القاهرة-سهام أبوزينة
اتجهت أنظار مجتمع المال والأعمال في العالم مجدداً إلى دبي مع اقتراب الإعلان رسمياً عن استحواذ شركة «أوبر» الأمريكية، المتخصصة في النقل التشاركي على شركة «كريم» ومقرّها دبي خلال الأسبوع الجاري، بصفقة تصل قيمتها إلى 11.3 مليار درهم (3.1 مليارات دولار)، في صفقة من العيار الثقيل والأكبر في المنطقة بعد استحواذ عملاق التجارة الإلكترونية العالمي «أمازون» على موقع «سوق.كوم» الذي تأسس في دبي بصفقة تقدر قيمتها بـ 2.1 مليار درهم (580 مليون دولار).
وترسخ مثل هذه الصفقات من مكانة دبي كمنصة لإطلاق وتوسع الشركات الناشئة والمشاريع المبتكرة بفضل ما توفره من بيئة مثالية لرواد الأعمال الطموحين من مختلف أنحاء العالم، حيث مهّدت الإمارة لانطلاق العديد من الشركات الناجحة التي استقطبت استثمارات وتمويلات عالمية ومحلية، يأتي من ضمنها شركة «فيتشر» لخدمات التوصيل، و«نمشي» للتجارة الإلكترونية التي استحوذت عليها شركة إعمار بقيمة 1.29 مليار درهم، وموقع الإعلانات المبوبة «دوبيزل» وغيرها الكثير.
وقال مصدر مطلع على الصفقة طلب عدم نشر اسمه، إن الصفقة لا تزال قيد الانجاز وسيُعلن عنها على الأرجح خلال أيام، حيث يجب مشاركة الاتفاقية مع جميع المساهمين (بحسب ماتم نشره في جريدة البيان الإماراتية).
اقرا ايضا :
عصام الصغير يُؤكِّد لعب مصر دورًا محوريًّا في التجارة الإلكترونية
وأضاف المصدر أن اجتماعات تجري حالياً في مقر شركة كريم بدبي لمناقشة التفاصيل الأخيرة قبل الإعلان عن الصفقة، لافتاً إلى أن الصفقة ستكون أعلى بقليل من 3 مليارات دولار.
وبحسب ما ذكرته وكالة بلومبرغ نقلاً عن مصادر، ستقدم شركة «أوبر» 1.4 مليار دولار نقداً، و 1.7 مليار دولار سندات قابلة للتحويل. وستتحول الشهادات المالية إلى أسهم في شركة أوبر بسعر يعادل 55 دولاراً للسهم، وفق بيان الشروط الذي حصلت بلومبرغ على نسخة منه.
ويشمل بيان الشروط أن المساهمين في شركة كريم، التي يشمل داعموها شركة الوليد بن طلال للاستثمار، وشركة راكوتين اليابانية لتجارة الإلكترونية، تم الطلب منهم الموافقة على شروط الصفقة بحلول مساء اليوم الاثنين ويمكن إعلانها غداً الثلاثاء.
وكانت القيمة السوقية لشركة كريم قُدّرت بمليار دولار عام 2016، ما يجعلها من أغلى شركات التقنية الناشئة في الشرق الأوسط.
ويعد اهتمام شركة عالمية كبرى بحجم «أوبر» دليلاً على النجاح الذي حققته شركة «كريم» انطلاقاً من دبي لتمثل مصدر منافسة حقيقياً للشركة العملاقة في المدن التي تغطيها أنشطة الشركة التي وجدت في دبي البيئة الداعمة للنجاح للتحول خلال فترة وجيزة إلى مشغل لخدمات النقل والتوصيل بإجمالي مستخدمين يناهز 30 مليون مستخدم في حوالي 90 مدينة موزعة على 15 دولة تمتد من باكستان شرقاً إلى المغرب في الجانب الغربي من العالم العربي بأسطول ضخم يضم نحو مليون سائق.
ومن خلال موقعها الإلكتروني أو تطبيقها، فهي تتيح للعملاء حجز مقاعد في السيارات والدراجات وعربات الغولف والقوارب وعربات الريكشا، وتهتم بجودة الخدمة التي تقدمها، ومنذ اليوم الأول لتأسيسها وهي تُنافس أوبر بشراسة للسيطرة على الحصة الأكبر في سوق الشرق الأوسط.
ولم يكن الاستحواذ هو قرار أوبر الأول، حيثُ أجرت كلّ من أوبر وكريم مباحثات أولية في يوليو 2018 بهدف التعاون والجمع بين خدماتهم في الشرق الأوسط عن طريق تأسيس شركة تجمع كلاً من أوبر وكريم، على أمل حلّ التنافس المكلف في المنطقة، حسبما قال مطلعون على المسألة في ذلك الوقت، ولكن بسبب رغبة أوبر في امتلاك أكثر من نصف الشركة المشتركة، فإنَّ الأمور تعقد ما جعل أوبر تفكّر في خيار الشراء.
وتعكس الصفقة الوشيكة المكانة المتقدمة التي باتت دبي تحتلها كمركز لصفقات الاستحواذ الضخمة لشركات تأسست فيها واتخذت منها مقراً لأعمالها، حيث تأتي الصفقة الوشيكة بعد نحو عامين من إتمام عملاق التجارة الإلكترونية «أمازون» أحد أكبر المواقع للتسوّق عبر شبكة الإنترنت على مستوى العالم، الاستحواذ على «سوق دوت كوم» أكبر منصة للتجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط والتي بدأت أيضاً من دبي، وتحديداً من مدينة دبي للإنترنت التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في عام 1999 تأسيساً لأكبر منطقة حرة في المنطقة للأنشطة المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمشاريع التقنية المتطورة، في ضوء رؤية سموه التي تحولت دبي بفضلها إلى أحد أهم المراكز العالمية للمال والأعمال في المنطقة.
وتعتبر البيئة الداعمة للأعمال في دبي أحد أهم مقومات التميز الذي حققته كمركز لاستقطاب المشاريع الواعدة والمبدعة من مختلف أنحاء العالم، وذلك في ضوء الدعم الكبير الذي توليه الحكومة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والتشجيع المستمر للإبداع وجذب المواهب وهو المبدأ الذي أقره صاحب السمو حاكم دبي في المبادئ الثمانية التي أعلنها سموه مطلع العام الجاري كأساس للحكم في دبي، والتي جاءت متضمنة مبدأً ينصّ على أن دبي هي «أرض المواهب»، حيث يشير المبدأ إلى أن استمرار تنافسية دبي مرهون باستمرار استقطابها لأصحاب العقول والأفكار، بما يستدعيه ذلك من ضرورة مواصلة تجديد السياسات والإجراءات بشكل مستمر لتأكيد جاذبية الإمارة للمواهب، وبناء الحياة الأفضل في دبي لأصحاب العقول والأفكار الأفضل.
وتعتبر البيئة القانونية والتشريعية المرنة التي تراعي مصالح مجتمع الأعمال والمناخ الصحي الذي توفره دبي للشركات بصفة عامة ومن كافة الأحجام والتخصصات المدعوم ببنية أساسية رفيعة المستوى، والأهم من ذلك رؤية واضحة للمستقبل تقوم في جوهرها على تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإشراك الأخير في المشاريع التنموية الضخمة التي تتبناها الإمارة التي خصصت 9.2 مليارات درهم لمشروعات البنية التحتية ضمن موازنتها لعام 2019، من بين العوامل التي تجعل من دبي بيئة خصبة لنمو وازدهار الأعمال والمشاريع.
والنجاح الذي حققته دبي في هذا المجال ليس وليد الأمس، ولكنه نتاج عمل وجهد كبيرين ورؤية استراتيجية تقوم على أساس قناعة كاملة بقيمة الشراكة مع القطاع الخاص نحو النجاح المشترك، حيث أثمرت تلك الرؤية وهذا النهج العديد من الإنجازات المماثلة قبل سنوات خلت، حيث أعلنت شركة «ياهو» العالمية في الربع الثالث من عام 2009 الاستحواذ على موقع «مكتوب دوت كوم» أكبر موقع عربي للبريد الإلكتروني في صفقة، أشارت بعض التقديرات في هذا الوقت إلى أنها وصلت إلى نحو 85 مليون دولار، واعتبرها الطرفان آنذاك بمثابة إشارة البدء لدخول قطاع تقنية المعلومات العربي مرحلة العالمية.
وأرجعت «ياهو» في ذلك الوقت إقدامها على هذه الصفقة إلى عدة أسباب في مقدمتها نجاح الموقع العربي، الذي اتخذ من مدينة دبي للإنترنت مقراً له، في تأسيس أكبر مجتمع معلوماتي عربي على الإنترنت، بينما جاءت هذه الخطوة بعد 9 سنوات فقط من انطلاق الموقع الإلكتروني المجاني باللغتين العربية والإنجليزية الذي تأسس في دبي عام 2000، ليبلغ عدد المشتركين في الموقع قبيل إتمام استحواذ شركة ياهو عليه 16.5 مليون مشترك.
وتشير التقارير إلى أن مجموعة من الشركات العاملة في مدينة دبي للإنترنت نجحت في استقطاب تمويل يقدر بنحو 7.8 مليارات درهم (2.1 مليار دولار) منذ انطلاق المدينة حتى مارس 2018، ما يعزز مكانة مدينة دبي للإنترنت كأكبر مركز لأنشطة الأعمال المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنطقة، ويدلل على نجاح دبي في استقطاب أنجح مشاريع الأعمال وتمكنها من احتلال مكانة رائدة كمحرك دفع لصناعة تقنية المعلومات والاستثمار في الإبداع على الصعيد العربي، مع تنوع أنشطة الشركات العاملة في المنطقة التكنولوجية الحرة ضمن مجتمع متنامٍ يضم شركات متخصصة في مجالات نوعية مثل إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والأمن المعلوماتي، والحوسبة السحابية، وتقنيات الروبوتات، وغيرها من الأنشطة المكملة ذات الصلة.
بدأت شركة «أوبر» المتخصصة في النقل التشاركي في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة عام 2010. وبعد أكثر من 10 مليارات رحلة، توسّعت خدمات الشركة التي تصل قيمتها السوقية إلى 120 مليار دولار.
من جانبها، انطلقت شركة «كريم» المتخصصة في حجز السيارات وخدمات النقل والتوصيل عبر تطبيق الهواتف الذكية في دبي عام 2012.
وتعمل شركة كريم حالياً في 90 مدينة بأكثر من 15 دولة، وتتعامل مع أكثر من 30 مليون مستخدم وما يزيد على مليون سائق. وحصلت الشركة مؤخراً على لقب «يونيكورن» بعد أن تخطى رأسمالها المليار دولار.
قد يهمك ايضا :