واشنطن - مصر اليوم
ساهمت أجواء التوتر السائدة في حركة التجارة العالمية، في تراجع أسعار السلع الرئيسية على نطاق واسع. ويمكن للمخاوف الناجمة عن احتمالات نشوب حرب تجارية أن تسبب ضررًا بالغًا على توقعات النمو العالمية، وبالتالي حدوث تراجع كبير في الطلب على المواد الخام. وأكد تقرير صادر عن قسم استراتيجيات السلع في "ساكسو بنك" هبوط أسعار المعادن الصناعية إلى أدنى مستوياتها خلال أسبوعين، بينما انخفضت أسعار النفط بالتزامن مع انتقال التركيز نحو ارتفاع مخزوناته، في حين بدأت عمليات جني أرباح المحاصيل الزراعية الرئيسية في أعقاب الارتفاع الأخير الذي شهدته أسعارها نتيجة للأحوال الجوية القاسية.
وتم تداول أسهم النفط الخام عند أدنى مستوى وصل إليه خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. وفي الوقت الذي تأرجحت فيه أسعار النفط بين الانخفاض والارتفاع في أسواق الأسهم، تم دعم الاتجاه التصاعدي المتواصل بين المضاربين بفضل مستويات الطلب العالمية القوية. وبالرغم من ذلك، ما زال النفط الخام يواجه تحديًا صعبًا يتمثل في ارتفاع إمدادات الدول غير الأعضاء في "أوبك" ويضاف إلى ذلك أجواء التوتر الناجمة عن تهديدات الحرب التجارية.
ويشكل نمو معدلات إنتاج النفط في الدول من خارج منظمة أوبك تحدياً كبيراً يعرقل مساعي دول المنظّمة وروسيا للحفاظ على استقرار الأسعار، وذلك على الأقل في المدى القصير. وكانت إدارة معلومات الطاقة الأميركية قد رفعت في تقريرها الشهري (توقعات الطاقة قصيرة الأجل) سقف توقعاتها حول إنتاج النفط في الولايات المتحدة لعام 2018 إلى 10.7 مليون برميل يوميًا، أي بزيادة قدرها 1.4 مليون برميل يوميًا بالمقارنة مع عام 2017. وساهمت إدارة معلومات الطاقة أيضاً في تصعيد أجواء "عدم الارتياح" عندما أشار تقريرها "النفط 2018" إلى أن نمو الإنتاج في الولايات المتحدة والبرازيل وكندا والنرويج، يمكن أن يتجاوز معدلات نمو الطلب بحلول عام 2020.
وخلال الأسبوع المنتهي بتاريخ 27 فبراير/شباط، قامت صناديق التحوّط برفع سقف توقعاتها للعقود طويلة الأمد والمتعلقة بخام برنت وخام غرب تكساس للمرة الأولى خلال 5 أسابيع بواقع 36 ألف حصة، ليصل عدد الحصص إلى مليون حصة، وذلك بعد خفضها بنسبة إجمالية بلغت 133 ألف حصة خلال الأسابيع الأربعة الماضية. وأدت قاعدة المراكز القصيرة المتضائلة إلى تسجيل ارتفاع آخر في نسبة مراكز التداول "قصيرة - طويلة" الأجل إلى مستوى قياسي عند 12.6 نقطة. ويسلط ذلك الضوء على مخاطر الاتجاه الهبوطي للنفط، فيما إذا أصبحت التوقعات الفنية أو الأساسية أقل ملائمة، بحسب "ساكسو بنك".
وتواصل إدارة معلومات الطاقة الأميركية رفع توقعاتها الخاصة بزيادة إنتاج الدول من خارج منظمة "أوبك" في الوقت الذي تحافظ معدلات الطلب فيه على استقرارها. وستقوم كل من إدارة معلومات الطاقة ومنظمة أوبك بإصدار تقاريرها الشهرية خلال الأسبوع الجاري في يومي 14 و15 مارس/آذار.
وبالنظر إلى المرونة العالية التي أبداها المستثمرون المضاربون، فمن غير المرجح بالنسبة لهم أن يقلقوا بشأن الإجراءات التصحيحية الأعمق طالما بقيت أسعار نفط خام برنت فوق عتبة 61 دولارًا للبرميل و57.50 دولارًا بالنسبة إلى خام غرب تكساس الوسيط. وتشكّل هذه المستويات إجراءً تصحيحيًا بنسبة 38.2 في المائة عمّا كانت عليه الأسعار في الفترة بين شهري يونيو/حزيران ويناير/كانون الثاني الماضيين. وعند ارتفاع النفط فوق نطاقاته السعرية الحالية، فسيتم النظر إليها على أنها إجراءات تصحيحية ضعيفة ضمن إطار التوجه الصعودي القوي.
وفي الوقت الراهن، استقر برميل خام غرب تكساس عند نطاق سعري يتراوح بين 60 و65 دولاراً للبرميل، حيث تؤثر الأحداث التي تقع خارج نطاق السوق على تأرجحاته السعرية اليومية. بينما ينطوي الإغلاق على سعر يقل عن 60 دولاراً للبرميل على مخاطر تمدد الاتجاه الهبوطي المشار إليه آنفاً إلى السعر الأساسي البالغ 57.50 دولار للبرميل.
كما سعى الذهب للحصول على الدعم بعد إخفاقه للمرة الثانية خلال أسبوعين في تخطي عتبته السعرية التي بلغت 1340 دولارًا للأونصة. وأبدى الذهب مزيدًا من الضعف قبل وبعد صدور النتائج الإيجابية لتقرير الوظائف الأميركية، وفي أعقاب انتعاش الآمال المتعلقة بتخفيف حدة التوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية والتي ساهمت في انخفاض الين الياباني في مواجهة الدولار. ويمكن للقاء المرتقب في شهر مايو/ أيار بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والكوري الشمالي كيم جونغ أون أن يسهم في تحقيق تطور إيجابي يتمثل في تخفيف أجواء التوتر النووي في شبه الجزيرة الكورية.
واستقرت أسعار الذهب عند فارق سعري يبلغ 40 دولارًا، حيث تراوحت الأسعار بين 1300 و1340 دولارًا للأونصة نتيجة للارتفاع الذي شهدته العوائد الحقيقية للسندات الأميركية، والتي يقابلها التأثير الإيجابي للين الياباني القوي. بينما لعبت التقلبات الكثيرة في أسواق الأسهم دورًا كبيرًا في التغيرات التي شهدتها أسعار الذهب. وساهم إعلان الرئيس ترامب الخاص بفرض تعريفة جمركية على الواردات في هبوط أسعار الأسهم وارتفاع أسعار الذهب لفترة قصيرة، قبل أن تتراجع مرة أخرى مع تعافي أسواق الأسهم نتيجة لصدور نسخة مخففة من الإعلان.
أما العوائد الحقيقية للسندات الأميركية، التي يمكن الحصول عليها بعد التضخم، فقد ازدادت بمقدار الضعف تقريباً منذ بداية العام الجاري. وتم التعويض عن هذه التطورات السلبية التي طالت أسعار الذهب من خلال التراجع الذي شهده الدولار الأميركي أمام العملات، وخاصة الين الياباني. ويضاف إلى مزيج التحديات صدور تقرير الوظائف الأميركية الأخير قبل اجتماع لجنة السوق المفتوحة الاتحادية الذي سينعقد في 21 مارس/آذار الجاري. ويظهر هذا التقرير المعتدل نمواً قوياً في الوظائف وانخفاضا في معدلات التضخم، مما يفسح المجال واسعاً أمام إمكانية إجراء رفع سادس لأسعار الفائدة واحتمالات أن تشهد مزيداً من الارتفاع في ضوء التوجيهات القادمة. وكانت عمليات رفع أسعار الفائدة الأميركية التي تمت خلال وقت سابق من الدورة الحالية، والتي بدأت منذ شهر ديسمبر/كانون الأول 2015، قد أدت حتى الآن إلى تكرار حالات ضعف أسعار الذهب قبل اجتماع لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة لترتفع بعده بقوة بمجرد الإعلان عن رفع أسعار الفائدة.
ومن غير المرجح للارتفاع المستمر في أسعار الفائدة أن يعيق قدرة الذهب على الارتفاع، ولا سيما إذا كانت عمليات رفع أسعار الفائدة ناجمة عن أنماط خاطئة من التضخم، مثل تلك الناجمة عن ارتفاع الأسعار نتيجة رفع التعرفة الجمركية على الواردات بدلاً من التضخم المستند إلى مستويات الطلب.
وبناء على ما سبق، يمكن المحافظة على وجهة نظر إيجابية تجاه الذهب، ولا سيما بالنظر إلى قدرته على تحمل الصعود الأخير المفاجئ لعوائد السندات الأميركية. ومن المرجح أن يستمر طابع النطاق المحدد لأسعار الذهب حتى الفترة التي تسبق اجتماع لجنة السوق المفتوحة الاتحادية، مع بعض المخاوف من رفع أسعار الفائدة، والتي تقابلها أجواء التوتر السائدة في التجارة العالمية.
,من جانب آخر، يشهد تداول المعادن الصناعية - باستثناء النيكل - انخفاضا على مدار العام نتيجة للمخاطر المتعلقة بالحروب التجارية، والتي تضاف إلى المخاوف المرتبطة بالتوقعات قصيرة إلى متوسطة الأمد والخاصة بمعدلات النمو والطلب في الصين. ويأتي ذلك في وقت يمكن فيه لانتقال الصين من النموذج الاقتصادي القديم إلى نموذج جديد وأقل كثافة في السلع أن يؤثر سلباً على معدلات الطلب.
وبدأ الزخم القوي الذي شهدته عقود النحاس، بعد هبوطه إلى أدنى مستوياته خلال عام 2016، بالتلاشي خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث كافحت أسعار النحاس للارتفاع فوق عتبة 3.30 دولار للرطل، وهو ما يشكل تراجعاً بنسبة 50 في المائة عن الارتفاع الذي شهدته عمليات البيع في الفترة بين عامي 2011 و2016، ولا يزال السعر عالقاً ضمن نطاق دعم يقل بشكل طفيف عن 3 دولارات للرطل.
,انتعشت أسعار الغاز الطبيعي خلال الأسابيع القليلة الماضية لتبلغ 2.50 دولار - وحدة حرارية، وذلك في أعقاب الدعم القوي الذي تلقاه نتيجة للانخفاض الكبير في درجات الحرارة خلال الشتاء الحالي على نحو يفوق المعتاد، مما ساعد في التعويض عن معدلات الإنتاج القياسية. ووصلت أسعار الكاكاو، والتي ارتفعت بنسبة 30 في المائة منذ بداية العام، إلى أعلى مستوياتها خلال فترة 16 شهرًا، حيث أشار مجلس الكاكاو في جمهورية كوت ديفوار إلى نجاحه في بيع كميات ضخمة من حبوب الكاكاو في الوقت الذي يعاني فيه هذا المحصول من الجفاف.
وتلقى القطن دعمًا قويًا بفضل الارتفاع غير الاعتيادي في معدلات الطلب وازدياد نسبة الجفاف في ولاية تكساس الأميركية، والذي يمكن أن يؤدي إلى حدوث مشاكل في زراعة المحصول. وتشير أحدث التقارير الصادرة عن وزارة الزراعة الأميركية حول المخزونات والطلب إلى أن هذه العوامل ساعدت فعلياً في ارتفاع الأسعار نتيجة لإجراء تعديلات هبوطية لمخزونات القطن النهائية الأميركية. وقدّم التقرير دفعة قوية لأسعار الذرة نظراً للانخفاض القوي والمفاجئ في المخزونات المحلية نتيجة لارتفاع معدلات الطلب على الصادرات في أعقاب الظروف الجوية القاسية والجافة والتي أعاقت عمليات جني المحاصيل في الأرجنتين، ثالث أكبر مصدري الذرة وفول الصويا على مستوى العالم.
وجاء الزخم القوي الذي تلقاه قطاع الحبوب وفول الصويا منذ منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي مدفوعاً بدرجة كبيرة من عمليات المضاربة. وخلال فترة ستة أسابيع والممتدة بين يومي 16 يناير/كانون الثاني إلى 27 فبراير/شباط، انتقلت صناديق التحوّط من حيازة مزيج مجمّع من عقود التداول المستقبلية قصيرة الأجل لستة أنواع من الحبوب وفول الصويا، وذلك بمعدل 480 ألف حصة إلى المراكز الصافية طويلة الأجل بمعدل 250 ألف حصة. ونظراً لإرساء الكثير من العقود طويلة الأجل مؤخراً، فقد جاءت مخاطر التصحيح مرتفعة في التقرير الشهري الخاص بمستويات العرض والطلب. ونتيجة لذلك، فقد بدأت عمليات جني الأرباح لسلعتي القمح وفول الصويا بعد أن أثبتت البيانات أن الدعم الذي تتلقاه كان دون التوقعات، كما يؤكد تقرير "ساكسو بنك" المتخصص باستراتيجيات أسعار السلع