القاهرة - سهام أبوزينة
يعد القطن المصري، أو كما يطلق عليه لقب "الذهب الأبيض"، ثروة من الثروات التي أهدرت حتى تراجعت بشكل كبير، فبعد أن كانت مصر فى مقدمة الدول العالمية تصديرًا له أصبحنا في ترتيب متأخر، على الرغم من أن القطن المصري يتميز بأنه "طويل التيلة"، وبالنعومة التي تؤهله للاستخدام في صناعة المنسوجات العإلى ة الجودة، بخلاف الفصائل الأخرى من القطن المنتشرة في بقاع العالم التي تزرع القطن، كما يتم تصدير غالبية محصول القطن المصري عإلى الجودة، إلى جميع أنحاء العالم، ونسبة قليلة منه تستخدم في التصنيع المحلي، ذلك أن التصدير يدر دخلاً أكثر من تصنيعه.
وبذلت وزارة الزراعة مجهودًا مضنيا خلال الموسم الماضي، من خلال معهد بحوث القطن، لتوجيه المزارعين لتحقيق أعلى إنتاجية وأجود إنتاج، لإعادة القطن المصري إلى مكانته، بعد موسم 2016، الذي وصفه المزارعون بالكارثي، حيث بلغت به مساحة زراعة القطن إلى أدنى مستوياتها منذ بدء زراعته في مصر.
وتتطلع الوزارة إلى تحقيق المستهدف من زراعة محصول القطن، بنهاية الشهر الجاري، بعد توقيع أمس الاثنين، عقد إدارة شعار القطن المصري بين وزارة التجاررة والصناعة، وبين اتحاد مصدري الأقطان وجمعية قطن مصر.
المستهدف 90%
وقال رئيس جمعية منتجي الأقطان رئيس اللجنة العامة لتنظيم تجارة القطن بالداخل وليد السعدني، "إن الوزارة وضعت المستهدف هذا الموسم لزراعة القطن بواقع 350 ألف فدان، وبلغ المزروع من القطن 300 ألف فدان، منهم 33 ألف فدان في وجه قبلي، والباقي 267 ألف في وجه بحري، منهم 102 ألف فدان إكثار، والباقي أصناف تجارى"، مضيفًا، أنه تم تحقيق 90% من خطة الوزارة لزراعة المستهدف من القطن وفقًا لما نشر في جريدة الأهرام.
ويشير السعدني، إلى أن مجلس الوزراء أعان سعرًا استرشاديًا لمحصول القطن هذا الموسم، ليصل 2700 جنيه للوجه البحري، و2500 جنيه للوجه القبلي، موضحًا اهتمام الحكومة هذا العام بمحصول القطن، وبداية تطبيق للسياسية زراعة التعاقدية، وهي إعلان سعر المحصول قبل زراعته وتشجيع الفلاح على زراعة محصول القطن ليسترد عرشه مرة أخري، يأتي هذا لبث شعور الطمأنينة للفلاح، بأن الحكومة سوف تقوم بشراء محصوله، بعيدا عن هيمنة تجار السوق السوداء.
ويضيف السعدني، أن هناك أصنافًا تم التعاقد عليها وهى "جيزة 90 - جيزة95" لبيعها من قبل المزارعين، وجار التعاقد على باقي مساحات القطن، وطالب رئاسة الوزراء، بتحديد جهة استلام الأقطان، حتى لا يضيع المزارع بين الجلابين، أو ينتهي به الأمر من أن يترك محصوله بالشارع، لافتًا إلى أن الأصناف التي تمت زراعتها الموسم الماضي، وهي أصناف "جيزة 94 وجه بحري، وجيزة 95 وجه قلبي"، هي من الاصناف المبشرة والعإلى ة الإنتاجية.
بداية مبّشرة
ويضيف حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، لقد كانت إجمإلى المساحة المزروعة من القطن في مصر، تصل إلى 2 مليون فدان، لكننا وصلنا للعام قبل الماضي إلى 120 ألف فدان، وكان ذلك نتيجة حدوث اختلاط بين الأصناف والعزوف عن شراء القطن المصري واستبداله بالمستورد، لافتًا إلى أن القطن المصري، بدأ يتعافي الموسم الماضي، حيث بلغ إجمإلى المساحة 220 ألف فدان، وقد وصل هذا الموسم ما يقرب من 300 ألف فدان، ومن المتوقع زيادة المساحة حتى الأول من يونيو القادم.
ويرجع أبو صدام، زيادة مساحة القطن هذا العام إلى اهتمام الحكومة بمحصول القطن، وكذلك اهتمام وزارة الزراعة بالتقاوي وإنتاجها، ما يكفي لزراعة نصف مليون فدان، مشددًا على ضرورة الاهتمام بصناعة الغزل والنسيج، باعتبار أن محصول القطن من المحاصيل الهامة والإستراتيجية، حيث إنه مفيد للتربة، وموفر للمياه، مقارنة بغيره من المحاصيل الشرهة للمياه، كما تتم الاستفادة من بذرته في استخراج الزيوت، وأخيرًا تنتج منه الكسب، والذي يستخدم كعلف للماشية.
ولفت نقيب الفلاحين، إلى أن محصول القطن، أصبح من بين أهم المحاصيل حإلى ا، وذلك نظرًا لاتجاه الدولة إلى ترشيد المياه من خلال تعديل القانون رقم 53 لسنة 1966، والذي أعطى الحق لوزير الزراعة، ووزير الري، تحديد أماكن زراعة المحاصيل، خاصة المحاصيل شرهة المياه، مشيرًا إلى تبني واضح من الدولة للرجوع والالتزام بالدورة الزراعية، وتحديد الحكومة لسعر ضمان للقطن اتجاه حميد لاسترداد القطن، وزيادة الرقعة المنزرعة الموسم القادم خلال الأربع سنوات القادمة، حتي نصل إلى المساحة التى كنا نزرعها من قبل.
مشكلة التسويق
ويرجع الدكتور أحمد عطا درويش رئيس بحوث متفرع بمعهد بحوث القطن مركز البحوث الزراعية، في السياق ذاته، أن من بين أهم الأسباب التي جعلت القطن المصري يفقد عرشه "مشكلة التسويق"، حيث أصبح هذا المحصول عبئًا على المزارع، مضيفًا إلى عدم قدرة الفلاح علي مهارة التسويق، وعدم تحديد جهة مختصة باستلام محصول، مما دفعه إلى عزوفه عن زراعته وتقلص المساحة، هذا بالإضافة إلى أن محصول القطن مكلف للفلاح، مما تسبب في تراجع الجدوي المإلى ة للمحصول.
ويوضح درويش، إلى إقبال المزارعين هذا العام على زراعة القطن، وذلك لاطمئنان الفلاح بعد إعلان الحكومة عن سعر ضمانه، لافتًا إلى أن هذا السعر قابل للزيادة بحسب أسعار السوق العالمي، وأن هذا السعر استرشادي لكن أتوقع زيادته في موسم الحصاد.
ويضيف درويش، بأن معهد بحوث القطن يعمل على تطوير وانتخاب تقاوي عإلى ة الإنتاجية، ما يؤدي إلى تطور أصناف التقاوي، لافتًا إلى قيام المعهد بالسيطرة على "عمليات خلط البذور"، وأن الجهة الوحيدة المنوطة باستنباط وتربية التقاوي هو معهد بحوث القطن، وأن عمليات الخلط تأتي من الجلابين نتيجة لخلط السلالات.
علامة تجارية
ويقول الدكتور على الإدريسي الخبير الاقتصادي في السياق ذاته، لم يكن القطن هو مصدر الرخاء والاكتفاء في حياة الفلاحين في مصر فقط، بل كان يمثل الذهب الأبيض الذي يحتل قائمة الصادرات المصرية للأسواق الخارجية، وعلامة تجارية تتمتع بثقة كافة دول العالم، وكان أهم وأغلى صادرات مصر، مشيرًا إلى أن الاعتماد على محصول القطن في صناعة الغزل والنسيج والزيوت والصابون والبويات والورق.
ويضيف الإدريسي "مع الوقت خسرت مصر سمعتها الدولية اتجاه ما يعرف بالذهب الأبيض "القطن" ففي عام 1989 - 1990، كانت مساحة الأراضي المزروعة بالقطن مليون فدان انخفضت إلى 550 ألف فدان في موسم 2002/2003، موضحًا أن إنتاج مصر من الأقطان في الثمانينيات يتراوح بين 7 و8 ملايين قنطار سنويا، انخفضت إلى 4.5 مليون قنطار في عام 2003 وهى الآن أقل من ذلك بكثير".
ويشير الإدريسي، أنه خلال العشرين عامًا الماضية، أصبح القطن آخر قوائم الإنتاج الزراعي في مصر، ولم تعد صادرات مصر من القطن للأسواق الخارجية تتجاوز 150 مليون دولار.
ويرجع الإدريسي، سبب انهيار محصول القطن، بأن الدولة كانت تتلاعب في أسعار توريده، ففي عام 2003 بلغ سعر القنطار 1300 جنيه، ولكنه انخفض إلى 600 جنيه في العام التإلى مباشرة 2004، حيث وصلت خسائر القطن في هذا الوقت إلى 2.3 مليار جنيه في عام واحد، مضيفًا، أنه أمام هذه الظروف الصعبة، اضطر الفلاح إلى الهروب من زراعة القطن، ليبدأ في البحث عن محاصيل أخرى أقل في التكلفة، مثل البرسيم الذي يستخدم غذاء للماشية، أو زراعة بعض الفاكهة، مثل الكنتالوب والفراولة، بهدف تحقيق أرباح أكبر مما ساعد على هذا الانهيار ارتفاع إيجارات الأراضي، والتي تجاوزت مبلغ 3000 جنيه للفدان الواحد، بعد تحرير العقود الإيجارية بين الملاك وأصحاب الأراضي والفلاحين، وهنا ارتفعت تكإلى ف زراعة القطن، أمام ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات وتكإلى ف الزراعة.
الغزل والنسيج
ويشير الإدريسي، أن صناعة الغزل والنسيج، علي الجانب الآخر، تواجه ظروفا أصعب أمام قلة الإنتاج وتراجع الصادرات وغزو المنسوجات الصينية للأسواق، مع العلم أن الصين تمثل 40% من إنتاج العالم من المنسوجات، لافتًا إلى أن هذا التراجع أدي إلى زيادة حجم الديون على شركات الغزل والنسيج، حتى وصلت إلى 8 مليارات جنيه، وهنا لم تجد الحكومة حلًا غير بيع هذه المصانع لصالح كبار المستوردين.
وتابع الإدريسي، أن بعض أسواق القطن، بقيت في دول آسيا مثل الصين والهند وباكستان، وهذه الدول تشترى القطن الخام، وتعيد تصديره لنا، في صورة منسوجات رخيصة، رغم أن مصانعنا كانت الأولى بذلك، خاصة أن مئات الآلاف من العمال يعملون في هذه المصانع، التي تشرد عمالها تحت إغراءات المعاش المبكر.
وأعرب عن أمنياته، باستعادة أمجاد القطن المصري لنصل ما بدأه العظيم طلعت حرب، واستعادة الريادية في زراعة القطن لدعم الصناعت المغذية له، بهدف دعم الصادرات المصرية، وتقليل معدلات البطالة، وتوفير النقد الأجنبي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وأخيرا عودة شعار القطن المصري لسابق عهده.