برونو لومير

طالب وزير المال الفرنسي برونو لومير، الولايات المتحدة بسحب قرار فرض التعريفات الجمركية الأحادية الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك فيما أبدت واشنطن استعدادًا أوليًا للتفاوض مع أوروبا حول أزمة الرسوم الجمركية المهددة بالاشتعال بين الطرفين، مشدداً على أن الاتحاد الأوروبي قد لا يفكر في التفاوض على اتفاق للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة قبل أن تسحب واشنطن أولًا التعريفات التي فرضتها على واردات الصلب والألمنيوم.

وقال لومير بحزم لصحافيين: "نرفض التفاوض مع مسدس في الرأس. على الولايات المتحدة القيام بخطوة لعدم إثارة تصعيد، وتسوية كل ذلك"، متابعًا في مؤتمر لوزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين في بوينس آيرس، أنه لا يوجد أي خلاف بين فرنسا وألمانيا حول كيفية وتوقيت بدء محادثات تجارية مع الولايات المتحدة. ومضى يقول إن البلدين اتفقا على ضرورة أن تتخذ واشنطن الخطوة الأولى بإلغاء التعريفات الجمركية.

وأشار الوزير الفرنسي إلى أن استمرار فرض الولايات المُتحدة هذه الرسوم يعني أن الحرب التجارية أصبحت أمرًا واقعًا. وأوضح أن الرسوم الجمركية من الممكن أن تعرقل مساعي التوصل إلى اتفاق بشأن التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وأميركا، مُشيرًا إلى أن ألمانيا وفرنسا تشترطان على الولايات المتحدة إلغاء قرار الرسوم الجمركية للخوض في المحادثات التجارية معها.

وكان وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، قد لوّح بالاستعداد للتفاوض، مساء السبت، خلال لقاء وزراء مالية مجموعة العشرين "جي 20" في بوينس آيرس، وأكد قائلًا "قد نقبل اتفاقية تجارة، بشكل حر، دون رسوم جمركية"، مضيفًا "هدفنا هو (تحقيق) تجارة حرة ومنفتحة ومتوازنة». وقال منوتشين أيضاً بالنظر إلى الزيارة المنتظرة ليونكر ومالمستروم: "نتطلع إلى عرض".

- أوروبا تتأهب للانتقام

وفي غضون ذلك، كشف تقرير صحافي أن الاتحاد الأوروبي يدرس حالياً اتخاذ إجراءات انتقامية أخرى، حال زاد الرئيس الأميركي من حدة النزاع التجاري مع بروكسل من خلال فرض رسوم جمركية عقابية مثلاً على سيارات مستوردة من الاتحاد الأوروبي. وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد حذرت، السبت، من أن أوروبا مستعدة للردّ في حال فرضت الولايات المتحدة مزيداً من الرسوم على وارداتها من السيارات الأوروبية، الأمر الذي يشكّل قلقًا كبيرًا بالنسبة إلى مصنّعي السيارات الألمان.

وذكر تقرير صحيفة "بيلد أم زونتاغ" الألمانية الأسبوعية في عددها الصادر، أنه يمكن للأوروبيين أن يردّوا من جانبهم في هذه الحالة من خلال فرض رسوم جمركية إضافية على عدة أشياء، من بينها الصويا واللوز والفول السوداني والنبيذ والعطور والجسيمات الخشبية المضغوطة أو الهواتف المستوردة من الولايات المتحدة.

وأشار التقرير إلى أن قائمة المنتجات المحتمل فرض رسوم جمركية انتقامية عليها تتكون من 50 صفحة، موضحاً أنها تتعلق بشكل إجمالي بواردات تبلغ قيمتها 300 مليار دولار (أي ما يعادل 255 مليار يورو). وعلى الرغم من ذلك، لا يزال هناك أمل في التوصل إلى حلول على طاولة المفاوضات قبل الزيارة المنتظرة لرئيس المفوضية الأوروبية جان - كلود يونكر وسيسيليا مالمستروم مفوضة الاتحاد الأوروبي للتجارة، إلى واشنطن يوم الأربعاء المقبل.

وحسب الصحيفة الألمانية، يتبع الاتحاد الأوروبي خلال ذلك استراتيجية مزدوجة، فهو يعتزم أن يعرض في واشنطن أن يقوم كلا الطرفين بتخفيض الرسوم الجمركية القائمة على بضائع معينة. ولكن إذا صعّد ترامب حدة النزاع التجاري، فإنه ستكون هناك إجراءات انتقامية من جانب الاتحاد أيضاً. وأضافت الصحيفة أنه يتم التنسيق حالياً بين الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي لتحديد البضائع الأميركية التي يمكن فرض الإجراءات الانتقامية عليها.

- صراع العمالقة في بوينس آيرس

وتواصلت الحرب التجارية بين القوى العظمى خلال اجتماع مجموعة الدول العشرين التي اعتبرها صندوق النقد الدولي أنها تُضعف النمو العالمي، في حين دعت فرنسا الولايات المتحدة إلى التراجع إلا أن هذه الأخيرة متصلبة في موقفها. وخلال الاجتماع، تركز كل الاهتمام على منوتشين الذي يمثل القوة الاقتصادية الأولى في العالم. فقد دعا الصين والاتحاد الأوروبي إلى تقديم تنازلات للتوصل إلى علاقة تجارية أكثر توازنًا، وذلك بعد التصريحات المدوية للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي نعت بكين وبروكسل وموسكو بـ"الخصوم" التجاريين.

واعتبرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، أن الحرب التجارية الدائرة منذ بضعة أشهر قد تؤدي إلى تراجع النمو العالمي بنسبة 0.5%. وتعمل الولايات المتحدة على امتصاص العجز التجاري مع الصين الذي بلغ 376 مليار دولار في 2017، وهددت إدارة ترامب بفرض رسوم عقابية على مجمل الواردات الصينية التي بلغت قيمتها 500 مليار دولار في 2017. وتتهم بكين واشنطن بأنها تريد التسبب بـ"أسوأ حرب تجارية في تاريخ الاقتصاد"، وردّت بفرض ضرائب جديدة على المنتجات الأميركية. وتعبّر الدول الأخرى عن تأييدها للتعددية في مواجهة الولايات المتحدة التي تقف وحيدة.

واعتبر وزير الاقتصاد البرازيلي إدواردو غارديا أن "كل ما هو ضد التبادل الحرّ والتجارة المبنية على القواعد، يجب أن تتم معالجته من خلال منظمات دولية قادرة على حلّ هذا النوع من النزاعات". وقال وزير المال الفرنسي: "لا يمكن أن تقوم التجارة العالمية على شريعة الغاب"، معتبرًا أن رفع الرسوم من جانب واحد هو قانون الأقوى، ولا يمكن أن يكون مستقبل العلاقات التجارية في العالم.

ورأى لومير أن أوروبا لديها دور في هذا الإطار ويجب أن تستفيد من قوتها الاقتصادية. وقال إن أوروبا بوحدتها، يمكنها أن تحرّك الأمور. ليس محكوماً علينا أن نغرق بين الصين التي تزداد قوة بشكل مستمر والولايات المتحدة التي قررت الدخول في علاقة القوى (المهيمنة) مع جميع الدول الأخرى على وجه الأرض.

وتطلب أوروبا من الولايات المتحدة إعفاءها من الرسوم الإضافية على الفولاذ والألمنيوم التي تضر بصناعاتها الحديدية. وهي تأمل في أن تستثني واشنطن هذا الحليف القديم الذي يعاني من أضرار جانبية لأن القوة العالمية الأولى تستهدف أولاً الصين، الاقتصاد الثاني في العالم.

وكثّف وزراء مالية مجموعة العشرين العمل على مخاطر حدوث أزمة في الدول الناشئة وفرض ضرائب على المجموعات العملاقة التي لا تُفرض عليها حالياً إلا رسوم قليلة.

وحسب مصدر قريب من المحادثات، من المفترض أن يذكّر البيان الختامي لوزراء مالية مجموعة العشرين الذي كان من المقرر أن يُنشر في وقت متأخر الأحد، بعد اختتام النقاشات، بخطر التوترات التجارية على النمو العالمي وبالتعهد بالعمل على فرض ضرائب على التجارة الرقمية ووضع إطار تنظيمي للعملات الافتراضية، من أجل تجنب تبييض الأموال والاحتيال ولجوء التنظيمات الإرهابية إليها.