشعبية، وتضع منديلا أحمرا ذو خرزات بسيطة، والفتاة في المشهد تبدو وقد سرح خيالها إلى نوع من قراءة المجهول، أو ترتيب مصداقية رواية ستعلنها على الغير، أو استيعاب حدث مر، وكالعادة ترك لى سمير فؤاد اختيار روايتي كيفما أشاء، وجاءت الخلفية في شكل ضبابي يحاكي ما نراه في هامش الرؤية عند التركيز على مفرد ما، أو يحدث في لقطات التركيز من قبل كاميرا السينما، وجاء مصدر اﻹضاءة في ذلك العمل أقل تعقيدا عنه في لوحة "بنت البلد" وتعامل معه باقتدار واحترام رغم بساطته،

وإذا ما توجهنا نحو تجربته في التصوير، فنجده قد حصرها في التعامل مع الألوان الزيتية، وإن كان قد خاض تجربة اﻷكريلك والباستيل، ولكن يبدو أن كلاهما لم يشبعا رغبته و يمنحاه تلك المساحة الواسعة من إمكانات الخامة، والتي منحته إياها اﻷلوان الزيتية، وقد تميزت لوحته ببصمة خاصة، ذات تناول للتقنية من وجهة نظره ولمسته الخاصة به، وقد استطاع من خلال أسلوبه في تقنية اﻷلوان الزيتية أن يمنح اللوحة تلك الحالة من الطاقة والحركة والدراما وطرح وجهة النظر في التناول، والتي تميز أعماله بشكل عام، واستطاع أن يصدر دسامة اللون دون إفراط في كمه، وعايره على السطح بما يناسب أسلوبه، وتعامل معه بمستوى يناسب التصدير لثقافات رفيعة.

وقد وقع اختياري على اثنين من أعماله وهما ما ارتأيت فيهم مجرد نموذجين، ربما لا يمثلان تنوعات وتدرجات أسلوبه، إلا أنهما يحملان تلك المسحة المشتركة في كافة أعماله والمميزة لها وهى حركة الشخوص ونبضها ولسان حالها، والنموذج اﻷول : وهو الذي صور فيه إحدى السيدات جالسة على منضدة وكفاها مبسوطتان على المنضدة، وأمامها أحد اﻷطباق الفارغة وترفع رأسها بالسؤال إلى رب السماء وهي تبتهل فيما يطابق الدعاء والرجاء لله أن يرزقها قوت ساعتها، واللوحة من إنتاج 2015 وبقياس 70*60 ( زيت على توال ).

واللوحة تمثل حالة دراماتيكية بحتة تنتزع تعاطف المتلقي من الوهلة اﻷولى، استطاع الرائع الفنان سمير فؤاد أن يضع لها سيناريو يتسم بالثراء لمشهد مختزل و معبر، و يجبرنا على الوقوف طويلا أمام العمل، مكونين في أذهاننا مئات المقدمات المنطقية واﻷحداث الدرامية وصولا إلى مشهده الذي يعد بمثابة العقدة في العمل الدرامي، بل ويترك لنا اﻹتيان بالحلول كيفما نريد، وقد مارس في العمل موهبته في إسماعنا صوت رجائها وإبصارنا بتجاعيد وجهها ومنحنياته المتحركة، والتي تتغير صعودا وهبوطا مع انطلاق صوتها وانحشاره في دقيقة الرجاء الطويلة، وجاءت لمسته الشهيرة والتي تمنح العمل حالة الاهتزاز التي تشتهر بها غالبية أعماله في التصوير لتسهم بدور كبير وفاعل في بث الحركة في وجه المرأة، ولم يغفل الزي الذي اتشحت به المرأة والذي أظهرت لمسته فيه تواضع الحال .والخلفية أيضا جاءت بسيطة متناغمة مع عسر الحال وحتى اللون في توحيد حالته جاء خادما رغم بساطة الحل، أما هذا الطبق الخالي فقد عبر عن العديد من دلالات المشهد وجملة المفهوم لدى الفنان / سمير فؤاد، وحال المرأة بشكل عام.

والعمل الثاني لوحة "عازف اﻷوكورديون" وهي إحدى لوحاته الشهيرة من مجموعة العازفين وهي من إنتاج 2012 وبقياس 122*90 (زيت على توال)، واللوحة تمثل حالة أحد العازفين لآلة اﻷوكورديون العريقة تلك الآلة النمساوية الشهيرة والتي اخترعها (كيرل دميان عام 1829)، وهي تصدر نوعا من الموسيقى المبهجة والحادة نوعا ما، و يحمل صوتها ذلك اﻹحساس المفعم بالحياة، وقد صور الفنان سمير فؤاد العازف في تلك الحالة من اﻹندماج والمعايشة لحالة العزف، وكأنه يؤدي إحدى الوصلات الفردية، واللوحة تحمل رغم بساطتها وعيا كاملا من جانب الفنان سمير فؤاد بتلك الحالة لعالم العازفين، ولحظات اﻹندماج التي ينغمسون فيها، وشوق الكثيرين منهم لتلك المساحة من العزف المنفرد للإعلان عن أهميتهم وترتيباتهم وسط فرقهم، وقد صدر لنا من خلال البورتريه الخاص بالعازف وحركة شعره التي توارى جزء من وجهه، والتي بدت حاصلة من جراء إهتزازات رأسه الراقصة، والتي أشعرت مسامعنا بصوت الآلة البهيجة، وقد ألبسه قميصا مزركشا بما يشبه الورود كعادة الفرق الموسيقية، وقد صدر لنا بلمسات فرشاته إحساسا بنعومة قماشه، وفضفضة قياسه، والعمل في مجمله يرصد حالة حاصلة في واقع الحياة، ويسجل معايشة ربما صادف
ها الفنان الكبير سمير فؤاد في رحلاته أو سفره،

إن قراءة تجربة فنية مثل تلك التجربة والتي زانها الفنان الكبير والمبدع المثقف سمير فؤاد بطرحه الذي أتى على مهل وتؤدة، وحمله بمزيج جمع بين الجدية والصرامة والحس والثقافة الواسعة، والتنوع في المنتج والتدرج في التناول، والتنقل بتمكن بين تقنيات تحمل درجات من الصعوبة، محدثا حالة خاصة، وجالبا عطرا من عطور زمن الفن الجميل، مؤكدا على اﻷصالة من خلال منتج ذو مسحات معاصرة، متناولا مفاهيم ذات علاقة بواقع عايشه، ومشاهد لمس حالاتها سواء من خلال رؤية عين، أو تصور خيال نتج عن قراءة أدب رخيم، أو استماع لجملة موسيقية مؤثرة وموحية، فسمير فؤاد الفنان هو نتاج قصة حياة حقيقية منزوعة اﻹفتعال واﻹصطناع، يطرح جملة بصرية صادقة وثرية ونابضة .