القاهرة – مصر اليوم
نفى الخبراء أن يكون لـ"قارون" قصرًا، أو حتى كنزًا في أعماق البحيرة، إلا أنَّ ما لقوة وقع الحدث في سمع الخلق، على مدى الأزمان، بأنَّ مفاتيح ما لقارون لتنوء به العصبة أولي القوة، جسمت خيالاً متناقلاً متدافعاً جيلاً إثر جيل، لم يفد معها نفي الخبراء أو العلماء عن وجود كنز أو قصر لقارون، فمن الأساطير والحكايات ما لها قوة الأثر، على الرغم من بعدها الزمني، وإن أمعن في البعد التاريخي، فرب قول لم يعرف قائله إلا أنَّ له من قوة الأصداء وتعاقب صدى السير ما يفوق من قول معروف أسانيد قائله.
وتعود قوة متن السرد في الأشياء إلى اتساع استيعابها للمتغير المستمر في صدقية جدل الرؤية التي تتراءى بعيداً في أفق المستقبل، وهذا ما يتبيّن سواء تجلت في القول المأثور، أو الفعل المحكي، أو تقصي أثر تاريخي.
ولا شك أنَّ صدقية الأسطورة تماهت مع خلفية ميثولوجيا الرواية الشعبية، فثبتت هناك في عقليتها، وأصبح لها قوة الفعل الدائم، وسحر الأسطورة، وعملانية رجع الصدى عند كل صبح جديد، لا محرك ولا مزيل لمكانها، ما بقي التاريخ يُروى، فروايتها لها قوة وطأة الأثر التاريخي.
وما يتردد من الأساطير والحكايات الغريبة، والشائعات، تصل أحياناً إلى درجة التصديق، ومن الحكايات الغريبة التي يحكيها الناس عن "قصر قارون" الأثري في الفيوم وبحيرة قارون، أنَّ هذا القصر هو ذاته الذي ورد ذكره في القرآن الكريم.
أما كنوز قارون من الذهب والفضة، فهي غارقة في قاع البحيرة، المعروفة باسم بحيرة قارون، ولمعرفة الحقيقة عليك طيّ 100 كم في صحراء مصر الغربية، حتى تصل إلى واحة الفيوم الغناء، التي تعتمد في مياهها على بحيرة قارون، والينابيع المتدفقة هنا وهناك في شتى جوانب المحافظة.
وفي مدينة إبشواي، وبالتحديد على بعد ثلاثين كيلو مترًا قرب قرية أباظة، يقع قصر "قارون"، وعلى طول الطريق الزراعي، الذي تتناثر من حوله مجموعة من منازل القرويين المبنية بالطوب اللبن، تتضح معالم القصر في بنائه الضخم والعظيم المشيّد من الحجر الجيري.
وعند الاقترب منه، تبرز ملامح التاريخ، وأبهة الماضي، على جدران القصر الفسيح، الذي يتميز بمدخل واسع كبير، يتكون من ثلاث صالات عرضية، تنتهي بما يُسمى "قدس الأقداس".
وفي نهاية الصالة الثانية توجد مجموعة من السلالم التي تؤدي إلى الدور الثاني من القصر، حيث يتكون الدور الثاني من عدد كبير من الحجرات، التي تزيد على المئة حجرة، إضافة إلى مجموعة أخرى من الدهاليز، والممرات، التي تنتهي بسلم، حيث يؤدي إلى سطح القصر.
وعلى الجانب الغربي من القصر يوجد معبد صغير، نقشت على جدرانه مجموعة من الرسوم البارزة من العهد اليوناني، كما يحتوي على لوحة "سوبك" في مدينة الفيوم القديمة، برأس التمساح وجسد إنسان، مرتديًا تاجًا أبيض، وهو "تاج الجنوب".
وعن نوعية النقوش الموجودة في المعبد، يوجد في مدخل القصر الكبير مجموعة من الأعمدة المزدانة برسم يمثل قرص الشمس المجنح، أما المداخل الداخلية فعليها مجموعة من النقوش البارزة لثعابين وحيات متجاورة.
وأوضح خبير آثار ما قبل التاريخ لدى المجلس الأعلى للآثار الدكتور خالد سعد أنَّ "قصر قارون لا وجود حقيقي له في عالم الواقع، لأنه كما ورد في القرآن، في صورة القصص، أنَّ قارون عاش في عصر موسى، ولم تذكر الكتب أو أية مخطوطات مكانًا محددًا لإقامته في مصر، إضافة إلى أنَّ قارون لم يوجد له أي أثر حقيقي من الآثار التاريخية المتعارف عليها، وهذا ما تؤكده الآية الكريمة التي ورد ذكرها في القرآن (فخسفنا به وبداره الأرض)".
وأضاف "أما إطلاق اسمه على هذا القصر فهو خطأ، لأن تاريخ هذا القصر يرجع إلى العصرين اليوناني والروماني، حيث شيّد في هذا العصر"، لافتًا إلى أنه "يُعدُّ من أكبر المعابد التي عُثر عليها في منطقة مصر الوسطى".
وبشأن أصل هذه التسمية، بيّن سعد أنّها "ترجع إلى سكان الفيوم الأقدمين، حيث كانت تحيط المعبد مدينة سكنية، إضافة إلى مقبرة لدفن الموتى، تقع على مسافة ستة كيلو مترات، فأطلق سكان هذه المدينة اسم قارون لقربه من بحيرة قارون".
وأردف "الذي لا يعرفه الكثير أنَّ اسم (بحيرة قارون) أيضاً لا يرجع بأصله كما يُشاع إلى قارون، وإنما له أصل تاريخي، حيث كانت البحيرة مليئة بالقرون، مثل قرن (أبو نعمة)، وقرن (الجزيرة)، وقرن (المحاطب)، وجزيرة (القرن الذهبي)، ومن هنا أصبح اسم البحيرة (القرون)، إلى أن جاء العصر الإسلامي وتحوّل الاسم من بحيرة القرون إلى بحيرة قارون".
وينفي الدكتور سعد صحة الأقوال التي تتردد بشأن وجود كنوز قارون غارقة في البحيرة، مشيرًا إلى أنّه "لا وجه للصحة على الإطلاق في هذه الأقوال، وأن ما يقال هو محض شائعات وقصص من نسج الخيال".
وعن حقيقة من سكن في هذا القصر، بيّن مدير عام آثار الفيوم أحمد عبدالعال أنّه "من الممكن أن يكون بعض المسيحيين قد أقاموا فيه في عصر الاضطهاد الروماني، وما يؤكد ذلك وجود (السناج) الأسود على جدران المعبد".
ولفت إلى أنّ "هيئة الآثار قامت، في عام 1956، بترميم وتنظيف المعبد من الداخل، وفي عام 1987 قامت الهيئة بإعادة عملية الترميم والتنظيف، وفي أثناء عملية الترميم الأخيرة تم العثور داخل القصر على مجموعة من التماثيل على شكل أبو الهول، إضافة إلى مجموعة أخرى من القطع الفخارية، التي تحتوي على كتابات يونانية".
وكشف أنَّ "الاكتشافات التي كانت غاية في الأهمية هي العثور على مجموعة من أوراق البردي، التي كانت تؤرخ وتوضح جانب مهم من الحياة اليومية في العصرين الروماني واليوناني، إضافة إلى العديد من الرسائل المتبادلة في ذلك العصر، لكن ليس في أي من هذه الاكتشافات ما يشير من قريب أو بعيد إلى وجود صلة بين هذا القصر وقصة (قارون) التي ورد ذكرها في القرآن".