البيتكوين

أنهت العملة المشفرة البيتكوين يوم الجمعة واحدًا من أسوأ أسابيعها، بعد أن وصلت إلى أدنى مستوى لها في شهر، وهو 8371 دولارًا، على خلفية التوقعات بتشديد الرقابة على تعاملاتها، إضافة إلى توارد أخبار تفيد بتعثر تنفيذ بعض الأوامر في إحدى منصات تداول العملة، قبل أن ترتد إلى ما يقارب 9 آلاف دولار قبيل إقفال الأسواق.

 وتوقع بعض العملاء الذين حاولوا شراء العملة، تعرض حساباتهم، أو منصة التداول، لهجوم من القراصنة.

ورغم الارتداد الصعودي قبل إغلاق الجمعة، فإن العملة المشفرة الأشهر في العالم ما زلت أقل من أعلى مستوى بلغته خلال الأسبوع الماضي، وهو 11650 دولارًا، بنحو 23%، كما أنها فقدت أكثر من 50% من أعلى سعر وصلت إليه في تاريخها، نحو 20 ألف دولار، والذي حققته في منتصف ديسمبر/كانون الثاني  2017.

وحققت البيتكوين ارتفاعات ضخمة خلال العام الماضي، قدرت بأكثر من 1800%، حيث بدأت العملة العام بسعر لم يتجاوز الألف دولار، ثم وصلت إلى ما يقرب 20 ألف دولار قبل نهايته بأسبوعين، لكنها ختمت العام عند مستوى أقل من 13 ألف دولار. وفي الأسابيع الأولى من العام الجاري، واصلت العملة المشفرة انخفاضها إلى ما دون 7 آلاف دولار، قبل أن تعود إلى المنطقة الخضراء، بزيادة نحو 90% في أقل من أسبوع، ثم تجاوزت مستوى 17 ألف دولارًا لكنها انهارت مرة أخرى مع نهاية الأسبوع الأول من العام الجاري.

ولم تتمكن البيتكوين من تجاوز المستوى المهم 12000 دولار يوم الإثنين الماضي، فانخفضت أكثر من 20% من عندها على وقع سيل من الأخبار السلبية للعملة، تدور جميعها عن عزم حكومات وبنوك مركزية حول العالم فرض قيود تنظيمية شديدة على كل منصات تداول العملة. إلا أن خبراء التحليل الفني يقولون إن ما يتحكم في سعر العملة حاليًا هو مجموعة نماذج معروفة في التحليل الفني، تتيح استنتاج ما سيكون عليه السعر في المستقبل، باستخدام مستويات السعر التاريخية وتحركاته في الماضي.

وقال فرانك كابريللي، المدير التنفيذي للأسهم للمؤسسات، في شركة "انستينت"، ذراع مجموعة "نامورا" العملاقة للمتاجرة في الأسهم "إذا كانت البيتكوين ستصل إلى أعلى مستوى سجلته من قبل (نحو 20 ألف دولار) فيتحتم عليها أن تتجاوز 11500 دولار، ثم 14300 دولار قريبًا". وأضاف "على المدى الطويل، يبدو لي أن العملة كسرت اتجاهها الصعودي.

والبيتكوين هي عملة مشفرة، ويطلق عليها أيضاً "عملة رقمية"، تم طرحها عقب الأزمة المالية عام 2008، كوسيلة لتجنب رقابة الحكومات والبنوك المركزية. وكان أول من قدم البيتكوين إلى العالم شخص غير معروف اسمه "ساتوشي ناكاموتو". ووصل الغموض حول هذا الاسم إلى أن محرك البحث العبقري "جوجل" يقول عنه أنه "شخص غير معروف". وعلى عكس العملات التقليدية، لا توجد جهة أو سلطة تنظم إصدار العملات المشفرة، ويمكن تصنيعها بواسطة أجهزة كمبيوتر تقوم بحل مجموعة من المسائل الرياضية المعقدة.

وتعرضت البيتكوين لهجمات شرسة من قيادات القطاع المصرفي خلال عمرها القصير، حيث حذر ويليام دودلي، محافظ بنك الاحتياط الفيدرالي بنيويورك، قبل أسبوعين، من ما أسماه "حمى مضاربة" تجتاح سوق العملات المشفرة، على رأسها البيتكوين، ووصفها بأنها شديدة الخطورة. وجاءت تحذيرات دودلي بعد أقل من 24 ساعة من تصريحات مماثلة من مارك كارناي، محافظ البنك المركزي الانجليزي، التي قال فيها أن "البيتكوين فشلت في تحقيق المعايير الأساسية لأن تكون وسيطاً مالياً".

وكان جيمي دايمون، رئيس بنك "جي بي مورجان تشيس" حذر من قبل من البيتكوين ووصفها في 2014 بأنها "مخزن رديء للقيمة"، وقال عنها في 2015 إنها "في طريقها إلى زوال"، وفي بداية 2016 قال إنها "لن تذهب في أي مكان"، إلا أن التصريح الأقوى كان في سبتمبر/أيلول 2017، عندما وصفها بأنها "عملية احتيال"، وهو الوصف الذي عبر عن ندمه عليه بعدها بأقل من 4 شهور، حين وصل سعر البيتكوين إلى 4 أضعاف ما كان عليه وقت أن وصفها بالاحتيال.

وتضم قائمة المحذرين من البيتكوين أيضًا هاوارد ماركس، المستثمر الملياردير، والرئيس المشارك لشركة إدارة الأصول العالمية "أوكتري كابيتال"، والمختصة في الاستثمارات البديلة، حيث وصف البيتكوين، والعملات المشفرة الأخرى، بأنها "غير حقيقية، وربما تكون مخططا هرميا". أما كريس ويلمر، الأستاذ في جامعة بيتسبرغ، فيرى أن "صعود البيتكوين سيكون محدودًا، لصعوبة استخدامها"، ويضيف أنه أكثر تفاؤلاً بـ "نقدية البيتكوين". ونقدية البيتكوين هي "تفريعة" من العملة المشفرة البيتكوين، استحدثت في أغسطس 2017، كرد فعل لبطء تنفيذ عمليات البيتكوين، حيث يُمكن تنفيذ عمليات نقدية البيتكوين في ثُمن الوقت الذي تستغرقه عمليات البيتكوين التقليدية.

وتحتد المنافسة حالياً للهيمنة على سوق العملات المشفرة، بعد أن تراجعت حصة بيتكوين فيها من أعلى مستوى بلغته العام الماضي، وكان في شهر يناير بنسبة 80%، إلى أقل من 30% في فبراير الماضي، وبالتأكيد سيؤدي استمرار انخفاض سعر البيتكوين إلى التحول إلى سوق أكثر تنوعاً مما هو الحال الآن.

ومن المشكلات التي تواجه مستثمري العملات المشفرة حالياً، وساهمت في انخفاض الطلب عليها، صعوبة توريث أرصدة مالك تلك العملات في حالة وفاته، لو لم يقم هو بنفسه، قبل وفاته، بوضع الترتيبات التي يرغب فيها. وحاولت الولايات المتحدة معالجة هذا الأمر من خلال اعتماد قانون الوصول إلى الأصول الرقمية الذي أنشأته لجنة القانون الموحد غير الهادفة للربح. ويوسع القانون نطاق الميراث ليشمل الأصول الرقمية إضافة إلى الممتلكات المادية.

ووفقاً لسوزان براون والش، وهي شريك في مكتب محاماة مورثا كولينا، فقد سنت 36 ولاية، إضافة إلى جزر فيرجن الأمريكية، القانون. ولكن حتى مع الجهود التشريعية، لا يزال العبء يقع بشكل كبير على الأفراد للتخطيط لما سيحدث لتلك الأصول بعد وفاتهم.

وسمحت بعض الدول العربية بالتعامل في العملات المشفرة، وشرعت في تطوير تشريعاتها المالية، وكان على رأس هذه الدول الإمارات والسعودية والأردن ولبنان والمغرب، بينما اتجهت دول أخرى إلى حظر التعامل فيها، مثل مصر وقطر والجزائر، بل ومنهم من ذهب إلى تحريم التعامل فيها بأي شكل من الأشكال.