تونس - مصر اليوم
تصدر تونس اليوم الإثنين، سندات مالية بقيمة مليار دولار (نحو 867 مليون يورو) في السوق المالية الدولية، وتتولى كل من "سيتي غروب" و"دويتشه بنك" و"جي بي مورغان تشيس" و"ناتيكسيس" مصاحبة عملية الإصدار.
ويعد هذا الخروج الأول من نوعه لتونس خلال العام الجاري إلى الأسواق المالية الدولية، حيث حدّدت مدة سداد هذه السندات بنحو خمس سنوات، ويندرج هدف هذه السندات بالأساس في توفير موارد مالية لفائدة موازنة الدولة لسنة 2018.
ولا يعد هذا الخروج آمنا، وفق عدد من الخبراء والمختصين في المجالات المالية والاقتصادية، إذ إنه يأتي في ظل تخفيض وكالة التصنيف الدولية "موديز" آفاق تونس الاقتصادية، والتي اعتبرتها متراوحة بين "مستقرة إلى سلبية"، وتؤكد الوكالة على هشاشة البلاد الخارجية، وترى أن هذا الأمر يعد تحديا بالنسبة للسلطات التونسية.
وفي المقابل، كان مروان العباسي، محافظ البنك المركزي التونسي قد أعلن منذ شهر يوليو (تموز) الماضي، ضرورة اختيار الوقت المناسب للخروج إلى السوق المالية الدولية، وأن يكون هذا القرار في "الوقت المناسب للاستفادة من نسبة فائدة ملائمة"، وقد ركّز على إمكانية تأخير الخروج إلى السوق المالية الخارجية اعتبارا إلى النتائج الإيجابية التي عرفها الموسم السياحي وتطور حجم التحويلات الخارجية للمغتربين، علاوة على تحسن الصادرات الزراعية.
وكان خروج تونس إلى السوق المالية الدولية مبرمجا خلال شهر مارس (آذار) الماضي، غير أن الظروف الاقتصادية لم تكن مناسبة، إذ إن معظم المؤشرات الاقتصادية كانت سلبية، ومن بينها ارتفاع نسبة التضخم الاقتصادي وتراجع الاحتياطي المحلي من النقد الأجنبي، علاوة على العجز التجاري القياسي المسجل آنذاك، واعتراف البنك المركزي التونسي حينها بأن الخروج إلى السوق فيه مجازفة كبرى، علمًا أن البلاد خرجت إلى السوق المالية الدولية أربع مرّات خلال السنوات الماضية، وقدمت الولايات المتحدة الأميركية ضماناتها مرتين، واليابان في مرتين كذلك.
وبشأن هذا الإصدار المالي، أكد عز الدين سعيدان الخبير الاقتصادي والمالي التونسي، على وجود "مجازفة حقيقية" من خلال لجوء البلاد إلى قرض مالي جديد، وأشار إلى "الضرورة التي تطبع هذا الخروج، بالنظر إلى الثغرة المالية الكبرى التي ترافق ميزانية السنة الحالية، ولجوء البلاد إلى قانون مالية تكميلي لتغطية العجز المالي الحاصل"، على حد تعبيره، متوقعا أن تكون تكلفة هذه السندات عالية، وأن تكون نسبة الفائدة مرتفعة بالنظر إلى التقارير الدولية حول الوضع الاقتصادي التونسي الحالي، في ظل غياب ضمان فعلي لهذا الإصدار على غرار الضمانات التي قدمتها الولايات المتحدة الأميركية في السابق.
وخلال العام المقبل، من المنتظر أن تكون خدمة الدين من أصل وفوائد في حدود 9،3 مليار دينار تونسي (نحو 3،3 مليار دولار)، وستكون ميزانية الدولة في حاجة ماسة لمجموعة من القروض الجديدة التي ستكون في حدود 10،2 مليار دينار (نحو 3،6 مليار دولار)، وذلك وفق ما ورد في مشروع قانون المالية لعام 2019، علمًا أن الموازنة التونسية تعاني من عجز كبير، كما أنه في مطلع الشهر الجاري، دعا صندوق النقد الدولي تونس إلى مزيد من التشديد في السياسة النقدية لمواجهة مستويات التضخم القياسية في البلاد.
واستقر معدل التضخم في تونس عند 7،5 في المائة في أغسطس (آب) دون تغيير عن مستواه في يوليو، بعدما بلغ 7،8 في المائة في يونيو (حزيران) الماضي، ويتوقع البنك المركزي التونسي أن يصل معدل التضخم إلى 7،8 في المائة هذا العام وأن ينخفض إلى 7 في المائة في العام المقبل.
وفي يونيو الماضي، رفع البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي مائة نقطة أساس إلى 6،75 في المائة، وهي ثاني مرة يرفع فيها البنك الفائدة في ثلاثة أشهر، لكبح التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته منذ العام 1990، وقد وافق صندوق النقد مطلع الشهر الجاري على صرف شريحة قيمتها 247 مليون دولار من قرض لتونس، وهي خامس شريحة في إطار برنامج مرتبط بإصلاحات اقتصادية تهدف إلى السيطرة على العجز في تونس، ومن شأن الموافقة أن تفسح المجال أمام تونس لبيع سنداتها الدولية.
وقال صندوق النقد الدولي في بيانه "المزيد من التشديد النقدي كفيل بخفض التضخم،،، والبنك المركزي التونسي أظهر التزامه باستقرار الأسعار من خلال رفع أسعار الفائدة، لكن أسعار الفائدة الرئيسية تظل سلبية بالقيمة الحقيقية"، وأضاف أنه "يجب أن يرتفع سعر الفائدة أكثر لتجنب حدوث مزيد من التآكل للقوة الشرائية للعملة المحلية وكبح توقعات التضخم".
ولا يحظى ارتفاع الفائدة بقبول في تونس، حيث قال الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية إنه يؤثر سلبا على تنافسية الشركات ويعيق الاستثمار الضروري لتوفير الوظائف، وأوضح الاتحاد أن رفع الفائدة يعمق الأزمة الاقتصادية في تونس ويزيد القوة الشرائية تدهورا، علمًا أن البلاد حظيت بالإشادة باعتبارها صاحبة التجربة الديمقراطية الوحيدة الناجحة بين البلدان التي شهدت انتفاضات "الربيع العربي" في العام 2011، غير أن الحكومات المتعاقبة فشلت في خفض عجز الموازنة وتحفيز النمو الاقتصادي.