القاهرة - سهام أبوزينة
فتحت مصر أبوابها خلال الأعوام الماضية للعديد من اللاجئين السوريين واليمنيين والليبيين، بل ومن مختلف الدول العربية منذ اندلاع الصراعات العربية عام 2011.
ونجح آلاف اللاجئين بصفة عامة، والسوريون بصفة خاصة، في تغيير الصورة الذهنية المرتبطة باللاجئين الذين استقروا في المدن الجديدة وأسسوا العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وذكرت وزارة التجارة والصناعة في وقت سابق أن المستثمرين السوريين يُشكّلون تحديدًا في مصر 30% من رجال الأعمال السوريين بشكل عام، الذين غادروا سورية منذ عام 2011.
وأظهرت بيانات وزارة الاستثمار والتعاون الدولي أن مساهمة الاستثمارات السورية في التدفقات الاستثمارية الأجنبية في مصر شهدت ارتفاعًا ملحوظًا منذ 2012، إذ بلغ عدد الشركات التي أسهم فيها المستثمرون السوريون، 565 شركة لتكون مساهم الاستثمارات السورية في رأسمال هذه الشركات، نحو 95 مليون دولار.
وقالت الدكتورة عالية المهدي، عميدة كلية اقتصاد وعلوم سياسية سابقًا، إن المستثمرين السوريين يقبلون على مصر لأنها تمتلك السوق الداخلية الأكبر على مستوى الدول العربية، والموقع الجغرافي الأفضل والأقرب إلى أسواق التصدير في الخليج وأفريقيا وأوروبا، لافتة إلى أن مصر تعدّ مكانًا جيدًا للسوريين الذين لا يرغبون في العيش بمخيمات اللاجئين.
وأضافت المهدي أن الأزمة السورية دفعت المستثمرين السوريين إلى فتح مشاريع تجارية في مصر، وبخاصة أن القانون المصري يسمح للسوري بتملك الأراضي والمحال التجارية، موضحة أن السوريين يعملون في الصناعة والتجارة والمهن الحرة والخدمات، لكن المطاعم والمقاهي هي أكثر الأعمال التي يقبل عليها اللاجئون في مصر.
وطالبت المهدي بإنشاء وزارة اقتصادية للاجئين في مصر، أو تخصيص لجنة في إحدى الوزارات الاقتصادية لحصر نسبة الاقتصاد العائد الذي سيدخل على الدولة وفرض الضرائب، لا سيما أن عدم الاهتمام باللاجئين اقتصاديا يجعلهم يذهبون إلى الدول التي تهتم بهم.
وقال الخبير الاقتصادي وائل النحاس، إن العمالة السورية لها دور كبير في الاقتصاد المصري، وبخاصة أنهم استطاعوا المنافسة في السوق المصرية، متفوقين على العديد من الشباب المصري في سوق العمل، لافتًا إلى أن العمالة السورية دفعت الشباب المصري إلى الإيجابية، وعدم انتظار الوظائف الحكومية، والسعي وراء فتح مجالات أخرى غير تقليدية للتكسب والإنتاج.
وأضاف النحاس أن العمالة السورية في مصر إضافة قوية إلى الناتج المحلي في صورة سلع ومنتجات، وبخاصة أن الشعب السوري يمتاز في العديد من القطاعات والمنسوجات والمفروشات، كما أثبتوا جدارتهم في المشاريع الصغيرة والمتوسطة داخل مصر، مشيرًا إلى أن الفائدة من نشاط السوريين في مصر تتمثل في أنهم ينتجون دون أعباء مصرفية، إذ يعتمدون على خبراتهم ومهاراتهم وجودة المنتج، كما أن الكثير من السوريين استطاعوا الخروج بأموالهم من سورية ونجحوا في استثمارها بمشاريع كثيرة، من بينها مطاعم ومحال ملابس ومحلات عطارة، والعديد من المحال المنتشرة في السوق المصرية.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن العديد من اللاجئين السوريين نجح على نطاق أوسع في إنشاء مصانع وشركات كبرى، في حين نجح البعض الآخر على نطاق أقل، من خلال فتح محلات ومطاعم لبيع العديد من المنتجات، ورغم ذلك هناك بعض العقبات التي تواجههم، مثل استصدار عدد من التصاريح والتراخيص من أجل بدء أعمالهم التجارية.
أقرأ أيضاً : بنك ABC يؤكد التزامه تجاه التوسع فى السوق المصرية
وقال عمرو الجوهري، عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب، إن الحكومة قدمت تسهيلات كبيرة للمستثمرين السوريين في مصر طوال الأعوام الماضية، مضيفا أن السوريين في مصر يلقون معاملة جيدة سواء من الشعب المصري أو حتى من قبل الدولة، بل واستطاعوا الاندماج بقوة داخل المجتمع المصري، ويعود ذلك لتقارب العادات والتقالين بين الشعبين المصري والسوري.
وأضاف الجوهري أن مصر لا تزال تقدم تسهيلات كبيرة لدعم الاستثمارات السورية في مصر، مثل تسهيل إقامة المعارض لبيع السلع والمنتجات السورية، بجانب تسهيل عملية تأجير العقارات لافتتاح محال بيع السلع الغذائية، والمفروشات، إلى غير ذلك من التسهيلات الأخرى، التي تقدمها الحكومة المصرين للاجئين السوريين، موضحًا أن السوريين المقيمين في مصر استفادوا أيضًا من الاتفاقية التي وقعتها مصر مع الأمم المتحدة خلال عام 2015، والتي شملت مساعدة السوريين، عبر الاستفادة من خلال برامج المساعدة المختلفة، والتركيز على سبل العيش، وخلق فرص اقتصادية، وهو ما أقره السوريون أنفسهم بأن مصر هي الأفضل للعمل بالنسبة إليهم، مقارنة بغيرها من الدول التي يتمركز فيها العديد من اللاجئين السوريين.
ولفت عضو مجلس النواب إلى أن سبب نجاح اللاجئين السوريين في مصر، يعود إلى الأعمال التي يختارها السوريون، والتي كانت في وقت سابق، محل رفض من قبل الكثير من أبناء المجتمع المصري لا سيما خريجي الجامعات، وبخاصة أن العديد من الشباب المصري، كان يرى الالتحاق بالأعمال الفنية والإدارية المتواضعة نوع من الإهانة التي لا تتوافق مع شهاداتهم ومؤهلاتهم العلمية.
ورأى الدكتور مختار الشريف، أستاذ الاقتصاد في جامعة المنصورة، أن السوريين استطاعوا الدخول إلى الاقتصاد المصري، والمشاركة برأس مال قدر بالملايين خلال الأعوام الماضية، وإن كان من المحتمل أن يكون الرقم التقديري الذي ترصده الإحصائيات الرسمية، أقل من الرقم الفعلي، لأن عددًا كبيرًا من المشاريع التجارية السورية غير مسجلة، موضحًا أن المشاريع السورية تدخل في عدد كبير من القطاعات مثل النسيج والمطاعم والأسواق المحلية، وشركات تكنولوجيا المعلومات، بجانب أن عددًا كبيرًا من المصريين يعمل فيها، إضافة إلى أن الشركات السورية تضخ العملة الأجنبية، وتعزز الصادرات.
وأضاف الشريف أن مصر من بين الأماكن الأكثر استقطابًا للاجئين السوريين الراغبين في إنشاء مشاريع، لعدة أسباب، منها رغبة المصريين في السماح لهذه الشركات بالازدهار، ووجود جالية من رجال الأعمال السوريين المقيمين في مصر، وذلك ما افتقده اللاجئون السوريون في الدول الأخرى، لا سيما أنهم في مصر يعيشون حياة كريمة وليس في مخيمات أو في مناطق نائية.
العراقيون في مصر
قال المحلل السياسي العراقي، علي الكليدار، الذي يعيش في مصر، إن أعداد العراقيين قلت في مصر خلال الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أن أغلبهم عاد إلى العراق عقب استقرار الأوضاع الأمنية نسبيًا فى بعض المناطق، وبعضهم سافر إلى دول أوروبية وكندا أو استراليا كلاجئين.
ونزح أكثر من ٣ ملايين عراقيين في كل أنحاء العراق، منذ بداية عام ٢٠١٤، ولجأ نحو ٢٢٠ ألف آخرين في البلدان المجاورة، حسب أرقام الأمم المتحدة، التي تؤكد أن عمليات الإعدام الجماعية وعمليات الاغتصاب الممنهجة وأعمال العنف المروعة انتشرت على نطاق واسع. وفي نهاية العام الماضي، وصل عدد من هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية إلى أكثر من ١١ مليون عراقي.
وأوضح الكليدار أن العراقيين جاءوا إلى مصر بكثافة منذ العام ٢٠٠٦، ووقتها انتشروا في أحياء محافظة الجيزة، مثل الهرم، والسادس من أكتوبر، وفي القاهرة، تمركزوا في مدينة نصر ومدينة الرحاب.
يذكر أنه يقيم نحو 500 ألف سوري على الأراضي المصرية بحسب آخر الإحصائيات، بينهم 120 ألفا مسجلون بشكل رسمي لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وأفاد تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الحد الأدنى من مساهمة السوريين في الاقتصاد المصري وصل إلى 800 مليون دولار على شكل استثمارات، ورجحت أن يكون الرقم أعلى من ذلك بكثير، وأشار التقرير إلى أن الأعمال السورية في مصر تتراوح بين المصانع الكبيرة والشركات الصغيرة في مجال الأقمشة والتكنولوجيا والمواد الغذائية بما فيها المطاعم.
وتتيح هذه المنشآت السورية الكثير من فرص العمل للسكان المصريين أنفسهم بالإضافة إلى السوريين، كما أسهمت في رفع نسبة الصادرات وخفض الواردات مما يعني تراجع نسبة العجز في الميزان التجاري.
وكشفت الحكومة المصرية تزايد الاستثمارات السورية خلال الآونة الأخيرة، بمعدل 30% عن الفترات السابقة، وبلغت قيمة التدفقات الرأسمالية الناتجة عن تأسيس شركات جديدة مملوكة لمستثمرين سوريين في مصر خلال عام 2018 نحو 69.93 مليون دولار، وذلك حسب تقرير حكومي رسمي، ووصل عدد الشركات المؤسسة من قبَل سوريين في العام الماضي إلى 818 شركة، وهو ما يمثل ربع عدد الشركات المؤسسة بواسطة أجانب، وبذلك اعتبرت الاستثمارات السورية في مصر هي الأكبر مقارنة باستثمارات مواطني الدول التي تشهد أزمات مثل ليبيا واليمن.
قد يهمك أيضاً :
خبراء يؤكدون أن صندوق النقد يبقى متفائلًا بشأن النمو الاقتصادي في مصر
عمرو نصار يؤكد أن السوق المصرية تمثل أحد أهم الوجهات الاستثمارية في المنطقة