القاهرة - سهام أبوزينة
أشاد صندوق النقد الدولي بالتزام مصر بالإصلاحات الاقتصادية في تقرير أصدره أمس الثلاثاء، لكنه حذر من مخاطر محتملة من بينها "سياسة نقدية تيسيرية سابقة لأوانها" وتدهور الوضع الأمني. وفي ثاني مراجعة لبرنامج قرض بقيمة 12 مليار دولار وقعه الصندوق مع مصر أواخر 2016. رفع صندوق النقد توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في مصر للسنة المالية 2017 - 2018 التي تنتهي يونيو/حزيران المقبل، إلى 4.8 في المائة من 4.5 في المائة في المراجعة السابقة.
وأبدى رئيس بعثة صندوق النقد الدولي لـ"الشرق الأوسط" ووسط آسيا سوبير لال، تفاؤله بالإصلاحات التي قامت السلطات المصرية بتنفيذها مطالبا بالاستمرار وتوسيع نطاق الإصلاحات التي تعزز النمو. مشيدا بالانتعاش في نمو الناتج المحلي الإجمالي وتراجع معدلات التضخم وتعزيز ثقة السوق، لكنه حث السلطات المصرية على الاستمرار في التنفيذ الصارم للإصلاحات.
وقال لال في مؤتمر صحافي بصندوق النقد صباح أمس في واشنطن، إن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع من 3.5 في المائة العام المالي 2015-2016 إلى 4.2 في المائة في عام 2016-2017 متوقعا أن يصل إلى 4.8 في المائة في العام الحالي، و6 في المائة في الأجل المتوسط.
وأشار إلى انخفاض معدلات التضخم، التي قفزت إلى 35 في المائة بعد تحرير سعر الصرف، بفضل "السياسات النقدية الجيدة التي نفذتها الحكومة المصرية"، متوقعا أن ينخفض التضخم إلى 12 في المائة بحلول يونيو 2018 من نحو 20 في المائة حاليا، وإلى أقل من 10 في المائة بحلول عام 2019.
وأضاف لال أن عجز المعاملات الجارية ظل دون تغيير عند 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه أوضح أنه مع تحسن القدرة التنافسية الخارجية وإصلاح بيئة الأعمال، فمن المتوقع أن ينخفض إلى 4.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2018 وإلى 3.5 في المائة بحلول عام 2022.
وحول رأي الصندوق لبرامج دعم الطاقة في مصر، قال لال إن الحكومة المصرية تستهدف تقليل ميزانية الدعم بنهاية البرنامج الإصلاحي وهو أمر مهم لأنه يرفع الضغوط على الموازنة، لكنه نصح بتنفيذ رفع الدعم بشكل تدريجي. مشددا على أهمية تحسين كفاءة برامج المساعدات الاجتماعية وتوسيع برامج التحويلات النقدية الموجهة مثل برنامج "تكافل وكرامة".
ومن المتوقع أن تخفض مصر المتأخرات المستحقة لشركات النفط الدولية، التي بلغت نحو 2.4 مليار دولار في يونيو الماضي، إلى نحو 1.2 مليار دولار بحلول يوليو/تموز المقبل، وتنتهي من سدادها بالكامل بحلول يوليو 2019. وتوقع الصندوق أن تخفض مصر فاتورة دعم الوقود إلى 2.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الحالية من 3.3 في المائة في السنة الماضية. وقالت القاهرة إنها ملتزمة برفع أسعار الوقود بنهاية 2018 على أن تتم مناقشة موعد الزيادة التالية بعد المراجعة المقبلة.
وعدل صندوق النقد من توقعاته لصافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنهاية العام المالي الحالي، لتصل إلى 8.4 مليار دولار مقابل 9.4 مليار دولار التي توقعها في سبتمبر/أيلول الماضي. وقال تقرير الصندوق، إن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنهاية العام المالي الماضي بلغت 7.7 مليار دولار منخفضا بواقع 1.1 مليار عن التوقعات السابقة التي بلغت 8.8 مليار دولار. كما خفض الصندوق توقعاته لصافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية للعام 2018-2019 لتسجل نحو 9.9 مليار مقابل 10.2 مليار دولار في توقعاته السابقة سبتمبر الماضي.
وركز رئيس بعثة صندوق النقد على أهمية زيادة فرص العمل وتحقيق نمو شامل وتخصيص موارد أكثر كفاءة في الاقتصاد، مشددا على تولي القطاع الخاص زمام المبادرة في مجال الاستثمار وخلق فرص العمل.
ونصح بتعميق الإصلاحات لتحسن مناخ الأعمال والحد من الفساد وتبسيط دور الدولة في الاقتصاد وتعزيز المنافسة وتحسن حوكمة الشركات المملوكة للدولة وشفافيتها والحد من الحواجز أمام التجارة وتسهيل إدماج النساء والشباب بشكل أفضل في سوق العمل. وقال: "يحتاج الاقتصاد المصري إلى خلق 700 ألف فرصة عمل سنوية، والقطاع الخاص هو القطاع الأقدر على خلق تلك الوظائف لذا يجب على الدولة أن تتراجع عن بعض القطاعات وتترك القطاع الخاص ليستثمر فيها".
وفيما يتعلق بالسياسة النقدية أشاد خبراء صندوق النقد الدولي بقدرة البنك المركزي المصري على اتخاذ مواقف حذرة في السياسة النقدية، ورحبوا بخطة البنك المركزي إجراء تخفيض تدريجي في معدلات الفائدة واستهداف التضخم في الأجل المتوسط.
وكان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي قد اختتم مشاورات المادة الرابعة مع مصر وناقش مع المسؤولين المصريين التطورات والسياسات الاقتصادية، وأعد خبراء الصندوق تقريرهم حوله.
ومن جانبه أكد الدكتور فخري الفقي، مساعد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي الأسبق، إن خبراء الاقتصاد لدى الصندوق يراقبون برنامج الحكومة المصرية الإصلاحي عن كثب، لافتا إلى أن مؤشرات الاقتصاد الكلي شهدت تحسنا خلال السنوات الأخيرة بفضل مجموعة من الإجراءات الإصلاحية الجريئة التي اتخذتها الحكومة في إطار خطة الإصلاح الاقتصادي.
وأضاف الفقي، أن الإجراءات طالت السياسات المالية والنقودية بالإضافة إلى تعديلات تشريعية تأخرت كثيرا لمواكبة آليات تطور الاقتصاد الحديث. وأشار الفقي، إلى أن الحكومة المصرية تخطو إلى مسار خريطة الإصلاح على نحو جيد ومتوازن. وعدّد مجموعة من القرارات الإيجابية التي أعلنتها الحكومة ومن أهمها قرار البنك المركزي المصري في 3 نوفمبر 2016، بتحرير سعر الصرف الذي عالج جرحا غائرا بعصب الاقتصاد الوطني وهو وجود سعري صرف للدولار.. الأمر الذي يزيد حجم مخاطرة الاستثمار في السوق المصرية.
وتابع: "الإصلاحات التشريعية ممثلة في إصدار عدد من القوانين مثل قانون الاستثمار الموحد وبعض التعديلات التشريعية الاخرى المتعلقة بمناخ الاستثمار".. فيما استنكر الفقي تباطؤ مجلس النواب والحكومة في إصدار المزيد من التشريعات المحفزة لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية وإشادات المجتمع الدولي بما حققه الاقتصاد المصري خلال خطة الإصلاح، في الوقت الذي يعاني فيه الشارع المصري جراء ارتفاع معدلات التضخم.
وبين الفقي أن صندوق النقد الدولي والكيانات الاقتصادية الدولية تراقب مؤشرات الاقتصاد الكلي والتي اتضحت جليا إيجابياتها في مصر. وأكد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي الدكتور حازم الببلاوي، أن الهدف الأسمى للحكومة المصرية في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي هو وضع الدين الحكومي على اتجاه هبوطي وتخفيضه إلى 87 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2018/19.
وأوضح المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي -في تقرير صدر أمس الثلاثاء عن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بمناسبة اختتام مشاورات المادة الرابعة مع مصر- أن العجز الأولي للسنة المالية المنتهية في يونيو 2017 جاء متماشيا مع التوقعات، ولا تزال السلطات تهدف إلى تحقيق ضبط مالي يصل إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2018/19، ويصل إلى فائض مالي أساسي بنسبة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2018/19 لوضع الدين على مسار هبوطي.
وقال "وتهدف السلطات في السنة المالية الحالية، التي تنتهي في يونيو 2018، إلى تحقيق عجز أولي بنسبة 0.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يمثل تسوية مالية بنسبة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالعام السابق و3.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالعام السابق له 2015/2016".
وأضاف أن النظام المالي في مصر مربح ويتوفر به رأس مال جيد، أعلى بكثير من متطلبات مبادئ بازل 3 الأساسية للرقابة المصرفية، ويسعى البنك المركزي بنشاط إلى تحديث أطر الرقابة باستمرار، وأن البنك المركزي المصري، بمساعدة من المستشارين الخارجيين، قام بإعداد تعديلات على القانون المصرفي ركزت، في المقام الأول، على التوصيات الواردة في تقييم الضمانات ومعظم التوصيات الواردة من هيئة السوق المالية والهيئة القانونية.
ونوه إلى أن انخفاض التضخم هو أمر ضروري للحفاظ على ثقة الأعمال والاستثمار والنمو، وأوضح أن البنك المركزي يهدف إلى تحديث القوانين باستمرار بما يتماشى مع الاحتياجات المحلية وأفضل الممارسات العالمية، وتعزيز الحكم والاستقلالية للبنك المركزي، فضلا عن تسريع الزخم نحو مزيد من الإدماج المالي.