القاهرة-مصر اليوم
اجتمع 9 من الشباب والفتيات مكونين فريق عمل من خريجي كليات الهندسة، في مكتب لا تتجاوز مساحته أمتارا قليلة، كل منهم جالس إلي جهاز كمبيوتر يطالعه باهتمام، ومن حين لآخر يتناقشون بشأن موضوع ما، ويجتمعون حول ابتكارهم الذي بدأوا تنفيذه منذ سبعة أشهر، وهو جهاز شحن لاسلكي ينافس المنتجات الباهظة الثمن، وكذلك المنتجات الصينية بسعر أفضل وحجم وجودة أعلي لم يكتف الفريق بميزة المنافسة علي السعروالجودة، ولكنه طور أساليب جديدة للشحن اللاسلكي لتتوافر الخدمة لتلك الأجهزة التي لا تدعم هذه التكنولوجيا، «وليد خالد» أحد مؤسسي المشروع يقول: نسعى لتطوير الفكرة حتي تصبح بمفهوم بسيط مثل جهاز "واي فاي" لشحن الأجهزة عن بعد، كما نصمم الآن مكاتب تدعم الخدمة، فليس علي المستخدم سوي وضع الجهاز علي سطح مكتبه العادي ليبدأ في الشحن مباشرة».
تبدأ رحلة المشروع في «تيك» من خلال مسابقة «ستارت أي تي» التي يمكن التقدم لها من خلال موقع الحاضنة www.tiec.gov.eg ويتم إجراؤها كل ثلاثة أشهر، حيث تتقدم فرق العمل بنماذج مشاريع أو بأفكار واضحة قابلة للتنفيذ، ويشترط أن تكون الفرق مكونة من خريجين أحدهم علي الأقل متخصص في مجال التكنولوجيا ومتفرغون للمشروع لضمان استمراريته ويقع اختيار لجنة التحكيم المكونة من متخصصين في مجال الأعمال من الحكومة، والقطاع الخاص، والمستثمرين، وخبراء الصناعة علي الفرق الفائزة بعد تقديم عرض مختصر يوضح فكرة المشروع، ويتم التقييم عبر معايير محددة، من أهمها أن يكون مشروعًا هادفًا للربح وقابلا للنمو، ويوفر فرص عمل.
بعدها يتم توقيع العقود مع الفرق التي تحقق أعلي معدلات في التقييم ليحصلوا علي باقة من الخدمات من وزارة الاتصالات حيث يحصل الشباب الفائزون علي مقر لشركتهم الناشئة بالقرية الذاكية، تتوافر فيه خدمات الانترنت وذلك لمدة عام أو أكثر، وباقة من الخدمات الاستشارية في التسويق مع اتاحة الفرصة لهم لمقابلة نماذج أخري من المشاريع يستطيعون من خلالها تبادل الخبرات معهم، كل ذلك بدعم يصل إلي 180 ألف جنيه لكل مشروع.
تبدأ المرحلة التالية للمشاريع في «تيك» من خلال وضع برنامج النقاط المرحلية، وفيه يتم اجتماع خبراء حاضنة وزارة الاتصالات مع أعضاء الفريق لتحديد النقاط المرحلية لتنفيذ المشروع واكتشاف احتياجات الفريق وإمكاناته، ومعرفة نقاط القوة والضعف في الفريق، ووضع خطة لتنفيذ المشروع تتم مراجعتها وتحديثها كل ثلاثة أشهر، وتقديم الحلول للمشاكل التي يصادفها بالإضافة للمحاضرات التي تساعده للوصول إلي المستثمرين.
ويٌحدد استمرار المشروع في الحاضنة أو إنهاء التعاقد، وقد يستمر الاحتضان لمدة عام أو أكثر وفقا لاحتياجات المشروع، كما يتاح في»تيك» نوعان من الاحتضان، أحدهما حقيقي بتوفير مقر للشركة داخل القرية الذكية، والآخر افتراضي يكون فيه الاحتضان بدون مقر ولكن يحصل المشروع علي كل الخدمات الأخري.
.لا تتوقف الفرص المتاحة في «تيك» لاعلي صناعة التكنولوجيا بالكامل، ولكن الأهم هو الاعتماد علي التكنولوجيا في تلك المشاريع فاحدى الشركات التي دعمتها «تيك» وحققت نجاحا كبيرا كانت تهدف لتوصيل الطعام إلي المنازل وجاء المشروع في شكل موقع الكتروني لطلب الخدمة فتم إدخال عنصر التكنولوجيا بها، ومنها مشروع شركة توفر عمال النظافة للمنازل، حيث التقينا «جهاد» مؤسسة الشركة بمقر «تيك» وقالت لنا: «المشروع عبارة عن منصة إلكترونية توصل أصحاب المنازل مع عمال النظافة الذين تم إجراء فحص أمني لهم، وتلقوا تدريبا مع الشركة، وبدأت الفكرة من معاناة شخصية لي في المنزل حيث كان من الصعب الوصول لمساعدين في تنظيف المنزل بجودة عالية وأسعار معقولة وكل الشركات العاملة في المجال تهتم بالتعاقد مع شركات وليس المنازل، ففكرنا في إطلاق منصة الكترونية تطلب من خلالها الخدمة مع توضيح طبيعة العمل ومواعيده، ويتم تحديد السعر مباشرة للعميل وهكذا يوجد المشروع فرص عمل، ويقدم مواعيد عمل مرنة لهم، وقد بدأنا منذ عام والآن لدينا 40 عاملا وعاملة نظافة ونقدم خدمتنا في خمس مناطق، ويعتمد المشروع علي التكنولوجيا فيطلب الخدمة وكذلك التواصل مع العمال وهذا هو الفرق الرئيسي بين شركتنا وأي مشروع آخر ونستعد الآن لإطلاق تطبيق علي الهاتف يمكن من خلاله طلب الخدمة».
ومن شركة لتقديم خدمات النظافة إلي مشروع تكنولوجي لإنشاء المواقع التقينا مع فريق عمل ابتكر محركا يساعد غير المتخصصين لإنشاء المواقع الالكترونية وتطبيقات الموبايل من دون أي خلفية تكنولوجية ويقول أحمد أجر مؤسس الشركة: «صممنا محركا لإنشاء المواقع والموبايل ابليكشن بدون كتابة أكواد من خلال موقع بسيط ونماذج معدة مسبقا يمكن لأي شخص غير متخصص أن يصمم موقعه فورا، كما وفرنا خدمة تأمين البيانات ونقدم للمستخدم أيضا الأكواد وسهولة التعديل في الموقع لاحقا، وفرنا أيضا للمطورين السرفر كود للتعديل عليه فيقلل الوقت مما يسهل علي المطور»، ويضيف: «بدأنا من سنة ونصف ونفذنا مواقع لوزارة السياحة في دبي وابليكشن في مصر والسعودية وانضممنا لـ«تيك» في نموذج حاضنة الاعمال.
الافتراضية لأننا لا نحتاج مقرا الآن ولكن نحتاج للدعم المادي والفني والتسويق».
وقبل انتهاء جولتنا في «تيك» لفتت أنظارنا مجموعة صغيرة من الشباب تستعد للرحيل فقد حزموا أغراضهم مستعدين للخروج من «الحاضنة» بعد أن أمضوا بها ما يقرب من عام، التقيت محمد أمين مؤسس شركة متخصصة في محادثات الرد الآلي وهي عبارة عن تكنولوجيا توفر خدمات الرد الآلي علي المحادثات عبر الانترنت من خلال الذكاء الاصطناعي وهي أول شركة في الشرق الأوسط تدعم هذه الخدمة باللغة العربية.
ويوضح أمين: طورنا تكنولوجيا جديدة تسمح لأي شخص غير متخصص وليست لديه أي خلفية عن صنع الأكواد أن يبني صندوق المحادثة الخاص بكل سهولة، وعلي أي موقع به خاصية المحادثات حيث نٌدخل مجموعة كبيرة من الاحتمالات والأسئلة المتوقعة ويطور البرنامج من نفسه كلما تفاعل معه المستخدم أكثر .
وهذه التكنولوجيا توفر الوقت والمال للعميل وقبل الاحتضان في «تيك» كنا مجرد نموذج والآن أصبح لدينا عملاء في السعودية والارجنتين وأصبح لدينا 8 موظفين بالشركة وحصلنا علي عدة جوائز علي مستوي مصر والشرق الأوسط.
ويضيف: «أهم مميزات الاحتضان أننا كمشروع في بدايته لا نتحمل أي أعباء مادية أو إدارية من نوعية تأجير مكتب والإنفاق علي الانترنت والتكييف وكل هذه التكاليف تقتل أي «ستارت اب» في بدايته فكانت فرصتنا أفضل للتركيز علي المنتج فقط».
ولكن كيف ولماذا تم تأسيس «تيك» ؟ أجاب عن هذا السؤال الدكتور حسام عثمان، نائب رئيس هيئة «ايتيدا» ومدير مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال «تيك قائلا:» تم انشاء المركز في عام 2010 ليعمل كمحفز ومنسق ونقطة اتصال محورية لجميع عناصر مجتمع الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كما يهدف المركز لاحتضان ودعم تأسيس شركات واعدة ومبدعة، واكتشاف المبدعين من الشباب ورعايتهم وتشجيعهم، وتهيئة بيئة الإبداع وريادة الأعمال وما تحتويه من لوائح وقوانين وحماية الملكية الفكرية وبراءات الاختراع، بالإضافة لوضع مصر كمركز إقليمي وعالمي للإبداع القائم علي القيمة المضافة، وكل ذلك من خلال حزمة الخدمات التي يقدمها للشباب من خلال دعم 20 مشروعا سنويا بهدف خدمة الاقتصاد القومي ومن خلال الاعتماد علي ريادة الأعمال لخلق فرص عمل للشباب وتصدير خدمات التكنولوجيا للخارج».
لذلك قدمت كل خدمات «تيك» مجانا للشباب بداية من المقر وحتي الخدمات الاستشارية، بالإضافة إلي أن الحاضنة لا تحصل علي حصة من الشركات، مثلما تفعل معظم حاضنات الأعمال الخاصة فيتم استقبال المشروع ودعمه في مرحلة مبكرة جدا، وهي المرحلة التي وصفتها مديرة إدارة الحاضنات لمياء الرشيدي بمرحلة «المخاطرة» التي يرفض أي مستثمر الاشتراك بها حتي وإن كان بمفهوم ريادة الأعمال» مستثمر ملائكي»، فالمشروع ما زال في بدايته ولم تتضح فرص نجاحه أو فشله بعد.
وبالرغم من أن الأفكار هي وقود العمل في حاضنة الأعمال ولكن هناك أزمة في عدد الأفكار المتقدمة وجودتها، وبحسب لمياء الرشيدي فنظام التعليم لا يساعد الشباب علي الخروج بأفكار مبتكرة أو إبداع حلول للمشاكل، وتقول:» نقابل العديد من الشباب الأذكياء ولكنه لم يتعلم طرق تفكير مبتكرة أو إبداعية لذلك أطلقنا إدارة للإبداع تذهب للجامعات وتقدم تدريبا للطلبة ليبحثوا عن المشكلة ويجدوا لها حلاً ويحول الفكرة لمشروع يستطيع أن يتقدم به لبرنامج «المحفز» ومنه إلي حاضنة الأعمال بـ «تيك». من نفس المنطلق يختلف تعامل «تيك» مع المشروعات غير المكتملة التي تجد فرصة كبيرة أيضا في حاضنة أعمال وزارة الاتصالات، فمن خلال برنامج «محفزات الأعمال» يتم استقبال الشباب الراغبين في تطوير أفكارهم وتحويلها لمشروعات ناشئة، وتوضح لمياء الرشيدي قائلة:» في بعض الأحيان يتقدم شباب بدون فكرة واضحة أو نموذج عمل ولكن لديهم الإرادة والطموح فصممنا برنامجا آخر تابعا لإدارة ريادة الأعمال، وهو برنامج «محفزات الأعمال» الذي يستمر لمدة ثلاثة أشهر ويقدم من خلاله دورات للشباب يتعلمون فيها كيفية تطوير أفكارهم وكيف يضعون خريطة عمل ونموذج أولي يستطيعون أن يتقدموا به لمسابقة «ستارت أي تي» وكل هذه الخدمات مجانا بالكامل». وبعد انتهاء فترة الاحتضان يستمر «تيك» في تقديم خدماتها للمشروعات الناشئة من خلال خطط زيادة الصادرات المصرية في مجال التكنولوجيا حيث تتوافر للشركات فرص الخروج للمعارض والمسابقات الدولية.
وعن المشاكل التي تواجه المشروعات في «تيك» قالت لمياء الرشيدي: «أغلبها ينتج عن غياب ثقافة العمل داخل فريق، وغياب الخبرات المتكاملة عن فريق العمل».
«الابتكار وريادة الأعمال أصبحت أسلوب حياة» هكذا بدأت أسماء حسني الرئيسة التنفيذي لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات «ايتيدا» حديثها معنا مضيفة:» التكنولوجيا الآن هي أساس التعليم والصحة وأصبح الموبايل أداة لتنفيذ جميع المتطلبات اليومية، وهذا يتطلب أن نبني أجيالا تعتمد علي التكنولوجيا وتطور فيها، وتكون لديها القدرة علي إنتاج أفكار تتحول إلي مشروعات، لذلك تهتم وزارة الاتصالات بتقديم برامج مختلفة في مجال ريادة الأعمال وتم تخصيص 50 مليون جنيه لإنشاء مجمعين للإبداع في المنطقة التكنولوجية بمدينة برج العرب والمنطقة التكنولوجية بأسيوط بمعدل إنفاق 25 مليونا لكل مجمع علي مدي خمس سنوات.
كما نقدم برامج بالتعاون مع الجامعات ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لنشر ثقافة ريادة الأعمال.
وتضيف: «سنقدم المساهمة في مبادرة مجتمعات الإبداع في مختلف المحافظات لنصل إلي الشباب ونعمل علي نشر ثقافة ريادة الأعمال من خلال عدد من الفعاليات المتخصصة والمحاضرات التثقيفية»