لندن - كاتيا حداد
تم تعليق الملايين من الجنيهات من أموال التبرعات المقررة إلى الجمعيات الخيرية المسجّلة في المملكة المتحدة عن غير قصد، بسبب تجميدها أو إعادتها من قِبل البنوك؛ خوفًا من تحويل المال بقصد تمويل التطرف.
ونشرت صحيفة "ديلي ميل" خبرًا عن تجميد الكثير من البنوك الدولية، بما في ذلك بنك يوبي إس UBSوإتش إس بي سي HSBC، ونات ويست NatWest، حسابات الجمعيات الخيرية المسجّلة في المملكة المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية التي تقدم المساعدات في دول مثل سورية وغزة والعراق.
كان مركز أبحاث معهد التنمية الخارجية Overseas Development Institute حذر من أنَّ عدم وجود توجيهات من وزارة الخزانة بشأن كيفية استجابة البنوك لقانون مكافحة التطرف قد تسبب في "العمل بشكل مفرط في زيادة المخاطر" تجاه الجمعيات الخيرية في المملكة المتحدة العاملة في مناطق الصراع.
وتشكو الجماعات الخيرية الإسلامية مما وصفته بـ"استهداف نشاطهم على نحو غير متناسب من قِبل السلطات"، مشيرة إلى أنَّ أكثر من ربع التحقيقات القانونية التي أطلقتها الهيئة الخيرية Charity Commission منذ نيسان/ أبريل 2012، ومازالت مفتوحة وجهت إلى المنظمات الإسلامية.
وبحسب تقرير المعهد، تحت عنوان المساعدات الإنسانية في المملكة المتحدة في عصر مكافحة التطرف، فإنَّ تلك المبالغ ليست هينة، ومثال على ذلك قامت إحدى الجمعيات الخيرية التي طلبت عدم الكشف عن اسمها بالتخلي عن تبرعات بقيمة 2 مليون جنيهًا إسترلينيًّا كتبرعات جُمعت خلال الأشهر الـ12 الماضية بسبب قرار التجميد الذي صدر من أحد البنوك.
وذكر التقرير أيضًا أنَّ الأجور المدفوعة للحسابات مصرفية لعمال الإغاثة الذين يعيشون خارج المملكة المتحدة تم تأجيل صرفها أو حظرها من قِبل البنوك.
ونشر تقرير ODI أنَّ الجمعيات الخيرية بما في ذلك جمعية جوزيف راونتري Joseph Rowntree Trust ، وضعت تحت ضغط من قِبل سياسيين وتم التحقيق معها لشرح أسباب تمويلها بمبلغ لا يتجاوز آلاف عدّة لمجموعة ناشطة كانت على اتصال بمحمد إمزاوي الرجل الملثم المعروف باسم الجهادي جون.
وأضافت مدير جماعة السياسة الإنسانية، سارة بانتوليانو، لـODI أنه في كثير من الحالات تحتاج الجمعيات الخيرية إلى تعزيز جهودهم، مؤكدة: "لقد رأينا هذا كثيرًا عندما كان هناك الكثير من الجمعيات الخيرية الجديدة التي ظهرت لدعم العمل في سورية، فظهرت 500 جمعية في غضون أشهر".
وأشارت بانتوليانو إلى أنَّ تشريع التطرف في المملكة المتحدة واسع للغاية وفضفاض، وتسائلت ما إذا كان هناك شكوكًا بشأن عمل الجمعيات الخيرية في جمع التبرعات لتمويل التطرف.
ومع ذلك، فقد أشارت الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى أنَّ هذا القطاع الذي لا يهدف للربح تعرض لسوء المعاملة من قِبل المتطرفين من أجل تمويل في كثير من الأحيان من المجتمعات التي لا تعرف إلى أين تذهب أموالهم.
وفي العام الماضي، قتلت فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية Financial Action Task Force، وهي هيئة حكومية أنشئت لتتبع مسار أموال المنظمات المتطرفة، بأكثر من 100 حالة من الجمعيات الخيرية التي تستخدم لأغراض متطرفة، و كانت النتيجة أن أغلبها كان متورطًا في تحويل الأموال.
وصرَّح رئيس قسم التمويل في لجنة الكوارث Disasters Emergency Committee، ريتشارد داي، وهي منظمة تتكون من 13 جمعية خيرية دولية، بما فيها منظمة أوكسفام Oxfam والمعونة المسيحية Christian Aid: "هناك أدلة واضحة أنَّ البنوك تخاطر بتنفيذ قانون مكافحة التطرف، مما سيؤثر على القطاع الإنساني، أما الأثر الأعظم فسيكون على المنظمات والبرامج القطرية التي ينظر إليها على أنها الخطر الأكبر".
وذكر تقرير ODI أنَّ حكومة المملكة المتحدة على وجه الخصوص، بحاجة إلى العمل مع واشنطن، منذ تضرر التحويلات من خارج الإقليم وأثرت بشدة على عملية صنع القرار والعزوف عن المخاطرة من البنوك في هذا البلد.
وفي العام الماضي، وللمرة الأولى، وجدت هيئة محلفين في محاكمة مدنية في الولايات المتحدة أنَّ هناك بنك أجنبي عرضة للاتهام بتمويل التطرف؛ إذ اتهم البنك العربي ومقره الأردن، وهو واحد من المؤسسات المالية الأبرز في الشرق الأوسط، بنقل الأموال من الجهات المانحة في المملكة العربية السعودية وغيرها من خلال فرعه في نيويورك لمسانديه من الانتحاريين الفلسطينيين الذين قتلوا الأميركيين في 20 هجمة في إسرائيل في الفترة من 2000 إلى 2004.
وهذا الصيف ستنظر هيئة المحلفين ثاني اتهام من حيث قيمة التعويض، الذي يجب على البنك العربي دفعه، وقدرت بمبلغ يمكن أنَّ يقترب من بليون دولار.
وذكر توم كيتنج، وهو باحث مالي مستقل تابع لـODI: "الدعاوى المدنية، مثل الدعوة ضد البنك العربي، والتي نظرت من خلال المحاكم الأميركية، بالرغم من توعية البنوك للوائح العمل في الولايات المتحدة، هو الاثبات على أنَّ السلطات الأميركية في تتبعها البنوك في مسألة الأموال المحولة للخارج تنتهج تأثير سلبيًّا على عملية الرغبة في المخاطرة على مستوى العالم.
وأضاف كيتنج: "منذ 9/11، حاولت الولايات المتحدة الاستفادة من الدور المركزي للدولار الأميركي في التمويل العالمي للتأثير على تصرفات البنوك- العاملة في الولايات المتحدة- في العالم، إذ أنَّ الوصول إلى سوق الولايات المتحدة أمر بالغ الأهمية، فبالتالي ستؤثر لوائح الولايات المتحدة في كثير من الأحيان على عملية صنع القرار للبنوك، حتى عندما يكون القرار في مسألة لا علاقة لها بسوق الولايات المتحدة".
وأشار تقرير ODI إلى عدم وجود توجيه من حكومة المملكة المتحدة، ولاسيما من وزارة الخزانة بشأن تنفيذ البنوك قانون مكافحة التطرف؛ وهو ما كان السبب الرئيسي في تجميد تمويل الجمعيات الخيرية ".
وأضاف رئيس قسم السياسات في المجموعة المالية للجمعيات الخيريةCharity Finance Group، أندرو أوبراين: "نحن نسمع باستمرار من الجمعيات الخيرية أنَّ البنية التحتية الحالية لمكافحة التطرف تضع العمليات الإنسانية في خطر ولاسيما في مناطق الصراع مثل سورية، ونحن نعتقد أنَّ الحكومات والبنوك والجمعيات الخيرية يجب أنَّ تعمل معًا على حل هذا الأمر.
وأكمل: "البنوك تحتاج إلى وضع المزيد من الموارد لفهم عملائها والإجراءات التي ستوضع لتحويل الأموال بأمان، فضلاً عن إعطاء إنذار لا بأس به من أيّة تغييرات قد تطرأ على سياسات البنك، الجمعيات الخيرية في حاجة إلى اتخاذ نهج أكثر استباقية في بناء علاقات مع البنوك وتحمل المسؤولية لضمان تنفيذ القواعد، ويتعين على الحكومات والهيئات التنظيمية تسهيل المناقشات بين البنوك والقطاع الخيري وأيضًا مراجعة قانون مكافحة التطرف؛ لضمان ألا يعرقل العمل الإنساني الحيوي، ويسرنا أنَّ اللجنة المشتركة لمشروع قانون حماية الجمعيات الخيرية دعمت هذا الرأي داعية الحكومة لعرضه، في تقريرها الأخير".
وذكر متحدث باسم وزارة الخزانة: "الجمعيات الخيرية في المملكة المتحدة تلعب دورًا حيويًّا في تقديم المساعدة للناس في مناطق النزاع، وتلتزم الحكومة بضمان حصول الجمعيات الخيرية المشروعة على الخدمات المصرفية مع حمايتهم أيضًا من سوء المعاملة من قِبل المجرمين أو المتطرفين، ونحن نشعر بالقلق إزاء الأعداد المتزايدة من الجمعيات الخيرية التي فقدت حساباتها المصرفية أو الخدمات المالية اللازمة، هذا هو جزء من الاتجاه العالمي الناشئ من سحب البنوك لخدماتها، لمجموعة متنوعة من الأسباب، وكثير منها لا تنشأ عن قانون مكافحة التطرف، نظرًا للطبيعة العالمية للصعوبات، فإنَّ حكومة المملكة المتحدة قادت الجهود الدولية لتحديد الأولويات والعمل مقدمًا لمعالجة هذه المشكلة، من خلال قمة العشرين G20 وقوة العمل المالية Financial Action Task Force، فالمملكة المتحدة بقيادتها عملية تطوير الإرشاد الدولي الجديد من شأنها أنَّ تساعد البنوك على اتخاذ نهج متناسبة مع الامتثال لالتزاماتها لمكافحة تمويل التطرف، بدلًا من تجنب المخاطرة تمامًا من خلال سحب الخدمات المصرفية من الجمعيات الخيرية".